طلال سلمان يغوص في ذاكرته العربية: تعرّفت إلى عشرين قذافي

ارتبط اسم رئيس تحرير "السفير" طلال سلمان و"السفير" بليبيا على الرغم من كلّ محاولات الرجل إبعاد الصبغة الليبية عن جريدة أرادها عربية وتقدّمية. هذه المرة، بدا سلمان راغباً في الكلام أكثر من أي وقت، وتحدّث بصراحة تامة عن علاقته بليبيا وبرئيسها الذي حكمها أربعين عاماً. ليبيا التي جعلت "السفير" تبصر النور، آلمت سلمان في أكثر من محطة، يخبرنا عنها وكأنه يريد التخفّف من حمل يراه كثيرون "تهمة" فيما يراه هو ضريبة دفعها لكي تستمر "السفير" وتلعب الدور الذي لعبته. وعندما يلاحظ أنه ذهب بعيداً في البوح لا يتردّد في الطلب منّا حذف ما قد يفهم أنه إساءة إلى شخصيات غادرت الحياة وكان لها فضل عليه وعلى "السفير". عن ليبيا في ذاكرة طلال سلمان حلقات ثلاث، نبدأها بالزيارة الأولى التي قام بها سلمان إلى ليبيا.

كان رئيس تحرير “الصيّاد”، سعيد فريحة، في القاهرة عندما وجّهت إليه دعوة لزيارة ليبيا في أواخر العام 1971، من قبل أعضاء في مجلس قيادة الثورة الليبية. عندما عاد إلى بيروت قال لطلال سلمان، المراسل العربي في المجلة الذي بدأ اسمه ينتشر بعدما أجرى مجموعة من المقابلات والتحقيقات: أنا لا أستطيع الذهاب، فهل تذهب أنت؟

الإجابة هي نعم حكمًا، وقد كانت ليبيا في حينه مركز الحدث بعد “ثورة الفاتح” في الأول من أيلول/ سبتمبر 1969 بقيادة معمّر القذافي. ثورة قُرئت في حينه على أنها إنقاذ لمصر جمال عبد الناصر: “كانت حرب الاستنزاف قد توقفت، ولم يكن مؤكداً أنّ الثورة التي قامت في العراق عام 1968 ستخدم عبد الناصر لأن دوره فيها كان محدودًا، بالعكس كان من المرجّح أنها ستقف في وجهه، وفي سوريا كانت علاقته مع حزب البعث الحاكم مشوّشة. أي أن مصر كانت وحدها تقريباً، فجاءت الثورة في ليبيا لتقدّم إنقاذاً معنوياً وسياسياً لعبد الناصر، خصوصاً وأن من قاموا بها هم مجموعة من الضباط الشباب، استلموا الحكم وجاؤوا بليبيا إلى عبدالناصر، وقالوا له تفضّل. كانوا متواضعين وبسطاء. لكن الفرحة لم تكتمل إذ توفي عبد الناصر بعد سنة تقريباً، من أيلول/ سبتمبر 1969 إلى أيلول/ سبتمبر 1970”.

تحمّس القذافي وهجم على الملك فيصل وقال له: كيف تردّ في وجه عبد الناصر؟ ولحق بالأخير إلى الخارج وفتح له باب السيارة مؤدياً التحية العسكرية

بهذه القراءة للأحداث، بدأت علاقة طلال سلمان مع ليبيا، التي لفتت نظره بداية بالسمات الإيطالية التي كانت تغلب على طرابلس الغرب، وعلى لغة أبنائها اليومية التي كانت تغزوها الكثير من التعابير الإيطالية. وصل سلمان إلى الجماهيرية وهو لا يعرف فيها إلا مراسل “الصيّاد”، مهدي كجيجي، ولا يتذكر منها إلا صورة القذافي يفتح باب السيارة للرئيس عبد الناصر بعد خروجه غاضباً من إحدى جلسات القمة العربية الطارئة: “كنا جالسين بعيداً كصحافيين، وكان الكاتب العربي محمد حسنين هيكل يجلس أمامنا. يومها، قدّم عبد الناصر عرضاً لخسائر مصر بعد النكسة وطلب مبلغ 100 مليون جنيه استرليني لإعادة بناء الجيش المصري. ردّ عليه الملك فيصل وهو ينقّب في عباءته على جري عادته: “هذا كثير أخي جمال”، فرمى عبد الناصر بالملف في وجه الملك ونادى: محمد (هيكل) وغادرا القاعة. عندها، تحمّس القذافي وهجم على الملك فيصل وقال له: كيف تردّ في وجه عبد الناصر، ولحق بالأخير إلى الخارج حيث كان ينتظر السيارة، وعندما وصلت، فتح له باب السيارة وأدى له التحية العسكرية”.

