لبنان: إستراتيجية متعددة المحاور لإدارة ملف سلاح حزب الله

من المرجّح أن يعلن الجيش اللبناني اليوم (الجمعة) عن خطة عسكرية ميدانية عملية للتعامل مع سلاح حزب الله في المرحلة المقبلة، وذلك في سياق خطة حكومية أشمل تقوم على ثلاثة محاور رئيسية تجمع بين الأمن والقانون والمجتمع.

تجتمع الحكومة اللبنانية اليوم (الجمعة) برئاسة الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، وبحضور معظم الوزراء وذلك لإقرار الخطة التي سيقدمها قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، تنفيذا لقرار الحكومة اللبنانية القاضي بتكليف المؤسسة العسكرية بوضع خطة تطبيقية لقرار حصر السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية قبل نهاية العام 2026.

ويأتي اعتماد هذا النهج نتيجة اعتبارات ميدانية وسياسية واستراتيجية تجعل الحلول الأخرى، مثل المواجهة المباشرة أو النزع الكامل والسريع للسلاح، غير واقعية. في المقابل، تمنح هذه الاستراتيجية رئيس الوزراء نواف سلام فرصة لتعزيز مكانته سياسيًا على المستويين الوطني والدولي، بدليل البيانات التي توالت من جهات عربية ودولية تأييدا لخطوات حكومته وآخرها ما صدر من بيان داعم عن دول مجلس التعاون الخليجي.

المحور الأول.. أمني

يشمل هذا المحور تعزيز الانتشار العسكري للجيش اللبناني جنوب نهر الليطانيب التعاون مع قوات “اليونيفيل” التي تم تمديد ولايتها حتى نهاية العام 2026، مع فرض قواعد واضحة تمنع ظهور السلاح أو منصات الصواريخ بشكل علني. ويهدف ذلك إلى استعادة جزء من هيبة الدولة وتقليص قدرة حزب الله على التحكم الميداني.
ويستند هذا النهج إلى مقترحات فرنسية وبريطانية لتزويد الجيش مستقبلاً بأنظمة مراقبة متقدمة تشمل أبراج مراقبة (على غرار أبراج المراقبة عند الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا) وطائرات مسيرة وكاميرات حرارية عند الحدود الجنوبية، بما يعزز القدرة على الرصد والسيطرة من دون الانخراط في مواجهة مباشرة، خصوصًا مع انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، حيث يظل هذا الجزء المجال الرئيسي لانتشار المقاومة، محافظةً على مراكز قيادتها وتسليحها بعيدًا عن أعين المراقبة الدولية في انتظار المرحلة الثانية التي لن يُبادر إلى تحديد موعدها منذ الآن. وبذلك، ستتعامل استراتيجية الجيش مع جنوب النهر كـ«واجهة ضبط» حازمة، فيما يبقى النفوذ الأعمق شمال الليطاني مساحة محتملة للمقايضة السياسية في مفاوضات لاحقة مع أطراف محلية ودولية.

المحور الثاني.. قانوني

يُركّّز هذا المحور على سنّ قوانين صارمة للحد من السلاح غير الشرعي وربط التمويل الدولي بالالتزام بهذه الأطر القانونية. يهدف هذا التوجّه إلى بناء سجل رسمي لإرادة الدولة وتمكين المجتمع الدولي من أدوات الضغط والمساءلة. ومن شأن هذه الإجراءات تعزيز قدرة الدولة اللبنانية على فرض قوانينها تدريجيًا وضمان استمرارية الدعم الخارجي.

المحور الثالث.. مجتمعي وتنموي

يقوم هذا المحور على تقديم بدائل حقيقية عن شبكة خدمات حزب الله وفصله تدريجيًا عن بيئته. وتشمل الخطة مشاريع في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، مدعومة بالتمويل الدولي، بما في ذلك 12.5 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تم إقرارها منذ تموز/يوليو 2025، لإزالة الألغام وإعادة تأهيل الطرق والخدمات الأساسية.
كما يشمل التمويل مشاريع أخرى من كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لدعم قطاعات الطاقة والمياه والصرف الصحي والنقل في الجنوب اللبناني. وهذه المشاريع لا تقتصر على تقديم الخدمات، بل تهدف إلى تقليص النفوذ العسكري والاجتماعي لحزب الله تدريجيًا وتعزيز سلطة الدولة.

مؤتمران للبنان

وفي هذا السياق، يصل الموفد الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت، الأسبوع المقبل، يرافقه مستشاره الاقتصادي جاك دو لالوجي، حيث تسعى باريس إلى استضافة مؤتمرين قبل نهاية العام الحالي؛ الأول اقتصادي لدعم عملية اعادة القرى المدمرة في معظم المناطق اللبنانية ولا سيما في جنوب لبنان، بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان والتي كان يُفترض أن تتوقف في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إلا أن إسرائيل قرّرت المضي في ضرباتها الاستباقية ضد حزب الله بشكل يومي، غير آبهة بوقف النار الذي حظي بتغطية أميركية فرنسية. أما المؤتمر الثاني، فسيكون مخصصا لدعم الجيش اللبناني، مالاً وأسلحة وذخائر وتدريبات.

حتى الآن، يميل الجيش اللبناني إلى هذا النهج الواقعي لأنه يضمن استمرار الدعم الدولي من جهة، ويستجيب في الوقت نفسه لقرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد قوات الشرعية اللبنانية من جهة ثانية.

في الخلاصة، يُريد رئيس الحكومة نواف سلام إثبات قدرته على إدارة ملف بالغ الدقة والحساسية والخطورة، من خلال خطوات ملموسة تعكس قدرته على تحويل القرارات إلى أفعال، بما يتيح له توسيع نفوذه داخليًا، وتعزيز شرعيته على المستويين العربي والدولي، وربما يسهم أيضًا في تحقيق طموحاته المستقبلية للعب دور محوري على الساحة العالمية.. وهنا المقصود ترشحه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة خلفاً للأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إجتماع أنقرة يفرج عن اللجنة الدستورية و "المصغرة" لم تعترض
هيبة بن يعقوب

أكاديمية متخصصة في الشؤون الأمنية وضبط الحدود لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  من الحاكم إلى صانع الرأي.. إنّه المُعتقل مجدداً