المخرج محمد سويد في سينماه المؤجلة.. التجريب والنحت والاكتشاف

كتاب "السينما المؤجلة: أفلام الحرب الأهلية اللبنانية" للناقد والمخرج اللبناني محمد سويد، يُعتبر مرجعًا مهمًا في دراسة السينما اللبنانية خلال فترة الحرب الأهلية (1975-1990). صدرت الطبعة الأولى في العام 1986، وتلتها طبعة ثانية عام 2024 بالتعاون بين المؤلف و"نادي لكل الناس" وبدعم من منظمة "اليونيسكو" وجمعية "بيريت".

الثالث عشر من نيسان/أبريل 2025 تاريخٌ يكتسب أهمية رمزية. خمسون عاماً على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان. للمناسبة، تحلّق عدد من الزملاء والنقاد السينمائيين وجمهور مختص في “سينماتك بيروت”، ملتقى العاملين بالسينما والمهتمين بها، حول المخرج اللبناني محمد سويد، لنيل توقيعه على كتابه المُستعاد “السينما المؤجلة”، في طبعته الثانية.

ويقول مؤسس ومدير “نادي لكل الناس” نجا الأشقر إن المبادرة تهدف إلى تعريف الجيل الجديد على روّاد السينما اللبنانية السابقين، مشيراً إلى أن النادي كان قد نشر كتباً عديدة لنقاد سينمائيين لبنانيين وأبرزهم الناقد إبراهيم العريس “الحلم المعلق – سينما مارون بغدادي”، كما عشرات الألبومات لموسيقيين كبار بينهم الفنان اللبناني زياد الرحباني، ويوضح أن النادي الذي يتخذ من مبنى جريدة “السفير” في شارع الحمرا البيروتي مقراً له استطاع على مدى ربع قرن من الزمن أن يُسلّط الضوء على التجارب السينمائية اللبنانية في سياق أرشفة سينمائية كان من الطبيعي أن تشمل كل الذين شاركوا في تأسيس السينما اللبنانية المعاصرة وبينهم برهان علوية وجورج نصر ومارون بغدادي وجان شمعون وحتماً كان لا بد من وضع كتاب محمد سويد بتصرف الجيل الجديد.

ولعل أفضل تكريم للكاتب “يكون بإعادة إحياء نتاجه”، يقول الصحافي والروائي والشاعر أحمد علي الزين: “شهادتي بمحمد كشهادة أخ بفضائل أخيه، قد يبدو فيها انحياز أو مديح، ولكن هي ليست خاصة بي وحدي؛ كلُ متابع للحركة النقدية السينمائية، يحتاج لهذا الاسم، يعود إليه، مرجعاً ورأياً، هو لم يُوثّق للسينما، بل تعمّق في قراءتها ودراستها بعين المهني، وبقلم الأديب”.

السينما.. والحرب

في هذا السياق، تأتي إعادة إصدار كتاب محمد سويد “السينما المؤجلة”؛ المرجع الذي يتناول تجارب سينمائية لبنانية غنية خلال سني الحرب الأهلية اللبنانية. وتشهد له تجربته الطويلة في الصحافة اللبنانية، ولا سيما في صحيفتي “السفير” و”النهار” البيروتيتين العريقتين وسواهما، أنه أصبح مرجعاً للقراء المهتمين بهذا العالم، ممن كانوا ينتظرون في الزمن الورقي الجميل مقالته الأسبوعية، وفيها يعرض للنتاج السينمائي اللبناني والعربي والعالمي، فضلاً عن تلخيص كتب ومراجع تهم دارسي السينما وروادها.

ويُعدّ كتاب “السينما المؤجلة” لمحمد سويد عملًا بحثيًا قيّمًا يُلقي الضوء على مرحلة حساسة من تاريخ السينما اللبنانية، إذ يتناول تأثير الحرب الأهلية على الإنتاج السينمائي، ويعرض بأسلوب منهجي توثيقي كيفية تفاعل المخرجين اللبنانيين مع الأحداث الدامية التي هزت البلد طوال 15 عامًا (1975-1990).

