“داعش” يخلط الأوراق.. فهل يُورّط ترامب في حرب بسوريا؟   

لطالما فرضت الأحداث في الشرق الأوسط، تعديلاً في أولويات السياسة الخارجية للإدارات الأميركية ومن بينها إدارة الرئيس دونالد ترامب. المثال الأسطع على ذلك، الهجوم الذي نسب إلى تنظيم "داعش" في تدمر بالبادية السورية في 13 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وما تلاه من ضربات "انتقامية" واسعة ضد معاقل للتنظيم في عدد من المحافظات السورية.  

آخر ما يتمناه ترامب، هو العودة للتورط عسكرياً في سوريا التي وصفها ذات مرة بأنها “أرض الرمال والموت”. أدى هجوم تدمر إلى مقتل جنديين أميركيين ومترجمهم، خلال اجتماع بين ضباط من القيادة المركزية الأميركية ومسؤولين في جهاز قوى الأمن الداخلي السوري، على يد عنصر من الأمن السوري، يشتبه “بحمله أفكاراً متطرفة”، وفق بيان وزارة الداخلية السورية، في اشارة إلى “داعش”.

كان للهجوم وقع الصدمة في واشنطن لاعتبارات عدة. إنها المرة الأولى التي يقتل فيها جنود أميركيون في الخارج منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض قبل 11 شهراً. كما أن الحدث حصل بعد شهر ونيف على إعلان الرئيس السوري أحمد الشرع عقب زيارة للبيت الأبيض، انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ عام 2014. أيضاً، أتى الهجوم في وقت يواجه النظام الجديد في سوريا تحديات عدة في الداخل وفي الإقليم، بعد أكثر من عام على سقوط بشار الأسد.

إلى أي مدى يمكن أن تحدث هذه التطورات، تحولاً في الاستراتيجية الأميركية في سوريا والمنطقة؟

من المؤكد، أن آخر ما يتمناه ترامب هو الانجرار إلى تدخل عسكري طويل الأمد، في وقت يقدم نفسه على أنه صانع “السلام الأبدي” في الشرق الأوسط، انطلاقاً من الخطة الأميركية في غزة.

ربما من المهم هنا الإشارة إلى أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي أصدرها البيت الأبيض مؤخراً، خصّصت فقط أسطراً معدودة للشرق الأوسط، معتبرة أن “مكافحة التطرف بالمنطقة يكمن بتخلي واشنطن عن سياساتها القديمة، التي قادتها إلى حربي العراق وأفغانستان، أو المتمثلة بالضغط على الدول لتغيير أنظمة الحكم فيها”.

وانسجاماً مع هذا التوجه، حرص وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث في معرض الإعلان عن عملية “عين الصقر” في سوريا ليل الجمعة الماضي، على القول إنها “ليست بداية حرب” وإنما هي “رد مباشر” و”إعلان انتقام” لمقتل الأميركيين الثلاثة.

ويحظى النظام الجديد في سوريا بدعم أميركي كبير، توج بتجاوب الكونغرس قبل أيام مع دعوات ترامب المتكررة لالغاء “قانون قيصر”، الذي فرض على دمشق عام 2019، وأدى إلى خنق الاقتصاد السوري. وبعد رفع العقوبات، سيكون متاحاً للشركات الأجنبية العودة إلى سوريا للاستثمار في إعادة الإعمار.

لكن ذلك، يحتاج بادىء ذي بدء إلى استقرار داخلي، ما يزال غير متوافر بالدرجة الكافية. هناك ذيول الأحداث في الساحل السوري وفي السويداء، وهناك المسألة الكردية، التي تطرح تحدياً لا يستهان به على النظام الجديد وعلى داعميه وفي مقدمهم تركيا والولايات المتحدة. وتطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير اتفاق العاشر من آذار/مارس بين دمشق و”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، الذي قضى بـ”دمج” المقاتلين الأكراد بالجيش السوري الناشىء، الذي يتكوّن من فصائل كانت تعنتق الفكر الجهادي، وبينها “هيئة تحرير الشام” التي كان يقودها الشرع.

ويسود خلاف حول طريقة “الدمج”، في وقت لا تمانع “قسد” في الالتحاق بوزارة الدفاع السورية ككتلة وليس كأفراد، وأن يكون ذلك مصحوباً بإقرار نظام ينص على نوع من الفيديرالية أو اللامركزية في الحكم.. وهذا ما يرفضه الشرع وأنقرة، ولا تتحمس له واشنطن.

