حين يفقدُ السجن وظيفته.. حين تتمدد جغرافيا غزة مكانيًا؟

يحتاجُ المشرّعُ الإسرائيلي، اليوم، إلى اعدام الأسير الفلسطيني؛ حاجةٌ بات يُعدّها «ضرورة»، إذ لم يعد السجنُ قادرًا على أداء وظيفته التاريخية. لم يعد الزمنُ يتباطأ داخل الزنزانة، ولم يعد المجتمعُ المنظّم يخضع لتلك المعايير البيروقراطية التي تنظّم أعداد الأسرى وتضبطهم. لقد أصبح مطلبا "تبييض السجون"، و"اختراق الحدود"، يُبعدان السجنَ عن غايته الأصلية: شلّ قدرة الفلسطيني على نقش الزمن ومحو أثره وتعليق وجوده؛ وهي الغاية التي شكّلت جوهر المؤسسة السجنية في كل تاريخٍ استعماري. وحين يفقد السجنُ وظيفتَه، يصبح اعدام مكوّنِه الأساسي (السجين) حاجة ملحة عند السجّان.

ليس هذا مقالًا عن السجن في ذاته،
بل عن الزمن حين يُجمَّد،
وعن الجمود حين يُكسَر،
وعن الحركة التي تعيد التاريخ إلى مساره.

***

يقومُ المخيالُ الرومانسيّ الكلاسيكيّ على تمركزٍ واضح حول الفرد، في امتدادٍ مباشر لذلك الهوس الأوروبيّ الذي نشأ مع عصر النهضة بفكرة الإرادة التقريرية للفرد وقدرته على تحديد مسار وجوده. لقد عمل مفكّرو النهضة على استشراف فعل الفرد قبل حدوثه، وعلى بناء منظوماتٍ سياسية وأخلاقية تُؤسّس للحريات والديموقراطيات انطلاقًا من هذا الفرد بوصفه وحدة التحليل الأولى، لتغدو الجماعة لاحقًا مكوّنة من تراكم الأفراد لا من كينونة جمعية تكتنف وجودهم.

في هذا الأفق، لا يظهر المكان كحيّزٍ صامت أو بنيةٍ ثابتة، بل كنسيجٍ حيّ من الحركة والعلاقات التي تربط الإنسان بما حوله: بالجماد، والحيوان، والأرض وما عليها. فالتاريخ، في جوهره، هو نتاج هذه الحركة المتواصلة، وهذه العلاقات التي تُعيد تشكيل الجغرافيا لحظةً بعد لحظة؛ إنّه تاريخُ حركيّة المكان أكثر مما هو سجلّ لأحداثٍ منفصلة. وهذا ما يتبدى لنا في حركة المقاومة الفلسطينية على أرض غزة التي حوّلوها إلى جغرافيا ذات أبعاد متحركة ومتعددة برغم حصارها وانبساط الدمار المُرتسم على سطحها.

ومن هنا يتقدّم تعريف ديفيد هارفي للمكان بوصفه تعبيرًا عن شكل من أشكال وجود الفرد: فالمكان ليس إطارًا جامدًا، بل توصيفٌ لحالة كائنٍ متحرّك، سواء أكان إنسانًا أو نباتًا أو حيوانًا. إنّه يتحرّك بتحرّك الكائن المرتبط به؛ وحين يُبدّل الإنسان موضعه، يتبدّل المكان بدوره، لأنّه مشروطٌ بالتجربة الفردية أكثر من كونه معطًى خارجيًّا ثابتًا. وهنا تأتي مأساة الكائن الاسرائيلي، كيف له أن يُزجّ في حركيّة كان قد بنى وجوده في أساسه على افتراض مسبق لاندثارها أو أقله احتكامها بشروط البنية التوسعية؟

وبذلك يغدو الإنسان نفسه كيانًا متحوّلًا؛ فانتقاله من مكان إلى آخر يعني تغيّر محيطه، ومع تغيّر المحيط تتبدّل شبكة التفاعلات التي تُبنى عليها رؤيته للعالم. يُصبح تغيّر المكان شرطًا من شروط تغيّر الإنسان، لا مجرّد ظرفٍ محايد يحيط به.