قطاف الزيتون

فور وصول طلال سلمان إلى ليبيا، أخبره زميله كجيجي أن الأمور في ليبيا بطيئة الإيقاع، وأنه قد يضطر إلى الانتظار لأيام قبل أن يستطيع الحصول على مواعيد مع المسؤولين فيها. لا بأس من الانتظار إذا كان سيتيح له ذلك التعرّف إلى ليبيا، من خلال مهدي كجيجي وشقيقه محمد من جهة، ومن خلال مكتبة الفرجاني الكبرى في طرابلس من جهة ثانية: “كان الفرجاني وكيل كلّ الصحف التي تصل إلى ليبيا، وكان الليبيون يستهلكون الصحف كثيراً، مصرية أولاً ولبنانية بدرجة أقلّ، بالإضافة إلى صحف إيطالية وأجنبية”.

بادر القذافي سلمان بالقول: هذه المرة أنا من سيجري المقابلة، احكِ لي عن جمال عبدالناصر وعن علاقته بلبنان وبالصحافة اللبنانية

بعد ثلاثة أيام، تلقى طلال سلمان اتصالاً من عضو في مجلس قيادة  الثورة الليبية يبلغه فيه بأنه أرسل له سيارة ستقلّه إلى حيث سيلتقي “الأخ معمّر”… الذي كان قد انتقل إلى منطقة اسمها التاجورة، خارج طرابلس: “وجدت مجلس قيادة الثورة كلّه يقطف الزيتون هناك. لقد كان أخواننا الليبيين كسالى كثيراً، لا يحبون العمل، فعمد القذافي إلى الطلب من مجلس قيادة الثورة القيام بقطف الزيتون لكي يشجع أبناء الشعب على الأمر”.

هناك، أجري الحوار الأول مع القذافي، الذي استمرّ من التاسعة صباحاً حتى الثالثة أو الرابعة بعد الظهر، عاد بعده سلمان إلى الفندق. وقرابة الساعة الثامنة مساء تلقى اتصالاً هاتفياً يبلغه: القائد يبيك توّه (القائد يريدك الآن). مجدداً، أقلّته سيارة إلى مركز القيادة، حيث بادره القذافي بالقول: هذه المرة أنا من سيجري المقابلة، احكِ لي عن جمال عبدالناصر وعن علاقته بلبنان وبالصحافة اللبنانية.

استمرّت الجلسة نحو ثلاث ساعات، حكى خلالها طلال سلمان للقذافي ما يعرفه “لم يكن هناك أسرار، أخبرته عن وضع الصحافة اللبنانية، وعن أن عبد الناصر كان متابعاً دقيقاً لها، ما إن تصل الطائرة إلى مطار القاهرة بعد الظهر، حتى يأخذ أحد الموظفين الصحف منها ويوصلها إلى القصر الجمهوري. كما أخبرته أن عبد الناصر أسّس وموّل صحفاً لبنانية عدة، وعرف كيف يلعب لعبة الـ”بينغ بونغ” مع الصحافة، يرسل لها خبراً فتنشره، ثم يعاد نشره في مصر ويقال إنه نقلاً عن الصحافة اللبنانية ما يعزّز مصداقيته لدى الجمهور المصري”.

بعد يومين، عاد سلمان إلى بيروت “ثم أرسلوني مرة ثانية إلى ليبيا حيث التقيت القذافي مجدداً، وعدداً من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتعرّفت إلى عدد من الصحافيين المحليين، وأجريت مجموعة من  التحقيقات”. الزيارة الثالثة جاءت بعد توجيه دعوة شخصية إلى سعيد فريحة، لكن ابنه بسام هو من ذهب بدلاً عنه يرافقه سلمان. بعدها توقف العدّ، إذ تكرّرت الزيارات إلى ليبيا “كل أربعة إلى خمسة أشهر أذهب، فقد صار لدينا سوق هناك إذ ارتفع عدد مبيعات “الصياد” من خمسمائة عدد إلى ستة ثم سبعة آلاف، مع بعض الإعلانات”.

