يحصل الشيء وعكسه على الخط الأميركي ـ الإيراني. من جهة، تفيد التقارير أن البنتاغون إقترح نشر قوات من مشاة البحرية الأميركية على متن سفن تجارية تعبر مضيق هرمز لمنع إيران من الإستيلاء عليها، حسب وكالة “أسوشيتد برس”؛ ومن جهة ثانية، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن واشنطن وطهران توصلتا إلى إتفاق تفرج بموجبه الثانية عن خمسة مواطنين أميركيين مقابل إلغاء تجميد نحو 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني.
منذ إنتصار الثورة الإيرانية قبل 44 سنة، لم تغادر واشنطن “لعبة العصا والجزرة”. هذه المرة، ليست ايران هي القضية في ضوء إحتدام المنافسة بين أميركا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
ووفق “الخطة الأميركية” التي تحدثت عنها وسائل إعلامية غربية، فإن ثلاثة آلاف من مشاة البحرية الأميركية “في طريقهم الآن إلى خليج فارس مع المدمرتين الهجوميتين باتان وكارتر هال”. سبق ذلك إرسال مقاتلات “إف-35″ و”إف-16” إلى المنطقة.
لا يعني ذلك أن الحرب واقعة، لكن الحروب لا تنشب دائمًا وفق حسابات دقيقة مُحدّدة مُسبقاً بميزان من ذهب؛ بل يمكن لحادث أو سلوك غير متوقع أن يشعل فجأة مخزوناً من البارود – مثل ذلك الموجود حالياً في منطقة الخليج.
الترتيبات العسكرية الحالية في منطقة الخليج تحتاج فقط إلى خطوة غير مدروسة وسوء سلوك غير إرادي من طرف آخر لكي تنفجر المنطقة برمتها، وهذا ما يُفسر كيف تراقب إيران وأميركا بعضهما البعض الآن.. واليد على الزناد، فيما يستمر إبرام الصفقات في مكان آخر من العالم، بدليل الصفقة الأخيرة التي تم الإعلان عنها بشكل مفاجىء
وإذا كانت واشنطن تنشر جيشها ومُدمّراتها وطائراتها، فإن إيران لا تقف مكتوفة الأيدي. فقد نشر الحرس الثوري الإيراني سلسلة من الطائرات والسفن والصواريخ والمركبات ولا سيما في جزيرة أبو موسى. وفي هذا الصدد، كشفت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني للمرة الأولى عن صاروخ يبلغ مداه 600 كيلومتر. ووفقاً للتقارير، استخدم الحرس الثوري الإيراني في مناورته المشتركة مع الجيش الإيراني طائرات بدون طيار وسفناً يتم التحكم بها عن بعد.
ويقول مراقبون إيرانيون إن مناورات يوم الأربعاء الماضي “من أهم المناورات منذ 44 سنة، في إطار الإستعداد لغزو عسكري ما محتمل”. فهل تعني هذه العروض اقتراب لحظة الدبلوماسية أم نهايتها؟ وهل المصالح المشتركة بين واشنطن وطهران ستؤدي إلى استئناف نهج “اليوم الجديد” في السيطرة على خلافاتهما؟
برغم “الصفقة الأخيرة”، لا يوجد أي أفق مشمس لا بل المزيد من التوغل في سياسة العقوبات الاقتصادية ضد إيران، إلا إذا حصلت خروقات جديدة يُمكن أن تُتوج بحدث جديد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل.
في هذه الحالة ما هي الرسالة من وراء إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى منطقة الخليج؟
عندما يواجه المسار الدبلوماسي عثرات أو عقبات، يتزايد القلق من أن أحد الأطراف قد يُفكر في تغيير الوضع الراهن (الستاتيكو) وبالتالي خلق معادلة جديدة من خلال عمل عسكري يُتوّج بمفاوضات جديدة.
