شيّع أهالي مدينة القامشلي، الثلاثاء في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، جثمان راعي كنيسة مار يوسف للأرمن الكاثوليك الكاهن هوسيب بيدو ووالده حنّا إبراهيم بيدو في كنيسة مار يوسف للأرمن الكاثوليك بمدينة القامشلي (شمال شرق)، اللّذين قتلا رمياً بالرصاص الإثنين في 11 تشرين الثاني/نوفمبر على يدّ مسلّحين من تنظيم “داعش” أثناء توجّههما من الحسكة إلى دير الزور للإشراف على ترميم كنيسة فيها.
وإتهمت اللجنة الوطنية الأرمنية في الولايات المتحدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط على الرئيس التركي اردوغان للإجابة حول عملية اغتيال الكاهن الأرمني الكاثوليكي ووالده على يد ميلشيات داعش في منطقة يسيطر عليها حلفاء تركيا.
وخلال التشييع الجنائزيّ، التقى “المونيتور” ماري هاكوب، السيّدة السبعينيّة المتحدرة من مدينة تلّ أبيض، وهي تضع الورود على تابوت الكاهن بيدو ووالده، وكانت قد فرت مع عائلتها الشهر الفائت من المدينة بعد احتلالها من قبل الجيش التركيّ و”الجيش الوطنيّ” التابع للمعارضة السوريّة خلال عمليّة “نبع السلام” العسكريّة التي نفّذتها أنقرة ضدّ “قوّات سوريا الديمقراطيّة” حليفة الولايات المتّحدة في حربها ضدّ تنظيم “داعش”.
وأشارت ماري هاكوب إلى أنّها استأجرت بيتاً في مدينة القامشلي بعد استيلاء فصيلة “أحرار الشرقيّة” التي تقاتل في الجيش الوطنيّ على منزلها ومنزل ابنها ومتجرهما، وقالت: “الذين قتلوا الكاهن هوسيب ووالده لا يقلّون إجراماً عن الجيش الوطنيّ، الذي ارتكب إعدامات ميدانيّة بالسكّان المدنيين والعسكريين فالمعلومات التي ترد من المدينة والفيديوهات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعيّ، لمسلحي الجيش الوطني وهم يردّدون شعارات داعش، تثبت أنّهم إرهابيّون ومتشدّدون لقد استولت مليشيات الجيش الوطني على بيوتنا وأملاكنا ومنحوها إلى عائلاتهم”.
وعثر الجيش السوريّ على جثّة جنديّين مشوّهين من مقاتليه، الأحد في 10 تشرين الأوّل/أكتوبر، بريف مدينة تلّ أبيض، بعد ساعات من اختطافهما من قبل مسلّحي المعارضة، وذلك على الطريق الدوليّ (M4) شرق مدينة عين عيسى، وهو الطريق ذاته الذي قتلت فيه الأمينة العامّة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف الشهر الفائت.
وبعد مرور شهر على احتلال مدينته تلّ أبيض، تمكّن غريب، الذي فضّل الكشف عن اسمه الأوّل، من الفرار، والتقاه “المونيتور” وعائلته في مدينة الرقّة بـ10 تشرين الثاني/نوفمبر في منزل صديقه، بعد أن سلبت منه فصائل الجيش الوطنيّ منزله، وقال: “لقيت شقيقتي وعائلتها حتفهم بعد أن قصفت المقاتلات التركيّة المدينة، ودفنت تحت ركام بيتها هي وزوجها وأطفالها الخمسة”.
أضاف: “كنّا نسمع شعارات داعش وتكبيراته تردّدها فصائل المعارضة، وهي تنهال بالضرب والقتل بحقّ أيّ مدنيّ تصادفه في الشارع، وحين تعفش منازل المدنيّين التي استولت عليها. ولقد جلبت نازحين من حماة والغوطة ودرعا وغيرها من المناطق، واستوطنوا منازل سكّان المدينة، بعد فرارهم بسبب القصف المكثّف بالطائرات التركيّة والدبّابات وقاذفات الهاون”.
وتحتفظ سهيلة عمّي، وهي سيّدة خمسينيّة من مدينة رأس العين بصورة ابنها، الذي فقدته بعد استهداف المدينة بأسلحة محرّمة دوليّاً، فهذا ما قالته خلال لقاء مع “المونيتور” بـ10 تشرين الثاني/نوفمبر في مخيّم “واشو كاني”، الذي أعدته الإدارة الذاتيّة بالقرب من قرية التوينة على الطريق بين تلّ تمر والحسكة مطلع الشهر الحالي.