ساهمت ليبيا في حرب 1973 من خلال طائرات الميراج وقد بقي عضو مجلس قيادة الثورة عبد السلام جلود نحو ثلاثة أشهر في باريس إلى أن تمت الصفقة

 ثورة فاقت التوقعات

نتيجة الزيارات المتكرّرة، كوّن سلمان شبكة من الصداقات والعلاقات مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذين يصفهم بالقول: “كانوا ضباطاً صغاراً وطيبين، مؤمنون بما فعلوه ومتفاجئون بنجاحهم. هم عبارة عن مجموعة لا يتجاوز عدد أفرادها الـ12، ولم يكن معمّر القذافي أعلاهم رتبة. كان هو في بنغازي وأعلن البيان رقم1 من هناك، أما هم فكانوا في طرابلس”.

يلفت طلال سلمان الإنتباه إلى أمر مهم وهو أن “آفاق الثوّار لم تكن في الحجم الذي وصلوا إليه، لكنهم كانوا صادقين ويرغبون في تقديم شيء إلى ليبيا، علماً أن موقف الليبيين من الملك كان إيجابياً، فهو بنظرهم بطل وطني لأنه قاتل الإيطاليين”. لكن محمد السنوسي، الذي تسلّم الحكم وهو في الستين من العمر، لم يغيّر الكثير في ليبيا التي كانت عبارة عن ثلاث ولايات، وكلّ ولاية دولة قائمة بذاتها، فلم يعرف الليبيون الدولة بالمعنى الحقيقي.

الخطوة الأولى التي قام بها الثوّار كانت توحيد ولايات ليبيا الثلاث: طرابلس الغرب، وبنغازي في الشرق، وسبهة في الجنوب وإقامة حكومة مركزية. “كان الشباب طموحين ويريدون أن يفعلوا شيئاً ولا يعرفون تماماً كيف. يريدون أن يفعلوا مثل عبد الناصر. النوايا كانت طيبة لكنهم لا يعرفون كيف”. لذلك، يرى سلمان أن “فجيعتهم كانت كبيرة برحيل عبد الناصر، حاولوا التعامل مع الرئيس المصري أنور السادات لكنهم تعرّضوا لنكسات متتالية منه، وبرغم ذلك، أسهموا بشكل كبير في حرب تشرين/اكتوبر 1973. هم من اشترى طائرات الميراج من فرنسا، التي استخدمت في الحرب. لقد بقي عبد السلام جلود (عضو مجلس قيادة الثورة) نحو ثلاثة أشهر في باريس إلى أن تمت الصفقة، وكان من ضمن الوفد الليبي مجموعة من الضباط المصريين. طبعاً عرف الفرنسيون أن هؤلاء مصريون لكن الصفقة كانت كبيرة لذا لم يعرقلوها”.

لعب القذافي لعبة العشائر فجعل أبناءها يتنافسون فيما بينهم وتظاهر بأنه يريد أن يلغي العصبية العشائرية من خلال مناداة الناس بالأرقام في المجلس الوطني

أكثر من قذافي

إقرأ على موقع 180  "هآرتس": "الموساد" يحاول تجنيد هيكل.. ويفشل

لاحقاً تعكر الجو الليبي مع مصر لأسباب متعدّدة منها العلاقة المتأرجحة بين القذافي والسادات، والتي بدأت جيدة لكنها تدهورت مع مرور الوقت، وربطت حينًا برغبة القذافي السيطرة على قرار السادات خصوصاً وأنه كان يمدّه بالمال، وحينًا آخر بتوجه السادات إلى توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل، لتنقطع العلاقة تماماً بعدما وصل الأمر إلى صدام عسكري على الحدود في العام 1977.