الآن، بعد تدمر، هل سيميل الموقف الأميركي نحو الأكراد، على خلفية أن الجيش السوري الناشىء يحتاج إلى عملية تدقيق أكثر في الماضي الجهادي للفصائل المنتمية إليه، حتى لا يحصل اختراقات أخرى من “داعش”، الذي يعتمد منذ فقد “خلافته” في 2019 على خلايا نائمة و”ذئاب منفردة”. هكذا يدل الهجوم على ساحل بوندي الأسترالي خلال احتفال يهودي بعيد “الحانوكا” في اليوم التالي لهجوم تدمر، وكما تبين من إعلان السلطات الألمانية والبولندية في الأيام الأخيرة عن إحباط هجمات على خلفية “التطرف الإسلامي” ضد “أسواق ميلادية” في ألمانيا وبولندا، وسبق ذلك هجوم على كنيس في مانشستر ببريطانيا في تشرين الأول/أكتوير الماضي.

ووفق مسؤولين أميركيين، فإن التعاون بين الحكومة السورية الجديدة والقوات الأميركية، ساهم في إحباط أكثر من 12 مخططاً لشن هجمات من قبل “داعش” منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.

ويشن “داعش” عبر نشرته الإخبارية “النبأ” حملات قوية على أحمد الشرع، منذ لقائه الأول مع ترامب في الرياض في 14 أيار/مايو الماضي. ويدعو التنظيم الجهادي المقاتلين الأجانب المنضوين في “هيئة تحرير الشام” باستمرار إلى الانشقاق والانضمام إليه.

الأحداث الأخيرة، سيتخذ منها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ذريعة كي يُعزّز وجهة نظره المُشكّكة بالنظام السوري، في تعارض واضح مع رؤية ترامب لهذا النظام كشريك قوي في المنطقة في مواجهة “داعش” وتحجيم نفوذ إيران.

ويرفض نتنياهو التوقيع على الاتفاق الأمني مع دمشق، إلا بشروط بينها جعل الجنوب السوري منطقة خالية من الأسلحة الثقيلة وعدم الانسحاب من قمة جبل الشيخ ومساحات من الأراضي احتلتها القوات الإسرائيلية بعد 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.

إقرأ على موقع 180  أيُّ نظام إقليمي يُولد من آتون الحروب المشرقية الراهنة؟

هذه الشروط التعجيزية، أثارت امتعاض ترامب نفسه، الذي ذكّر الأسبوع الماضي، بأنه منح هضبة الجولان السورية المحتلة لإسرائيل “من دون ثمن”، مع أن هذه المرتفعات التي احتلتها إسرائيل في 1967، “تساوي تريليونات”. والأرجح، أن الرئيس الأميركي يقصد بهذا الكلام أكثر من ذلك، وهو الانتقاد الضمني للتعنت الإسرائيلي إزاء دمشق، وهو ما يحول دون التوقيع على الاتفاق الأمني، الذي سيفتح الباب لاحقاً أمام انضمام سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيمية، التي يعتبرها ترامب إرثاً سياسياً كبيراً له.

والجدير ذكره أن وزارة الخارجية السورية نشرت، أمس (السبت) “بوستاً” إحتفاءً بإلغاء “قانون قيصر”، بعنوان “سوريا بدون قانون قيصر”، هو عبارة عن علم سوريا وخلفه خريطة جغرافية لسوريا حُذِفت منها هضبة الجولان المحتلة، وهذه ليست المرة الأولى التي يبدر فيها هذا النوع من السلوك الرسمي منذ سقوط النظام حتى الآن.

مجمل الصورة، يقود إلى استنتاج مفاده أن “داعش” ما يزال يمثل من الخطورة ولا سيما مع وجود آلاف المقاتلين في البادية السورية ومثلهم وأكثر في “مخيم الهول”، بحيث يُشكل تنظيم الدولة الإسلامية تحدياً إضافياً للتحديات التي يواجهها ليس النظام في دمشق فحسب، وإنما قد يفرض تعديلاً في الاستراتيجية الأميركية إزاء المنطقة عموماً، وخصوصاً أن ترامب على موعد مع انتخابات نصفية سيكون لنتائجها كبير الأثر على النصف الثاني من ولايته.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الشرق الأوسط ما بعد أميركا: حروبنا الآتية (1)