علم موقع 180 أن المشاورات السياسية التي أعقبت خطابي رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في الساعات الأخيرة، أفضت إلى توافق سياسي متقدم، سواء بين الحريري ونصرالله أو على صعيد باقي مكونات السلطة السياسية، بإستثناء القوات اللبنانية التي تقوم بالعزف منفردة، وعلى إيقاع سياسي، لا يبدو أن أحدا في الداخل أو في الخارج، في وارد تغطيته سياسيا.
حتى الآن، يبدو المناخ الدولي والإقليمي، عنصرا حاميا للحكومة الحريرية وللإستقرار اللبناني، ولكنه في الوقت نفسه، يدعو إلى الإفادة من الحراك الحاصل في الشارع اللبناني من أجل فرض رزمة من الإصلاحات والخطوات الإقتصادية والمالية. كما أن بعض التدابير التي كانت تلقى رفضا من صندوق النقد الدولي مثل إكتتاب المصارف في الموازنة العامة للعام 2020، للمساهمة في تخفيض العجز، باتت الآن مقبولة من الجهات نفسها، وحتما بناء على ضوء أخضر أميركي..
صحيح أن خطاب الحريري، أمس الجمعة، لم يكن بمستوى اللحظة السياسية، حسب معظم المراقبين، وربما أعطى الناس كل الأسباب الموجبة للنزول إلى الشوارع، إلا أن مهلة الـ 72 ساعة التي أعطاها لنفسه، كان يمكن أن تمر من دون أي خرق، لولا الحركة السياسية التي قادها حزب الله فور إنتهاء خطاب رئيس الحكومة نفسه، سواء بالتواصل السريع والإيجابي معه، أو من خلال مروحة مشاورات، أفضت إلى تقديم الحريري ورقة إجراءات إقتصادية عاجلة، حظيت معظم بنودها بموافقة حزب الله الذي أوفد وزير الشباب والرياضة محمد فنيش إلى بيت الوسط للقاء الحريري بحضور الفريق الإقتصادي للجانبين، وإستتبعت بلقاءات في دارة رئيس الحكومة شملت المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل وقيادة التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الإشتراكي، فيما بقي موقف القوات اللبنانية ملتبسا، الأمر الذي جعل أوساط الحريري تردد أن موقف القوات اللبنانية “ليس مفاجئا”، ربطا بمحطات حريرية حساسة (لحظة إحتجاز رئيس الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
رئيس الحكومة قرر أن يحمل الإقتراحات إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي بدا أكثر من أي وقت مضى مستشعرا هول الأزمة وما يمكن أن يؤول إليه إستمرار إقامتها في جميع شوارع لبنان
وفي المعلومات أن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وافق على الورقة الحريرية، بعدما إستشعر أن موقفه الأخير بالتلويح بالخروج من الحكومة ترك صداه السلبي عند الحريري والرئيس نبيه بري، كما لدى حزب الله، الذي كان قد إفترض في ضوء آخر إجتماع بينه وبين “الإشتراكي”، وذلك قبل أيام قليلة، أن الطرفين توافقا على تحمل المسؤولية في مواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية، “فكان أن فوجئنا بأن هناك من يريد التهرب ورمي المسؤولية على الآخرين، أو لكأن هناك من يريد القول أنا لست مسؤولا عما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية والمالية وبالتالي سأترك المركب وليغرق من يريد أن يغرق”. طبعا جواب الحزب التقدمي الإشتراكي على ذلك “اننا نصحنا الحريري بالإستقالة ليس لأننا نتهرب من تحمل المسؤولية بل لكي نشكل قوة دفع باتجاه مقاربة الملفات الكبيرة مثل الأملاك البحرية والتهرب الضريبي، وبالتالي، إذا وضعت هذه الإجراءات موضع التنفيذ نكون قد حققنا رؤيتنا الإصلاحية التي قدمناها إلى رئيس الحكومة وطالبنا الجميع مرارا بالإلتزام بها”.
من الواضح أن هناك من يريد القول للحريري أنه عليك أن تستفيد من فرصة الشارع بصورة إيجابية وأن تتحول إلى قوة دفع لإعادة تعويم الحكومة، وهذا الأمر إلتقطه رئيس الحكومة، بتواصله مع قيادة حزب الله فور إنتهاء خطاب نصرالله، حيث شكره على “كلامه المسؤول”.
بالسياسة، قرر الحريري أن يصمد في السراي الكبير، لكن سلوك بعض حلفائه من جهة وخطاب التيار الوطني الحر، من جهة ثانية، لا يشكلان عنصرا مساعدا له، بدليل إستباق جبران باسيل المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة بتهديد الناس بالأسوأ، من ناحية، وبعدم التجاوب مع بعض بنود الرزمة الحريرية الإصلاحية، من ناحية ثانية. غير أن رئيس الحكومة قرر أن يحمل الإقتراحات إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي بدا أكثر من أي وقت مضى مستشعرا هول الأزمة وما يمكن أن يؤول إليه إستمرار إقامتها في جميع شوارع لبنان.
وعلم موقع 180 أن عون طلب من معاونيه الإنفتاح على أية أفكار من شأنها معالجة الأزمة الإقتصادية والمالية، خصوصا وأن بعض القوى في الساحة المسيحية، تريد إستثمار اللحظة، للإنتقال من مربع إسقاط الحكومة، إلى مرحلة إسقاط العهد، وهو الأمر الذي جعل السيد نصرالله ينهي خطابه بكلام حمل رسالة واضحة لهؤلاء بأن “يخيطو بغير هيدي المسلة”.
ووفق معلومات موقع 180، فإن حزب الله، ومع إداركه أن لا أحد دوليا يريد هز الإستقرار في لبنان، إلا أن بعض العواصم الغربية، ولا سيما واشنطن، تريد للحريري أن يستمر رئيسا للحكومة ولكنها تريد ممارسة أكبر ضغط سياسي على عون وفريقه السياسي، من زاوية إستمراره بتوفير الغطاء المسيحي لحزب الله.
وتتمسك ورقة الحريري بأولوية ملف الكهرباء، خصوصا وأنه يشكل بندا مفتاحيا بالنسبة إلى الدول والصناديق التي شاركت في مؤتمر “سيدر” في باريس قبل سنة ونصف السنة تقريبا. وثمة نقاط عالقة مع التيار الوطني الحر، أبرزها كيفية مقاربة ملف البواخر والمعامل.
وفي المعلومات أن الحريري سيدعو حكومته للإنعقاد غدا الأحد في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، على أن تتخذ سلسلة قرارات نوعية يبادر إلى تلاوتها، متعهدا بعدم فرض أية ضرائب في موازنة العام 2020 تطال الفقراء وذوي الدخل المحدود، لكن السؤال الأساس الذي يقلق الحريري وحزب الله وباقي مكونات السلطة السياسية، هل يمكن أن تكون هذه القرارات كافية لإقناع جمهور المحتجين بالخروج من الشوارع والساحات، سواء من وسط بيروت أو غيرها من المدن والمناطق اللبنانية؟
حتى الآن، لا معطيات تشي بإستعداد الحراك للخروج من الشارع، ولا بالإستعداد للتجاوب مع أية دعوة لفك الإعتصامات المدنية المفتوحة، إلا إذا أحدثت القرارات الحكومية صدمة أكبر من تلك التي ينتظرها الناس. يقول المثل “سهل أن يصدق الإنسان كذبة سمعها ألف مرة، من أن يصدق حقيقة لم يسمعها من قبل”.