وحاولت سهيلة عمّي العودة إلى منزلها في رأس العين، لكنّ فصائل المعارضة التي تنشر حواجزها على مداخل المدينة منعتها من الدخول، كما أشارت في حديث لـ”المونيتور”، وقالت: “في المرّة الأولى، طلبت مني ارتداء الثياب الشرعيّة “النقاب”، التي فرضها تنظيم داعش على النساء في المدن التي سيطر عليها سابقاً في سوريا، وأرغمتني على دفع مبلغ 200 دولار لقاء ساعتين أدخل فيهما المدينة لأتفقد بيتي. وفي اليوم الثاني، عدت فمنعتني من دخول المدينة، بعد أن استولت على المبلغ الذي كان في حوزتي (200 دولار)، فهي تمنع سكّان المدينة من العودة إلى بيوتهم”.
وكشف الرجل عن مشاهدته الفصائل الموالية لتركيا ضمن عمليّة “نبع السلام” ترفع علم “داعش” الأسود على مبان تابعة للإدارة الذاتيّة داخل مدينة رأس العين، وهي تردّد شعار تنظيم داعش “باقية تتمدّد”
وعلى مقربة من خيمة سهيلة عمّي، جلس رجل ثلاثينيّ، فضّل عدم الكشف عن اسمه، وأشار لـ”المونيتور” إلى أنّه تمكّن من الهرب من مدينته رأس العين بعد عشرين يوماً من احتلالها، وكشف الرجل عن مشاهدته الفصائل الموالية لتركيا ضمن عمليّة “نبع السلام” ترفع علم “داعش” الأسود على مبان تابعة للإدارة الذاتيّة داخل مدينة رأس العين، وهي تردّد شعار تنظيم داعش “باقية تتمدّد”، وقال: “خلال تجوالي الحذر بين شوارع رأس العين لشراء الخبز حينها، رأيت مسلّحين ذقونهم وشعر بعضهم طويل، ويهدّدون المارّة ممّن تبقّى من المدنيّين، وهم يرفعون في وجوههم السكاكين ويقولون: على الدبح على الدبح يا أكراد”.
وفي أحد مساجد مدينة رأس العين، أفتى أبو إسلام الديري، وهو أحد قادة فصائل ما يسمى “الجيش الوطنيّ”، خلال خطبة ألقاها يوم الجمعة الماضي وتناقلتها وسائل إعلاميّة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر بأنّ “ذبح الكرد وقتلهم حلال”، وشبّههم بـ”الخنازير والكلاب”.
وفي مدينة منبج، التقى “المونيتور”، الأربعاء في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، خليل يوسف، وهو ناشط مدنيّ من مدينة منبج، الذي انضمّ إلى مئات المُنددين بالعمليّة العسكريّة التركيّة ضدّ شمال وشرق سوريا، الذين خرجوا في مسيرات احتجاجيّة.
وندّد خليل يوسف بتخاذل الأمم المتّحدة ووصفها بالشريك في عمليّة التطهير العرقيّ، الذي تمارسه تركيا اليوم في تلّ أبيض ورأس العين، وقال: “إنّ الأمم المتّحدة خرجت عن مهمّتها الأساسيّة في مساندة الشعوب والمدنيّين، وباتت اليوم تساند الرئيس التركيّ في تهجيره آلاف السكّان الأصليّين من مدنهم وقراهم ومنحها إلى العرب السوريّين من المحافظات الأخرى، فهل حلّ مشكلة اللاّجئين يكون بإبادة سكّان تلّ أبيض ورأس العين وريفها وتهجير سكّان تلّ تمر المسيحيّة التي يحاول أردوغان احتلالها”.
ومن جانبه، ندد مظلوم عبدي قائد “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد) عبر تغريدة له على تويتر بمساندة الأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتيريش في خلال زيارته الأخيرة لأنقرة لخطة الرئيس التركي التي أسماها عبدي بـ”مشروعات التطهير العرقي الرامية لبناء تجمعات سكنية في تل ابيض ورأس العين بعد تهجير سكانها الأصليين”، معتبراً ذلك بمثابة “تواطؤ خطير من الأمم المتحدة مع سياسات الإبادة الجماعية”، على حد قوله.
وفي ظلّ صمت المجتمع الدوليّ، إزاء مقتل عشرات المدنيّين، يتخوّف نازحو تلّ أبيض ورأس العين على حياة من بقي من المدنيّين داخل المدينتين ممّن لم يتمكّنوا من الفرار، لا سيّما بعد ورود معلومات وفيديوهات مرعبة توثّق ارتكاب فصائل المعارضة الموالية لتركيا إعدامات ميدانيّة وانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.