في هذه الفترة، بدأ القذافي يتغيّر ويذهب بعيداً، داخلياً أمسك بالقرار بيد من حديد، وخارجياً حوّل وجهته إلى أفريقيا التي سيصير “ملك ملوكها”، منهم من يردّ السبب إلى فقدان الأمل من إمكانية صنع حيثية عربية له كما كان يطمح، ومنهم من يعيده إلى اكتشاف القذافي محاولة للانقلاب عليه في منتصف السبعينيات، جعلت منه شخصاً آخر. في كلّ الأحوال “خرج القذافي من القومية إلى الأممية، أممية ما، بعدها صار يرغب في تعديل التاريخ الإسلامي، يحسبه من تاريخ وفاة الرسول محمد بن عبدالله وليس من تاريخ الهجرة، وقد شرح ذلك بالقول إنه خلال الهجرة كان النبي محمد لا يزال حياً، أما الوفاة فتعني أن الوحي انقطع فإذاً هذا هو التاريخ. كما راح يغيّر في أسماء الشهور، غيّر كل ما يمكنه تغييره. وإلى اليوم لم ينجح الليبيون في حفظ أسماء شهورهم”.

هكذا بدأ بدأ سلمان يكتشف “قذافي ثان. القذافي الأول، كان يعتبر نفسه ربيب عبدالناصر، والمسؤول عن إكمال رسالته. هو القومي العربي والعروبي، يريد أن يعوّض غياب القائد العظيم. لكن ابتداء من العام 73 نزلت عليه النبوة، قرّر أن يصبح نبياً، وبدأ بالكتاب الأخضر، وبدأ يظهر معمر قذافي ثان لا علاقة له بالأول”. ويمكن لسلمان أن يحكي عن قذافي ثالث، ورابع وخامس… “على الأقل أنا أعرف خمس نسخ من الرجل، وغيري ممن كانوا أقرب إليه قد يعرفون أكثر، ويمكني القول إنه بين القذافي الأول والأخير يوجد عشرين قذافي. لم أجد يوماً في حياتي شخصاً تغيّر وأنكر نفسه وأنكر شعبه كما فعل هو. كيف بدأ يخرج من إنسانيته ويصبح شيئاً ثالثاً ورابعاً، صار يرى نفسه متفوقاً على عبد الناصر وعلى كارل ماركس، إلى أن وصلت به نرجسيته إلى أن قرّر أنه االله”.

يعيد سلمان هذه التغييرات في شخصية القذافي إلى أمور عدة، أبرزها شخصيته النرجسية، والتي بدأت في الظهور بعد وفاة عبدالناصر “شعر القذافي بأنه المسؤول عن الأمة كلها، وليس عن شعبه فقط، وبما أنه تسلّم دولة غنية جداً، فيها النفط وفيها الغاز، تصرف تصرّف الحاكم الفرد الذي يمون على الحياة كما على الموت”. وبخلاف ما يحكى عن “جنون” الرجل، يرى سلمان أنه كان ذكياً على الرغم من شخصيته الغريبة ومن  “نوادره” التي تضحك الناس… وتبكي الليبيين. في الداخل، لم يقدّم الكثير لبلده، أنشأ بعض الطرقات الجيدة، لكنه لعب لعبة العشائر فجعل أبناءها يتنافسون فيما بينهم وتظاهر بأنه يريد أن يلغي العصبية العشائرية من خلال مناداة الناس بالأرقام في المجلس الوطني. كان كلّ عضو يجلس ورقمه أمامه وقد تتجاوز الأرقام الـ 500، فلا يخاطب أحداً باسمه واسم عائلته بل برقمه. هذه إحدى علامات عدم احترامه لشعبه “أذكر أنه في لقائي الأول معه، رفض أن يستقبل معي زميلي مهدي كجيجي وطلب منه الانتظار خارجاً، وعندما سألته قال: إنه ليبي، لا يفهم”. ومن تصرفاته الغريبة أوامره بوضع صورة حذاء على شاشة التلفزيون لأيام كلما غضب من أمر ما.