ولهذا تتداخل لفظة “المكان” تداخلًا وثيقًا مع الجغرافيا؛ فالمكان هو جغرافيا مُعاشة، جغرافيا تتغيّر باستمرار عبر حركة الفرد وتموضعه وتجربته، وليس سطحًا موضوعيًا صامتًا. هو فضاءٌ اجتماعيّ-وجوديّ يُعاد إنتاجه عبر الكائن الذي يقطنه، ويتحوّل بتحوّله.

***

ليست وظيفة هذا المقال الغوص عميقًا في فلسفات المكان والجغرافيا وتشعّبات العلاقة بينهما، نظرًا لتعدّد المدارس واختلاف مناهجها.

لذا، دعونا ننطلق من مفهومٍ بسيط ومباشر: المكان بوصفه جغرافيا. وهذه الجغرافيا تتكوّن من مجموعة عناصر بيولوجية تتفاعل فيما بينها، إمّا بفعلٍ إراديّ يصدر من داخل المكوّن ذاته، أو تحت تأثير قوّة خارجية. ومن هذا التفاعل ينشأ التمدّد حينًا، والانكماش حينًا آخر؛ فالمكان قابل لأن يتّسع، وقابل لأن يتقلّص، بل قابل للاندثار لتنشأ أمكنة بديلة. نحن، إذن، أمام حركة دائمة تُنتج تغيّرًا مستمرًّا في هيئة المكان.

وهذه الحركة، في جوهرها، علامةٌ على الزمن؛ ففكرة التغيّر نفسها تفترض وجود وقت، والزمن ليس سوى اسمٍ يُطلق على هذا التغيّر، أو على غيابه حين يتعطّل. فالتغيّر قاعدة الزمن وأساس وجوده. وهنا يدخل الزمن في نسيج الجغرافيا: فإذا تبدّلت مكوّنات المكان، فذلك يعني أنّ الجغرافيا قد تلاقحت مع الزمن.

وعندما نقرأ المكان قراءةً زمنية- بتحوّلاته وتمدداته وانكماشاته- ندرك أنّ الجغرافيا تاريخٌ ثابت، لوحةٌ مُنتزعة من صيرورةٍ أطول. فنحن، حين نتحدّث عن الجغرافيا، إنما نلخّص بنيةً ما داخل لحظةٍ زمنية محدّدة، ونقتلعها من تدفّق الأحداث. وحين يُقتلع الزمن من الصيرورة، تصبح الجغرافيا أرشيفًا لشكل ذلك الزمن المتجمّد.

ولهذا نقول، رمزيًا، إنّ غزّة اقتُلِعت من الجغرافيا؛ أي من تاريخها الثابت الذي فُرض عليها قسرًا طيلة ستة عشر عامًا من الحصار- تجميدٌ قهريّ للمكان، وإبقاءٌ قسريّ له خارج الزمن، خارج الحركة- ليفرض على الجغرافيا أن تُستعاد، وليفرض على المحتل، بوصفه جزءًا من هذا المكان، أن يتحرّك؛ أن يُنتزع من ثباتٍ أراده، ويُعاد قسرًا إلى الزمن، أي إلى التاريخ.

إنّها، في جوهرها، معركةُ العودة إلى التاريخ.

***

إنّ معضلة الوعي الفلسطيني أنّه تأسّس على لحظةٍ واحدة: نكبة العام 1948. وهذا التأسيس الأحاديّ جعله أسيرًا لزمنٍ بعينه، ومحكومًا بإطارٍ ضيّق يسهل- مع الوقت- حبسه داخل جغرافيات محدّدة: المخيّم، غزّة، فكرة السلطة؛ فيتحوّل الوعي إلى جدارٍ يحول دون تفاعله مع الجغرافيات الجديدة التي زُجّ فيها الفلسطيني، ومع أزمنتها وشروطها الخاصة.

ولهذا نرى الفلسطيني في دول الشتات ممنوعًا من التفاعل مع الفضاء العربي الذي يعيش فيه. وهذا ليس صدفة، بل تكتيكٌ ممنهج لدى الأنظمة العربية خشيةَ أن تتأثّر شعوبها بقضية الشعب الفلسطيني اللاجئ على أراضيها. ويتمّ ذلك عبر فصل الفلسطيني عن العربي في حيّز الفعل السياسي، مع الإبقاء على الهوية “العربية” كهوية ثقافية مُعلّبة لا فعل لها.

