المرشد الإيراني يضع النقاط على حروف المفاوضات.. والاحتمالات مفتوحة

ما زالت المفاوضات الإيرانية الأمريكية تحتل سلم الأحداث الدولية والإقليمية في ضوء نتائج الجولة الأولی التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط، السبت الماضي، على أن تُعقد الجولة الثانية غداً (السبت) في العاصمة الإيطالية روما.

يوم الثلاثاء الماضي، وضع المرشد الإيراني الأعلی الامام علي الخامنئي المفاوضات الإيرانية الأمريكية في المكان الذي يجب أن تُوضع فيه، في محاولة منه لضبط ايقاع الداخل الإيراني المنقسم على نفسه في التعامل مع ملف المفاوضات في اتجاهين؛ الأول، يری المفاوضات مجرد فخ أمريكي لحشر إيران في الزاوية مقدمة للانقضاض علی النظام السياسي فيها، كما حصل في عديد الحالات المشابهة خلال العقود الخمسة الماضية، وبالتالي تتحكم به نظرة سلبية للمفاوضات، إستناداً إلى تجربة انقضاض إدارة دونالد ترامب في العام 2018 على الاتفاق النووي الموقع في العام 2015.

اما الاتجاه الإيراني الآخر، فينظر نظرة إيجابية اعتقاداً منه بأن هذه المفاوضات كفيلةٌ بازالة العقوبات وخصوصاً أن ترامب أبدى حماسة للتفاوض، ولذا علينا أن “نلحق الكذّاب إلى باب داره”، كما يقول المثل الشعبي، وهذا يعني عدم تفويت الفرصة إذا كانت متاحة للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات طمعاً بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب الإيراني.

وبين هذا الاتجاه وذاك، قرّر المرشد الأعلی وضع الأمور في نصابها عندما دعا إلی عدم المبالغة بالتفاؤل وكذلك عدم المبالغة بالتشاؤم وبالتالي وضع المفاوضات في اطارها الطبيعي وعدم الرهان علی نتائج هذه المفاوضات من قبل الحكومة وأجهزتها التنفيذية “لأن وضع جميع البيض في سلة نتائج المفاوضات كما حدث في حكومة الرئيس حسن روحاني من شأنه أن يُفقد الحكومة اتزانها في إدارة شؤون البلاد ويُفقدها السيطرة علی تلبية استحقاقات العمل الحكومي في حل المشاكل وايجاد البدائل المناسبة لمواجهة متطلبات المواطنين والخدمات التي يحتاجها البلد”.

أما التلويح بالحرب فهذه قصة أخرى.. سيخسر فيها ترامب كما خسر عند انسحابه من الاتفاق النووي الذي حدّد عملية تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.6%، وبعد 7 سنوات من مغادرة الاتفاق يجلس ترامب ليُفاوض إيران وهي تملك 275 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%!

وفي هذا الاطار، يُمكن إجراء تقييم نسبي للمفاوضات إستناداً إلى عدد من المؤشرات:

أولاً؛ يهدف دخول ‫إيران إلى هذه المفاوضات إلى رفع الحظر والعقوبات، فإذا وجدت أنها لن تُحقّق الهدف المنشود، لن تقبل بالتفاوض لأجل التفاوض ولا باستدراجها إلى معادلات يُريد ترامب رسمها، وهذا هو المزاج العام السائد حالياً لدی القيادة الإيرانية والحكومة الإيرانية ومجلس الأمن القومي الذي يرسم السياسات الاستراتيجية العامة للبلاد.

ثانياً؛ كان الاجتماع الأول إيجابياً ومؤشراته بنّاءة، وما تمت مناقشته من مواضيع كان مشجعاً ويؤشر إلى إرادة إيجابية بالتوصل إلى اتفاق يرفع العقوبات عن ‫إيران ويُزيل القلق عند الجانب الآخر من طبيعة البرنامج النووي الإيراني.

