مراكز التفكير في لبنان.. ضرورة أم ترف فكري؟

مع دخول الألفية الثالثة، لا يختلف القرن الحادي والعشرين عما سبقه من نزاعات وصراعات، حتى باتت القضايا الجيوسياسية محور التحديات، إلى جانب المشكلات المتعلقة بالأمن والاستقرار وحل النزاعات التي ما زالت قضايا محورية ورئيسية كونها تثير قلق السياسيين وصنّاع القرار. ونظراً الى تعقد القضايا وتنوعها، يجب أن تعتمد عمليات صنع القرار على تحليلات علمية جادة.

من هنا تبرز أهمية ضمان توافر الأدوات المناسبة والأساسية، وأول هذه الأدوات هي المعرفة السليمة للمعلومات الأساسية، وهذا لا يعني النظر إلى أثر مختلف القضايا والأزمات فحسب. بل تحليل عناصرها وأسبابها أيضاً، ومن الضروري أن يكون الساسة وصناع القرار السياسي والأمني والاقتصادي مطلعين على الجوانب الجيوسياسية المرتبطة بقضية ما من أجل اتخاذ القرارات المناسبة. كما يجب أن تتوافر لصناع القرار معلومات مناسبة وكافة لتفادي التحليلات غير الدقيقة، ولا بد من اعتماد الاستشارة الناصحة بشأن بعض القضايا الحساسة أو المُعقدة تجنباً للمعلومات غير الصحيحة التي قد تؤدي الى مسار خاطئ في فهم قضية ما.

لكن مع الأسف أن بعض المستشارين أو المؤسسات الخدمية يستعينون بمقالات صحفية أو مصادر معلومات لا تتوافر فيها الموضوعية السليمة. حيث أنه بالنظر الى محدودية الوقت وقلة الموارد المالية والموارد البشرية، نجد بعض المؤسسات تعطي ردوداً سريعة دون أي تعمق في القضية قيد المعالجة، أضف إلى أن تعقيد المواقف وتشابك القضايا الاستراتيجية في بعض المناطق من العالم يزيد من ضرورة استشارة متخصصين، مع وجوب المقارنة بين تحليلاتهم وتقديراتهم.

ريتشارد هاس: “مراكز التفكير تقدم خمس فوائد رئيسية، فهي تصنع “تفكيراً جديداً بين صانعي القرار في الولايات المتحدة، وتوفر خبراء للعمل في الإدارة والكونغرس، وتعطي صانعي السياسة مساحة لبناء تفاهم مشترك بشأن خيارات السياسة وتقوم بتثقيف المواطنين الأميركيين حول العالم، وأخيراً توفر وساطة طرف ثالث وسيط بين أطراف النزاع”

ولا بد أن مراكز التفكير باتت حاجة للمساعدة، عن طريق وسائلها، في مواجهة استخدام العدو للأنترنت والهواتف المحمولة الذكية ووسائل الإعلام الأخرى؛ إذ على هذه المراكز أن تستهدف الفئات العمرية الحرجة، وإجراء استطلاعات رأي، وتحديد الأسباب التي تجعل العدو قادراً على الاختراق. مع التركيز على الشباب بدلاً من مجرد إصدار البيانات والتداول بالأخبار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو الظهور الإعلامي للبعض.

إن حرب الإعلام والاتصالات تدلنا على أن استخدام القوة لمكافحة الاختراقات لا يمكن أن يعالج إلا الأعراض، ولا يمكنه استئصال أي خلية سرطانية.

من هنا يُمكن لمراكز التفكير أن تلعب دوراً حاسماً في دعم هذه الجهود من خلال تقديم تحليل موضوعي ودراسة للخيارات وتحديد شكل المساندة والمساعدة التي من شأنها معالجة القضية المُعالجة.

ويمكن لمراكز التفكير أن تكون المفتاح لتطوير المؤسسات، ويمكن إيجاد أفضل الطرق لعقد شراكات استراتيجية حقيقية تقوم على المصالح والأهداف والخطط والإجراءات المشتركة. ولا يوجد صوت واحد في مراكز التفكير، وهو أمر حيوي في بناء الاستراتيجيات أو الدفاعات المشتركة.

الجدير بالذكر، وجوب التمييز بين مراكز الأبحاث والدراسات ومراكز التفكير؛ أي أن مختبرات الأفكار لا تنتمي إلى عالم البحوث، بل تقع في منطقة خاصة بين البحوث وبين عالم السياسة. وما يميزها أنها تعمل بالطريقة نفسها التي تعمل بها جماعات الضغط، لكن لا يمكن ضمان استقلاليتها، بحسب التجربة الأميركية، فيما تقدم مراكز البحوث ضمانات أفضل من حيث الحيادية، لأنها تتبع أكاديميات وجامعات، كما أن مراكز التفكير تعتمد على من يُمولها، لذلك هي أقل استقلالية، أي أنها تخدم مصالح محددة، في حين أن مراكز البحوث تخدم شكلاً من أشكال المصلحة العامة.

وبناء على ما تقدم، يجب أن يكون الهدف، تحديد الأولويات على أساس التقديرات الواقعية، والقدرات الحالية، وأولويات المهمات، وينبغي أن تقوم على أساس الأرقام والحقائق. ولا ينبغي أن تعتمد على تقديرات مبالغ فيها لقدرات الأصدقاء أو الأعداء المحتملين، ومخاوف من قدرات وهمية لا يملكها العدو، أو غير قادر على تنفيذها، أو نظريات المؤامرة.

وتمثل مراكز التفكير الداعم الاستراتيجي لخطوات البحث العلمي واكتشاف اتجاهات المجتمع في القضايا الرئيسية والحساسة التي تهم هذا المجتمع، حيث يعتمدها صناع القرار في مختلف مستوياتهم، وتعدد هذه المراكز يفتح المجال أمام تنوع الآراء والطروحات التي تعالج المشاكل التي يمر بها المجتمع ومؤسساته.

ووفقاً للسفير الأميركي ريتشارد هاس، مدير السياسة والتخطيط في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، فإن مراكز التفكير تقدم خمس فوائد رئيسية، فهي تصنع “تفكيراً جديداً بين صانعي القرار في الولايات المتحدة، وتوفر خبراء للعمل في الإدارة والكونغرس، وتعطي صانعي السياسة مساحة لبناء تفاهم مشترك بشأن خيارات السياسة وتقوم بتثقيف المواطنين الأميركيين حول العالم، وأخيراً توفر وساطة طرف ثالث وسيط بين أطراف النزاع”.

تبقى المساهمة الأساسية لمراكز التفكير التي تتمثل في المساعدة على سد الفجوة بين عالم الأفكار والعمل.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ستارة الميثاقيّة اللبنانية.. ونقطة البيكار!
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  أسئلة مشروعة حول الإسناد اللبناني لغزة