وما حجب الحقوق المدنية عن الفلسطينيين في دول الشتات- تحت ذريعة “الحفاظ على حق العودة”- إلا مثالٌ صارخ على هذا الفصل، ومناورة زمنية مكشوفة تُجمَّد فيها الحياة الراهنة باسم مستقبلٍ مؤجّل. حتى العبارة نفسها، في بنيتها اللغوية، لا تخلو من العبث: “من أجل مستقبل العودة“.

وهكذا يُدفَع الفلسطيني إلى واقعٍ يصبح فيه كائنًا مُجمَّدًا:
لا حركة،
لا تفاعل،
لا حقوق،
ولا شرعية لفعلٍ سياسي.

والأدهى أنّ هذا التوجه يحظى بتزكية من السلطة الفلسطينية ومن فصائل فلسطينية أيضًا.

فبإسم الرجوع إلى زمنٍ لاحق، يجري تجميد الحاضر؛ تعطيل الزمن الراهن بذريعة المستقبل، وهذا ما يسمّى في الماركسية بـ”الحجّة التمرحلية”- وهي حجةٌ لطالما تعرّضت للنقد العميق. فالدفع نحو المستقبل يستوجب العمل على كل الجبهات في آنٍ واحد: الجبهة الطبقية، الجبهة القانونية، وسواهما.

إنّ التحام الجبهات شرطُ الحركة، والحركة شرطُ التغيير. ولا تطوّر للتاريخ من دون تحوّل، ولا تحوّل من دون كسرٍ لهذا التجميد القسري للحاضر.

***

المكان، إذًا، هو جملةٌ من العناصر البيولوجية ضمن جغرافيا محدّدة، تتخلّلها علاقاتٌ مخصوصة تحكمها سلوكياتٌ معيّنة، وكلّ ذلك داخل فضاءٍ زمنيٍّ بعينه. وهذا يقودنا إلى عنصر المستقبل؛ إذ إن الحديث عن سلوكٍ معيّن داخل جمعٍ بشري في مكانٍ معين يشير ضمناً إلى إرادة تقريرية تُحرّك هذا الجمع.

فالإرادة، في جوهرها، هي توجيهُ النفس نحو ما ليس حاضرًا بعد، نحو ما يُفتقد الآن ويُراد تحقيقه- أي نحو المستقبل. والمستقبل، بهذا المعنى، هو المحرّك الأساس لهذا الجمع. فالمستقبل ليس زمنًا فيزيائيًا وحسب- إذ إن كل ما يلي اللحظة الراهنة يُعدّ “مستقبلًا”- بل هو صورة ذهنية، خيالٌ جمعي يعيد صوغ شكل الغد. إنّه مفهومٌ أيديولوجي بقدر ما هو امتدادٌ زمني.

إقرأ على موقع 180  "الأزمات الدولية" تقرأ دروس حرب غزة: ستاتيكو التهدئة يناسب الجميع

وعندما يجتمع الناس ويتحاورون بلغةٍ مشتركة، ويضعون نصب أعينهم إعادة تشكيل ملامح الغد، فهم بذلك يمهّدون لولادة أيديولوجيا. وهذه الأيديولوجيا، بدورها، ترسم حدود التفاعل الممكن وغير الممكن داخل الحاضر؛ تحدّد مسارات الحركة، وتضبط سقف الفعل.

ومن هنا، فإن الفعل ذاته محتاجٌ إلى أيديولوجيا وإلى جمعٍ من البشر، وهذا الجمع- بأفكاره وقراراته المتّجهة نحو مستقبلٍ ما- يؤثّر بالضرورة في البنية البيولوجية المحيطة به، أي في البيئة. والبيئة لا تعني “الطبيعة” وحدها؛ فالطبيعة جزءٌ من البيئة، ولها القدرة على تغيير معالم المكان (كالزلزال والفيضان). أمّا البيئة بمفهومها الواسع فهي كلّ المكوّنات البيولوجية: بشر، نبات، تضاريس، ماء، كهوف، وكلُّ ما يشكّل الإطار الحاضن للحياة.