ثالثاً؛ لا يُمكن التكهن بنتائج هذه المفاوضات بسبب شخصية ترامب وقراراته الارتجالية في أغلب الأحيان؛ لذا، يُمكن تقييم كل جولة تفاوضية في ضوء ما تُفرزه من معطيات، فهذه المفاوضات مرشحةٌ للانهيار في كل لحظة وساعة بناء علی توجهات ترامب غير المحسوبة وغير المنتظرة.

رابعاً؛ ليس خافياً على أحد أن أكبر معضلة تواجه المتفاوضين هي أزمة انعدام الثقة على خلفية التجارب السابقة وعدم التزام الجانب الأمريكي بتعهداته في الاتفاق السابق (2015)؛ وهو ما أشار إليه المرشد الإيراني الأعلی عندما قال بعد الجولة الأولی إن إيران لا تثق بالجانب الآخر لكنها تثق بقدرات المفاوض الإيراني في المفاوضات.

خامساً؛ أي خطوة تتخذها طهران في هذه المفاوضات ستكون حذرة ومحافظة ومترددة على قاعدة أن الآخريتربص بها الدوائر.

سادساً؛ كل الاحتمالات حاضرة على طاولة المفاوضات.. اتفاق مرحلي.. اتفاق دائم على مراحل.. لا اتفاق.. تفاهمات مرحلية.. الأمر يتعلق فعلياً بالأفكار التي تُطرح على طاولة البحث.

سابعاً؛ التحول من المفاوضات “غير المباشرة” إلى مفاوضات “مباشرة” يعتمد علی تعزيز الثقة عند الجانب الإيراني لأن طهران تريد مفاوضات جادة للتوصل إلى اتفاق يخدم مصالح الجانبين وفي المقدمة ازالة الحظر ورفع العقوبات.

ثامناً؛ يجب أن تتوقف فوراً لغة التهديد الأمريكية مع إيران لأنها تؤدي إلى التشويش على المفاوضات وقد تكون سبباً يؤدي إلى انهيارها، فالداخل الإيراني لن يسمح لممثله في المفاوضات بأن يستمر في ظل لغة التهديد حتى وإن أصر المفاوض على المضي بها لسبب أو لآخر.

تاسعاً؛ ما وضعه الإمام علي الخامنئي يوم الأحد 13 الجاري أمام قادة القوات المسلحة بعنوان “جهوزية عسكرية.. ودبلوماسية نشطة” يحمل في طياته دلالات كثيرة حيال التعاطي مع المفاوضات ونتائجها.

عاشراً؛ عنصر القلق هو جادةٌ باتجاهين ويجب تبديده إذا كان الجانبان يرغبان بالتوصل إلى اتفاق جيد وجديد.

حادي عشر؛ الحديث عن تنازلات في المفاوضات من هذا الجانب أو ذاك أمرٌ غير واقعي، وكلما تعززث الثقة المتبادلة كلما كان الطرفان أقدر على اتخاذ قرارات شجاعة.

إقرأ على موقع 180  الأعراض الجانبية للقاحي فايزر ومودرنا.. إستناداً للنموذج الفرنسي 

ثاني عشر؛ هذه المفاوضات لا تُعقد بعد حرب فيها خاسر ورابح حتى يُملي الأول شروطه على الثاني. إنها مفاوضات جادة، وإيران تشعر بأنها تملك الكثير من الأوراق التي تجعلها قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية.

ثالث عشر؛ أما التلويح بالحرب فهذه قصة أخرى.. سيخسر فيها ترامب كما خسر عند انسحابه من الاتفاق النووي الذي حدّد عملية تخصيب اليورانيوم عند مستوى 3.6%، وبعد 7 سنوات من مغادرة الاتفاق يجلس ترامب ليُفاوض إيران وهي تملك 275 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%!

‫واستناداً إلى هذه المقاربات والمؤشرات لا تسير المفاوضات بالضرورة علی سجادة حمراء.. إلا أن ذلك لا يمنع من اعتماد قاعدة تقييم “مرحلة مرحلة” و”زنكه زنكه” علی طول المسار التفاوضي.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إرث الحريرية يُعزّز التباين الأميركي-السعودي في لبنان