المعركة الواجبة ضد القذارة والسُعار الإعلامي المتفشي

صورة الإعلام اللبناني والتواصل الإجتماعي في لبنان حافل بأبشع وأقذَر ما أنتجه فحيح قوى الطوائف والغرائز الأدنى للمتسلقين والباحثين عن الأدوار والشهرة ولو على حساب سلامة المجتمع اللبناني.
القصة ليست في ما هو موجود ومعروف في الإنقسام المذهبي والسياسي تاريخياً. ذلك أنَّ احتقان الخطاب تجاوز الصراع التقليدي بين الطوائف والقوى السياسية ليتحول حرباً تُستخدم فيها كل الوسائل “المحرَّمة” أخلاقياً، وعلى رأسها التهجّم على العقائد الدينية والممارسات الإجتماعية الخاصة بالطوائف، وعلى رموزها وقياداتها.
مصطلحات “الشطّافة” و”النظافة” ودعوات لاقتلاع كنيسة بيت لحم وفي المقابل تهديد بترحيل الشيعة إلى العراق، ثم يخرج من يدعو لتوطين الشيعة العراقيين في لبنان، وهكذا دواليك. استهداف الرموز الدينية والسياسية بما يتجاوز وجهة النظر والرأي. عيّنة من خطاب مسعور تخطّى بكثير المخاوف التقليدية.
***
وجوهٌ غاضبة، عيونٌ جاحظة، أصابع ملوّحة لمتحدثين هم أقرب للمشاركة في حلبة ثيران منها إلى نقاش أو حوار إعلامي. عناوين كبيرة على فيديوهات توحي وكأننا سنستفيق في اليوم التالي على مجازر في شوارع بيروت. ناشطون باتوا “متربصين” لما يتفوّه به نظراؤهم من قوى ومذاهب أخرى. “متحدثون” (لأن توصيف “صحافي” و”إعلامي” لا ينطبق على هكذا نماذج) على منصات الـ(podcasts) “تُختَرع” في أقبية القوى السياسية المطيفة والتي تحولت “فقّاسات” لمجموعة من المجهولين والمغمورين والمستجدين. والأبشع، جهَلة في كل ما يمت بصلة للسياسة والصحافة والإعلام وعلم الإجتماع. دورهم يقتصر على تحفيز وتحريك الغرائز الوجودية للبنانيين وشتم الآخر طائفياً وسياسياً بكل رموزه ومقدساته وتحطيمها.
***
لا داعٍ للحديث عن أن الحرب انتقلت إلى عالم الإعلام وفضاء التواصل الإجتماعي المشرّع على كل الإحتمالات والخطابات. الدوافع لهذه الحرب، يمكن فهمها في السياق الإجتماعي – السياسي اللبناني وفي هذه اللحظة بالذات. طوائف تشعر بتهديد وجودي. هناك من يلوح دائماً للشيعة بعد خسارة حزب الله للحرب الأخيرة مع إسرائيل، بالترحيل وباتهام “اللبننة”. في المقابل، وخاصة مسيحياً وسُنياً، هناك من ضاق ذرعاً بما يراه هيمنة وتمدداً شيعياً تجاوز الحدود اللبنانية. يشعر هؤلاء بأن اللحظة اللبنانية والإقليمية والدولية مؤاتية لتكريس ما يعتبرونه “انتصاراً”، على ما أفصح الخطاب الأخير لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. يرد آخرون بالعودة إلى سجال تاريخي حول دور الشيعة في جبل لبنان و”تهميش” الحضور الماروني فيه. صراع على الأسبقية في الحاضر والمستقبل. فالتاريخ بحقائقه، وأساطيره، خيرُ معين لهذه الحرب الإعلامية. وفي السياق نفسه، بات روتينياً التصويب على البطريرك الماروني بشارة الراعي والمفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، اللذين يعبِّران عن التصورات الكبرى للجماعتين المسيحية والشيعية.
***
الهاجس الوجودي مفهوم للجميع. لكن ما يُعبّر عنه في السياق الإعلامي و”اللا تواصلي” اللبناني” بات قذارةً لا ترتبط بمشروعية المخاوف.
والأخطر، أنه باتَ من الصعب بل من النادر تلمّس الأصوات والنُخب التي تعبّر عن المساحات المشتركة. يبرز التراص المكثف وراء خطاب الحرب وتحطيم صورة الآخر. كل ذلك برغم الحاجة اللبنانية موضوعياً لتقاطع كتلة لبنانية تفكّر وطنياً. أقله تُعلّم المشتركات وتُعممها وتعمل على أساسها.
***
في التسعينيات الماضية، وخلال سيطرة المنظومة المدعومة سورياً على الحياة السياسية، كان من السهولة تلمس أصوات نيابية، ولدى المعارضة بشقّيها “الراديكالي” والمضبوط تحت السقف، ترفع قضايا عابرة للإنقسام اللبناني. نقاش حول الديون والإدارة المالية والإقتصادية، السيطرة السورية، الحريات الإعلامية وحضور النقابات. الذاكرة حافلة بإضرابات لصحف عن الصدور، وبتحركات للإتحاد العمالي العام، وللطلاب، وأيضاً بمساحة واسعة في الصحف لملاحق وأصوات شبابية وثقافية يغيب فيها فعلياً الإنقسام.
إظهار هذا البُعد اللبناني الوطني، على محدودية حجمه، هو واجب على من يؤمن به. إنها معركة واجبة ضد القذارة والسُعار المتفشي!
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  النظام العربي الرسمي يراقب المشهد اللبناني.. وينتظر
ميشال ن. أبو نجم

صحافي وباحث سياسي لبناني. عمل مديراً مساعداً للسفير والوزير السابق عبدالله بوحبيب في مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية بين العامين 2008 و2015.

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  بعد وقف إطلاق النار.. قراءة في بعض المصطلحات