وهكذا، فإن البيئة كلّها، بطبيعتها وبشرها وتضاريسها، قابلة للتأثّر بلحظة اجتماعٍ أيديولوجي تُولّد فعلًا بعينه.

ومثالٌ جليّ على ذلك هو بيئة المقاومة:
هذه البيئة ليست فقط شبكة علاقات اجتماعية سمحت بتبلور الأيديولوجيا وتحويلها إلى رجالٍ منظّمين يحملون العتاد؛ بل هي: الشجرة، التلال، الوديان، آبار المياه والكهوف التي آوت المقاتل وحمته.

فالمسألة ليست رمزيةً فحسب؛
فالرمزيّ لم يولد إلا من صُلب الماديّ.

ولهذا نرى أنّ استهداف البيئة بكلّ مكوّناتها هو شرطٌ أساسٌ في عمليات الإبادة الجماعية؛ فداخل هذه الطبيعة، وفي طبيعة علاقة الإنسان بها، وفي قدرته على توظيف عناصرها لصوغ رؤيته نحو المستقبل (يُعاد تشكيل البيئة بوصفها حاضنًا للمعنى وللفعل). وفي الإبادة، يجب- وفق منطق الجلّاد- الإجهاز على البيئة بتمامها، لأنها الإطار الذي يسمح للجمع البشري بأن يبلور أفكاره، وأن يُحوّل هذه الأفكار إلى بنية مادية.

ومن هنا ينبع الهوس الإسرائيلي بحرق الأشجار:
ففي ظلال تلك الأشجار، وفي كنف التلال والوديان، أمكن لهذا الجمع أن يصوغ إرادته وأن يترجم أيديولوجيته إلى فعلٍ ماديّ. وحرقُ هذه البيئة يعني دفعه للبحث مجددًا عن طرقٍ أخرى للتفاعل مع طبيعةٍ مستحدثة لا يعرف قوانينها بعد، مما يفرض عليه إعادة بناء أدواته ورؤاه، وبالتالي انكسار جزءٍ من أيديولوجيته.

فعندما تُفرَض على الخصم بيئة جديدة، يصبح مضطرًا إلى التأقلم معها.
والتأقلم، في عمقه السياسي، أحد مفاتيح المساومة؛ إذ يدفع الضحية إلى إعادة ترتيب أدواته وفق شروط الواقع الذي فرضه الجلّاد. وهذا ما لا تريده الأنظمة والمنظمات الحكومية للضحايا أن يدركوه: التأقلم ليس حيادًا ولا “نضجًا”، بل قبولٌ ضمنيٌّ بقواعد لعبةٍ صاغها المعتدي.

***

ليس من قبيل المصادفة أن نجد المنظمات الدولية العاملة مع اللاجئين تجعل عنوان عملها الرئيس:
تعزيز القدرة على التأقلم”.

إنهم يلعبون على التأقلم بعيدًا عن الصمود؛ فالصمود هو الثبات على الحالة التي سبقت الإبادة. هو التمسّك بالبيئة وبالمعنى وبالزمن الذي حاول الجلّاد محوه. أمّا التأقلم فهو إعادة ترتيب للحياة داخل شروط المقتلة.

ولهذا، يُدفَع اللاجئ نحو التأقلم، بعيدًا عن فعل الصمود وتعقيداته.

فالرأسمالية، في جوهر اشتغالها، لا تسمح بأيّ شكلٍ من أشكال الاجتماع البشري الذي قد يفضي إلى تغيير السلوكيات السائدة أو إلى توسيع فضاء الإمكان داخل نقطةٍ جغرافيةٍ ما، لما قد يترتب على ذلك مستقبلًا من تحوّلٍ في معالم المكان وخصائصه السياسية والاجتماعية. ومن ثمّ، يصبح لزامًا- وفق منطقها- الإجهاز على هذا الاجتماع. ويجري هذا الإجهاز عبر مسارات ثلاثة:
إما تدمير الكتلة البشرية نفسها،
وإما تدمير البيئة التي مكّنتها من الاجتماع،
أو القضاء على هذين المسارين معًا.

