قبل التصويت، أوضح المندوب الروسي أن بلاده “لا تستطيع دعم القرار”، ولفت النظر إلى أنّ القرار “يفتقر إلى وضوح زمني بشأن نقل غزة إلى سلطة فلسطينية”، ولا يتوافق مع حلّ الدولتين. كما انتقد “غياب أي دور رقابي للأمم المتحدة على وقف إطلاق النار”، وحذّر من أن الخطة قد “تُكرّس فصل غزة عن الضفة عبر نشر قوة دولية في القطاع فقط”.
شاركت الصين روسيا تحفّظاتها، واعتبر المندوب الصيني “أن القرار يشكّل مصدر قلق بالغ لبلاده”، لأنه يتضمّن ترتيبات للحكم في غزة بينما “تبدو فلسطين غير مرئية فيه”. كما رأى أن المشروع غير واضح وغير مفصّل، وانتقد عدم التأكيد صراحة على حلّ الدولتين باعتباره إجماعًا دوليًا.
تبدو روسيا والصين كأنهما فضّلتا عدم استخدام حق النقض (الفيتو) كي لا يتهمهما ترامب بأنّهما تعيقان جهوده لتحقيق السلام، ودفعتاه للانزلاق في هذا الاقتراح الغامض والمضطرب، الذي يحتوي على أفخاخ لا تكتفي بعرقلة التنفيذ بل تُفجّر النزاع من جديد وبأشكال مختلفة، فيكون ترامب مسؤولًا عنه.
أولاً؛ أهم الفقرات المضطربة في هذا القرار الدولي:
1- مجلس السلام:
ورد في القرار أن مجلس الأمن “يرحب بإنشاء مجلس السلام (BoP: Board of Peace) بصفته إدارة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية تضطلع بوضع الإطار وتنسيق التمويل لإعادة تطوير غزة وفقًا للخطة الشاملة”. لكن هذا المجلس لم يتشكل بعد، وكل ما عُرف هو أن دونالد ترامب يترأسه (ربما ليراكم إنجازات تمهّد لنيل جائزة نوبل للسلام في العام 2026)، ولم يُعرف من هم أعضاؤه من دول أو كيانات أو شخصيات، والمؤكد أنّ لا ارتباط له بالأمم المتحدة. كيف يدعم مجلس الأمن هيئة مجهولة؟ وماذا يحصل إذا اعترض أعضاء في الأمم المتحدة أو بعض أفرقاء النزاع على تشكيلة المجلس أو أدائه وأعلنوا أنهم لا يثقون به؟ علمًا أن هذا المجلس المجهول ورد أيضًا في مقترحات ترامب لتسوية الحرب الأوكرانية.
2- حق تقرير المصير ومسار الدولة الفلسطينية:
ورد في القرار: “إلى أن تتمّ السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها على نحو مُرضٍ كما ورد في مقترحات مختلفة، بما فيها خطة السلام للرئيس ترامب والمقترح السعودي-الفرنسي، وبما يمكّنها من استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال. وبعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية على نحو أمين وتقدّم أعمال إعادة تطوير غزة، قد تتوافر الشروط أخيرًا لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية”.
وعلينا أن نقدّر كم من الزمن سننتظر كي تتحقق هذه الفقرة: أي إصلاحات السلطة الفلسطينية على نحو مُرضٍ (من يرضى على من؟)، ومتى تتقدم أعمال إعادة تطوير غزة، ومن يحدّد ذلك. لنصل بعدها إلى مرحلة قد تتوافر فيها الشروط لبلورة مسار موثوق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية، وقد لا تتوافر أيضًا! إنها عملية طويلة ومعقدة ولن يثق بها الجانب الفلسطيني. فإذا كان حق تقرير المصير يحتاج إلى شهادة حسن سلوك معقدة واختبار طويل الأمد، فهذا يعني أن القرار لن يمنح هذا الحق الطبيعي للشعب الفلسطيني.
3- إنشاء قوة استقرار دولية:
ورد في القرار: “يأذن (أي مجلس الأمن) للدول الأعضاء العاملة مع مجلس السلام، وللمجلس ذاته، بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة International Stability Force (ISF) في غزة تُنشر تحت قيادة موحّدة مقبولة لدى مجلس السلام، وتُسهم فيها قوات من الدول المشاركة، بالتشاور والتعاون الوثيقين مع جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل”.