وتلعب السينما في زمن الحرب دورًا مزدوجًا؛ فهي أداة للدعاية والتأثير السياسي من جهة، ووسيلة للتعبير الفني ونقل معاناة الشعوب من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه، يستطيع المخرجون من خلالها تقديم رؤى نقدية ومعالجة قضايا الحرب والإنسانية.. ومحمد سويد ينتمي إلى الفئة الأخيرة. يضع الإنسان هدفًا؛ يتحدث باسمه؛ ينقل قضاياه.

في مقدمة النسخة الجديدة من الكتاب أطل علينا محمد سويد بمقدمة مُعدلة جاء فيها: “في مكاتب جريدة “السفير”، ولدت فكرة “السينما المؤجلة”. لا بد من شكر وعرفان مضاعفين بعدد السنين الفائتة وأكثر للروائي الياس خوري، على حبه وصداقته وأمانته في إصدار الكتاب عن “مؤسسة الأبحاث العربيّة”. لدى مراجعتي الطبعة الثانية، تملكني جزع من مرور أربعين عاماً على طبعته الأولى. كأن مَنْ كتبها شخص آخر، كنته وما عدته. احتراماً له، تركت النص على أصله. لم أغيّر فيه شيئاً، عدا تصحيح أخطاء مطبعية وصوغ فقرتين التبستا على القارئ جراء سقوط أسطر منهما سهواً في الطبعة السابقة… لا يعيش المرء حياة واحدة، بل حيوات عدة وميتات بعددها ويزيد. يفرحني إحياء الكتاب، ويحزنني رحيل الذين تناولهم من منتجين ومخرجين وفنيين عملت معهم. أفتقدهم كثيراً. ويحزّ في نفسي أكثر ألا يكون في وسعي، وعلى عادتي كلّما صدر لي كتاب، أن أهدي نسخته الأولى إلى أمي”.

أحمد علي الزين: “شهادتي بمحمد سويد كشهادة أخ بفضائل أخيه، قد يبدو فيها انحياز أو مديح، ولكن هي ليست خاصة بي وحدي؛ كلُ متابع للحركة النقدية السينمائية، يحتاج لهذا الاسم، يعود إليه، مرجعاً ورأياً، هو لم يُوثّق للسينما، بل تعمّق في قراءتها ودراستها بعين المهني، وبقلم الأديب”

السينما وحفظ الذاكرة

يتناول سويد أيضاً في كتابه تأثير الصور الفوتوغرافية للحرب (معظمها بالأسود والأبيض)، وكيف تظل آسرة برغم اهترائها؛ لتُثير الحواس والمشاعر. هذا التحليل يُظهر افتتانًا سينمائياً بحرب العام 1975، التي تظل محفورة في الذاكرة اللبنانية. ويُظهر الكتاب اهتمامًا خاصًا بدور الصور في نقل الذاكرة الجماعية، وهذا جانب يُثري الدراسة ويوسع أفقها لتشمل التوثيق البصري غير السينمائي.

ويناقش كتاب محمد سويد دور الموزعين اللبنانيين في الاستثمار بالسينما اللبنانية والعربية برغم التحديات، وكيف نجحوا في إنتاج أفلام وطنية بالتعاون مع السينما المصرية، ما أدى إلى إنتاج باقة من الأفلام اللبنانية المميزة في تلك الفترة. ويُقدم سويد توثيقًا دقيقًا للأفلام المنتَجة خلال الحرب، ويضعها ضمن سياقها التاريخي والسياسي، مما يسهم في فهم أعمق لتلك الفترة، معتبراً أن دور السينما التوثيقي وسيلة لحفظ الذاكرة الجماعية وتقديم شهادات بصرية عن تلك الفترة.

إقرأ على موقع 180  "إتفاق القاهرة" لماذا لا يكون بين اللبنانيين أيضاً؟  

ويُقدّم كتاب سويد تحليلًا نقديًا موثقًا للإنتاج السينمائي اللبناني خلال سنوات الحرب الأهلية، مسلطًا الضوء على كيفية تفاعل السينما مع الأحداث والصراعات التي شهدها لبنان في تلك الفترة. يربط سويد هذا الإنتاج بسياق تاريخي أوسع، مستعرضًا محاولات السينما اللبنانية السابقة للولادة والريادة، مثل جهود جورج نصر في تعزيز هوية سينمائية لبنانية.