كل طرف من الطرفين يضع إجراءاته في خانة دفاعية.. أميركا التي لطالما زعمت أنها تحمي الملاحة الدولية الحرة، تعتقد أن سمعتها مُهدّدة إذا لم تتمكن من الحفاظ على أمن الطرق والممرات البحرية. من وجهة النظر هذه، فإن الاقتراح الذي قدّمته أميركا بوجود عسكريين أميركيين على متن السفن التجارية يُذكرنا بما كان قد حصل في ثمانينيات القرن الماضي.
كيف سيكون رد فعل إيران على هذه القضية؟
اتخذت إيران في الأسابيع الأخيرة إجراءات وتدريبات لإظهار قدراتها الدفاعية. وكل هذا يزيد مخاطر الاصطدامات غير الإرادية في منطقة الخليج خاصة إذا تعذر وجود خط اتصال بين الطرفين للسيطرة على أي حوادث مفاجئة.
من الواضح أن الطرفين يحاولان قراءة يد بعضهما البعض، في ظل معطى غير بسيط وهو أهمية مضيق هرمز للطرفين، فالجمهورية الإسلامية تستورد وتُصدّر ما بين 80 إلى 90% من وارداتها وصادراتها عبر هذا المضيق، كما يحتاج الاقتصاد العالمي بشكل يومي إلى حوالي 20% من النفط المستهلك في العالم الذي يمر عبر هذا المضيق. لذا، يُعدُّ إبقاء هذا الممر المائي الاستراتيجي مفتوحاً أكثر أهمية من أي وقت مضى في حالة الحرب في أوكرانيا وخطر نقص الطاقة وحساسية السوق إزاء أي تقلبات في أسعار النفط والغاز وباقي سلاسل التوريد.
ولطالما شدّدت إيران منذ انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج في العام 1971، على أن أمن الخليج يجب أن تُوفره دول الخليج وأن القوى العالمية يجب ألا يكون لها وجود عسكري في هذه المنطقة لأن من شأن ذلك المس بالأمن القومي لهذه الدول، وهذا الأمر يقتضي صياغة سياسات تؤدي إلى سحب ذرائع الوجود العسكري الأجنبي وتجنب أكبر قدر ممكن من الإجراءات التي تعتبر ذريعة من قبل القوى العالمية لتبرير وجودها العسكري في الخليج.
وبصرف النظر عن علاقة ما يجري بحرب ناقلات النفط الصامتة بين طهران من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، ثمة إجراءات أميركية الهدف منها كسب ود الحلفاء الخليجيين ولا سيما السعودية، في ضوء الإختراقات التي حقّقها الصينيون في العلاقة مع عواصم الخليج في الآونة الأخيرة، وهذه النقطة لا يجب أن تغيب عن بال المراقبين.
ويجري تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج على مسافة سنة ونيف من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في خريف العام 2024، ذلك أن الحكومة الأميركية الديموقراطية تدرك أن أي ضعف محتمل في هذه المنطقة يمكن أن يستخدمه المنافسون الجمهوريون لمصلحة مرشحهم دونالد ترامب.
على أي حال، الخطة الأميركية الجديدة لها تأثير سلبي على خطة إيران لتشكيل تحالف بحري عسكري بينها وبين السعودية وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي إلى جانب العراق وباكستان والهند، وهي خطة تحدث عنها قائد البحرية الإيرانية الأدميرال شهرام إيراني في 13 نيسان/أبريل 2023.
هذه التطورات كلها يُمكن أن تفسر أسباب “فرملة” اندفاعة الاتفاق السعودي الإيراني مقابل ازدياد الحديث عن خطة أميركية لتجديد الإتفاق الدفاعي والأمني بين الولايات المتحدة والسعودية، على أن يكون هذه المرة إتفاقاً أكثر فاعلية من “إتفاقية كوينسي”.
الترتيبات العسكرية الحالية في منطقة الخليج تحتاج فقط إلى خطوة غير مدروسة وسوء سلوك غير إرادي من طرف آخر لكي تنفجر المنطقة برمتها، وهذا ما يُفسر كيف تراقب إيران وأميركا بعضهما البعض الآن.. واليد على الزناد، فيما يستمر إبرام الصفقات في مكان آخر من العالم، بدليل الصفقة الأخيرة التي تم الإعلان عنها بشكل مفاجىء.