تنشئ الدول العاملة مع مجلس السلام (وهي غير معروفة بعد) ومجلسُ السلام (لا نعرف إلا رئيسه) قوة استقرار تحت قيادة موحّدة مقبولة لدى مجلس السلام (مقبولة؟ من يقبلها؟)، وتُسهم فيها قوات من الدول المشاركة (أعلنت أذربيجان موافقتها ثم تراجعت، كما أعلنت إندونيسيا موافقتها ثم وضعت شروطًا تعجيزية) ولم تتقدم أي دولة أخرى بعد. مصر لا توافق على نزع سلاح حماس أو على استخدام القوة، وهذا لغم كبير قد يفجّر القرار والوضع في المنطقة، في ظلّ إصرار إسرائيل على نزع سلاح حماس ولو بالقوة.
4- إنشاء إدارة حكم انتقالي:
ورد في القرار: “تنفيذ إدارة حكم انتقالية، بما يشمل الإشراف والدعم للجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية من الكفاءات من سكان القطاع، كما تدعمها جامعة الدول العربية، تتولى مسؤولية التسيير اليومي للخدمة المدنية والإدارة في غزة”.
نأمل أن يتفق الفلسطينيون على تأليف لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية من الكفاءات من سكان القطاع. لكن هل هناك في القطاع من هو غير مسيّس بعدما دمّرت إسرائيل 80% من الأبنية وقتلت نحو 80 ألفًا وجرحت نحو 300 ألف؟ من يُحدّد الأسماء؟ وماذا يعني دعم جامعة الدول العربية؟ وما مصير الهيئات الإدارية الفلسطينية التي عملت وصمدت في القطاع طوال فترة الحرب وقدّمت خدمات إنسانية وطبية وإغاثية وإدارية؟
5- دعوة للعمل مع مجلس السلام:
ورد في القرار ما يلي: “يدعو الدول الأعضاء والمنظمات الدولية إلى العمل مع مجلس السلام لتحديد سبل الإسهام بموظفين ومعدات وموارد مالية لكياناته التشغيلية ولقوة الاستقرار، وتقديم المساعدة الفنية لها، ومنح اعتراف كامل بأعمالها ووثائقها”.
نفهم أن مجلس السلام ينأى بنفسه عن مسألة التمويل ويحيلها إلى دول أعضاء دعاها للعمل معه للإسهام بموظفين ومعدات وموارد مالية. وفي استعراض سريع نرى أن الدول القادرة على تقديم موارد مالية معظمها غير قادر على تقديم موارد بشرية، والعكس صحيح.
ثانياً؛ أفخاخ القرار:
1- تشكيل مجلس السلام وحيازته الثقة الدولية وثقة أفرقاء النزاع هو أمر بعيد المنال.
2- استبعاد الأمم المتحدة يخلق مشاكل عديدة، لن يتمكن مجلس السلام (عند إنشائه) من حلّها لافتقاره إلى الآليات والمؤسسات والتشريعات اللازمة لإجراء تسويات.
3- لغاية الآن لم تُوجَّه دعوات محددة لدول أعضاء في الأمم المتحدة للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية، ومن الصعب تقديم صورة واضحة عن مهمة هذه القوة وصلاحياتها وإمكانية خوضها أعمالًا قتالية. الأمم المتحدة عادةً تنشئ قوة حفظ سلام وفقًا للفصل السادس أو السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتحدّد حجمها والدول المشاركة والتمويل والارتباط، وتزوّدها بتفويض تعمل استنادًا إليه. هل يتمكن مجلس السلام من اتخاذ إجراء مماثل؟
4- نجح القرار في تبادل الأسرى لكنه فشل في وقف إطلاق النار. وما زالت إسرائيل تعتدي بشكل يومي على القطاع، وقامت بتقسيمه عبر خط أصفر يفصل بين مناطق انتشار (الاحتلال الجديد) الجيش الإسرائيلي (أكثر من 52% من غزة) ومناطق سيطرة حماس (أقل من 48%). من يُخرج غزة من هذا الوضع؟ وأين مجلس السلام؟ وأين قوة الاستقرار؟ وأين لجنة الكفاءات التكنوقراطية؟ علمًا أن أعمال الإغاثة شبه متوقفة وسكان غزة ما زالوا يعانون من فقدان المواد الغذائية والطبية.