ويتناول الكتاب عدة محاور رئيسية، أبرزها توثيق وتحليل الأفلام التي أُنتجت خلال فترة الحرب، محللًا مضمونها وأساليبها الفنية، وكيفية تصويرها للواقع اللبناني المأزوم. ومن خلال هذه المحاور، يُظهر الكتاب كيف أصبحت السينما اللبنانية مرآة تعكس الواقع المعقد للحرب الأهلية، مسجلةً تفاصيلها ومآسيها، ومقدمةً رؤى نقدية حول تأثير الصراع على المجتمع والثقافة في لبنان.

باختصار، كتاب “السينما المؤجلة” عمل نقدي وتوثيقي مهم، يُسلط الضوء على فترة حرجة من تاريخ السينما اللبنانية، ويطرح أسئلة جدية حول علاقة الفن بالواقع المعاش بلغة تجريبية محسوسة. ومع أن هناك بعض النقاط التي كان يمكن تطويرها، إلا أن قيمته التوثيقية والتحليلية تجعله إضافةً أساسية لمكتبة النقد السينمائي العربي.

وما يُميز أسلوب محمد سويد أنه أسلوب بسيط ومفهوم، ما يجعله سهل الوصول إلى القارئين المتخصص والعادي على حد سواء.

وبرغم عمق التحليل الاجتماعي والسياسي، يفتقر الكتاب إلى معالجة جمالية تفصيلية للأفلام من حيث الأسلوب السينمائي وتقنيات التصوير والإخراج. وأغلب الظن أنه كان كان من الممكن أن يكون الكتاب أكثر شمولًا إذا قارن الإنتاج السينمائي اللبناني بنظيره في دول أخرى مرت بتجارب حروب أهلية، مما يوسع نطاق الدراسة وهذا ما كان سيضيفه الناقد محمد سويد لو أنه ألف كتابه في هذه الحقبة الزمنية ليُقارن بين “حروبنا” الماضية وحروبنا العالمية الحالية (مثل أوكرانيا وغزة) والبث المباشر للقتل والإبادة التي لم تكن لتخطر في خيال سينمائي.

نتاج محمد سويد

محمد سويد كاتب وناقد ومخرج سينمائي لبناني، يشغل حالياً منصب مدير القسم الوثائقي في قناة “العربية” في دبي. أنتج عشرات الأفلام الوثائقية الطويلة مع منتجين من أوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان.
تفرغ لكتابة النقد السينمائي منذ بداياته الصحافية. خاض تجربة تحريرية مميزة في صفحة الثقافة في جريدة “السفير” (1982 ـ 1992) و”الملحق الثقافي” الأسبوعي لجريدة “النهار” (1992 ـ 2002)، فضلاً عن نشر مقالات نقدية في مجلة “الكفاح العربي” وصحيفة “الحياة”.

نشر سويد عدّة كتب هي على التوالي: “السينما المؤجلة – أفلام الحرب الأهلية اللبنانية” (مؤسسة الأبحاث العربية، 1986)، “يا فؤادي – سيرة سينمائية عن صالات بيروت الراحلة” (دار النهار، 1996)، رواية “كباريه سعاد” (دار الآداب، 2004).

أقام سويد محاضرات وأحيا عروض إلقاء فردية في عواصم عربية وعالمية أبرزها في متحف “موما” بنيويورك ومدرسة الفنون الجميلة بباريس. كتب وأخرج أعمالاً وثائقية وتلفزيونية عدة، أبصر أولها النور في العام 1990، أي السنة التي تؤرخ لنهاية الحرب الأهلية التي ما زالت مقيمة بيننا حتى الآن. ومن أبرز أفلامه: “أنا لك على طول” (1993)، “أنا في الكاميليا” (1994)، “نساء عاشقات”، “عندما يأتي المساء” (تجربة الكتيبة الطلابية في حركة فتح التي كان جزءاً منها)، “حرب أهلية”، “تانغو الأمل”، “سينما الفؤاد” وغيرها..

Print Friendly, PDF & Email
أغنار عواضة

كاتبة وشاعرة لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ما معنى أن تُلوّح مصر بتجميد كامب ديفيد؟