رفض عبدالله سعادة كتاب “اسراطين” علناً أمام القذافي وقال له: رقبتنا في يدك لكن ما كتبته غلط

عبدالله سعادة: وقفة عز

لم يكن الحال أفضل في العلاقة مع الخارج، لكن حاجة الدول الانتهازية إلى المال الليبي جعلت رؤساء الكثير من الدول، لا سيما إيطاليا، يغضون النظر عن تصرفاته، ومنها اصطحابه للخيمة والجمل في رحلاته وإجبار من يرغب من رؤساء العالم على ملاقاته في الخيمة. أما العرب، فحدّث ولا حرج عن حفلات التملّق لـ “القذافي الذي لم يعد يكفيه أن يكون قائداً بل يريد أن يصبح مفكراً فأصدر “الكتاب الأخضر”، وبعدها تحدّث عن “النظرية العالمية الثالثة”. كثيرون كانوا ينافقونه، وهناك أمور كنت شاهداً عليها وأخجل من الحديث عنها، كيف كان من نعتقدهم اليوم أبطالاً وقادة يشيدون بفكر القذافي ومنهم من أقنعه بطباعة “الكتاب الأخضر” بالروسية وأوهمه أنه طبع فعلاً مليون نسخة منه، تقاضى ثمنها. لقد كان محاطاً بالانتهازيين”. في هذه المجالس، التي بقيت “بالأمانات” لا ينسى سلمان موقفاً كان بطله رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي عبدالله سعادة. “كان القذافي قد خرج بنظرية ضمن كتاب بعنوان “اسراطين” تفيد أن المسيح يهودي، وأن المسيحية فرع من الديانة اليهودية، ودعا المسيحيين إلى اعتناق الإسلام. وفي لقاء حضرته، جمعه مع عدد من قيادات الحركة الوطنية أذكر منهم محسن ابراهيم وجورج حاوي وعبدالله سعادة، دار الحديث عن الكتاب الجديد ولم ينتقده أحد بل كان هناك من يشيد به إلى أن رفع سعادة يده طالباً الكلام وقال: “أخ معمّر، أنا أعرف كما يعرف الأخوان هنا أن رقبتنا في يدك، سلاحنا ومالنا، كل إمكاناتنا من عندك، أي أنك قادر على خنقنا لكن الواجب يقتضي مني أن أقول لك إنه من المعيب أن تصدر هذا الكتاب، وأن تخرج بهذه النظرية. هذا يدلّ إلى أنك لا تعرف المسيحية ولا الإسلام. أنا أدّعي أخ معمر أني أحفظ من القرآن الكريم أكثر منك، لقد قرأته نحو خمس مرات، وقرأت التفاسير، وأظن أني بالتأكيد أعرفه أكثر منك في حين أنك لا تعرف الانجيل ولا التوراة، ولا تعرف شيئاً عن المسيح. أنت تعرف بعض الحكايات المتداولة ما لا يسمح لك بوضع توقيعك على هذا الكتاب، لأنه أولاً يشكل إساءة للإسلام وليس للمسيحية، وإساءة إلى شخصك”.

وبينما كان سعادة يتكلم، كان الجميع محتارين أين ينظرون، لقد أحرجهم، في حين ارتبك القذافي وحاول المناقشة. لقد كان عبدالله سعادة مثل السيف في قول الحقيقة. هذا المشهد لا أنساه أبداً أبداً لأنه فريد من نوعه، رجل وقف وقال: رقبتنا في يدك لكن ما كتبته غلط”.

هذه الحادثة تؤكد ما كشفه مقرّبون من القذافي لاحقاً عن مشكلة كان يواجهها مع اللبنانيين، وهي أنهم “كلمنجيون يحبون النقاشات والأخذ والرد وهو ما لا يستسيغه”. في المقابل، كان يتعامل مع لبنان على أنه “مصنع للزعامة العربية”، ومن هنا يمكن فهم سؤاله الأول لسلمان عن الصحافة اللبنانية ودور عبد الناصر فيها. فلم لا يكون له هو أيضاً صحافته ومؤسساته التي ستصنع زعامته؟

(في الحلقة المقبلة، يتحدّث طلال سلمان عن ظروف تأسيس جريدة السفير)

Print Friendly, PDF & Email
مهى زراقط

كاتبة وصحافية وأكاديمية، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  كتاب"أيام مع الخميني": رصاصة تنطلق في القرن الـ14 وتصيب القرن الـ20