ولهذا السبب يُقتلع شجر الفيتناميين، وتُقصف جبال اليمنيين، وتُقطع أشجار الضفة الغربية، وتُدمَّر المدارس والجامعات والمستشفيات وآبار المياه والبنى التحتية في غزة. وفوق ذلك، يُمارس إجهاز مُمنهج على الكوادر الطبية والصحفية والإغاثية، وعلى كلّ ما يساهم في صمود إرادة هذا الجمع. فكسر الإرادة هو المبتغى الأول.

أمّا الاغتيالات، فهي الامتداد الطبيعي لعملية التصفية، ولكن عبر مسارٍ “نظيفٍ” لا يمسّ البيئة مباشرةً؛ وهي أداةٌ يُعاد تفعيلها في ظلّ الهدن التي تفرضها الآليات السياسية لمقتضياتٍ ظرفية. غير أنّ الهدف الثابت هو زعزعة البيئة برمّتها، والقضاء على نمط العلاقات الذي ولّد هذه الإرادة داخل هذا الجمع البشري.

ولمواجهة هذا المشروع الدموي، الذي لن يوفّر أيًّا من شعوب المنطقة، لا بدّ من بناء أنماط جديدة من العلاقات تشبه أو تتجاوز تلك التي أنجبت فعل المقاومة للمرة الأولى. فمجرّد “مناصرة” هذا الجمع الذي يتعرّض للإبادة أو التضامن معه لن ينتج العلاقات نفسها التي سعى هو لبنائها؛ إذ تأتي مقاومة المستعمر- أيّ مستعمر- من إعادة تشييد أنماط العلاقات التي يجري الاجهاز عليها الآن بموجب فعل الإبادة وما يحوم حوله من أشكال استلاب تتجلى في بنية المجتمع المدني المعاصر؛ لا يتحقق ذلك عبر الرمزية المجردة كما هو الحال في الحراكات الشعبية ذات الطابع السلمي ولا الحديث عن مقاومة بديلة لا تنبع من قراءة سياسية أو اقتصادية للعدو، ولا وجهة أو هدف واضحاً لها ولا بتضخيم الغضب اللفظي على طريقة الأمم المتحدة.

يتحقق ذلك من خلال بناء منظومة علاقات تسمح بتمدد جغرافيا غزة مكانيًا، لأنّ تمدّد الجغرافيا هو وحده القادر على كبح جماح المشروع الدموي للرأسمالية المتوحشة عبر أدواتها الاستعمارية في المنطقة. هذا ما شهدناه- على نحوٍ واضح- في اليمن، بوصفه حركةً مقابلة لضرب غزة؛ في ضرب الممرات البحرية، والمضائق، وفي خرق “جغرافيا الأمن” المسمّاة بالأردن بفعلٍ فرديّ من سائقٍ واحد، بما يعبّر عن قدرة الإرادة على شقّ الجغرافيا حتى حين لا يبدو ذلك ممكنًا.

أمّا الاكتفاء بالتضامن والتعاطف، والاكتفاء بالتظاهرات وقوافل كسر الحصار التائهة في عرض البحور، وأن يظلّ اليسار العالمي- والعربي منه على وجه التحديد- منظِّمًا لهذه الطقوس من دون القيام بأيّ فعلٍ يهدّد مصالح الرأسمالية المتوحشة، فتلك مأساة بذاتها.

إنه إعدام نمارسه تحت ضوء الشمس ونعطيه شرعية لغوية تغطي على فشلنا المنظم. وبين هذا الفشل وذاك، يبقى القساميّ (نسبة إلى “كتائب القسّام” المقاومة على أرض فلسطين) يحفر في أرض القطاع المحاصر علّه يجد في الرمال بعدًا آخر يجيب عن مأساة انعدام البعد الأممي، لكن تلك قد تكون المعركة الوحيدة التي سيعجز عنها وحيدًا ما لم ينبش رفيق آخر في أسواق الجغرافيات والأسواق المحيطة خط التحام جديد يُخفّف عن كاهل الزنود الغزاوية معركةً أو إثنتين.

Print Friendly, PDF & Email
مايا نشأت زبداوي

باحثة فلسطينية، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  دولة كبرى زوّدت حماس بأجهزة اتصالات في 7 تشرين