أمين عام حزب المصارف القوي!

المصارف كالبشر. شعوب وقبائل بأحجام وأعمار وبلاد منشأ مختلفة. شخصيات وثقافات وأدوار وكاريزما مقابل حوالات واستثمارات وإيداعات وتوظيفات، وأكرم البنوك عند المجتمع الدولي تلك التي تلبي ما يأمر به العم سام.

إلتقيت خبيرا سياسيا عربيا له باع طويل في القطاع المصرفي اللبناني. سألته عما ستؤول اليه أحوال القطاع المصرفي في لبنان، وهو يواجه أكبر تحد منذ تجربة إنهيار بنك “إنترا” في منتصف ستينيات القرن الماضي. القطاع المصرفي ومنذ اليوم الأول للحراك الشعبي في لبنان يتعرض لضغوط كثيرة: اقفال متكرر غير مسبوق تاريخيا حتى في عز الحرب الأهلية وتدنٍ للسيولة وفقدان للعملة الأجنبية وتعثر في سداد القروض المستحقة، والأخطر سحب ودائع إما للخارج أو إلى البيوت، قبل أن تقرر جمعية المصارف الـ”كابيتال كونترول” بلا تبنٍ واضح من حاكمية مصرف لبنان المركزي.

أجاب الخبير العربي أن القطاع المصرفي اللبناني على شفا الإفلاس ان لم يتم تدارك الأمر، وكل محاولات إنعاشه من قبل المصرف المركزي بقيادة الحاكم رياض سلامة، سواء عبر هندسات مالية أو “كابيتال كونترول” لن تخرج هذا القطاع من أزمته.

وأين تكمن أزمته؟

اجابني بضحكة سبقت كلامه، واصفا لبنان بأنه “رجل غير منتج مثقل بديون ثقيلة وكبيرة ولكن بطاقة الائتمان (الكريديت كارد) التي يحملها معه في جيبه صالحة وسارية المفعول. وهذا الشخص يصرف طاقته في سداد المبلغ الشهري الأدنى المستحق للبطاقة وليس تعديل سلوك صرفه من الأساس، أي أنه يصرف مجهوده في تلبية الشروط القانونية للبطاقة وليس شروط اقتصاد حياته الواقعية.

هنا استوقفني وصف الخبير للوضع المصرفي، ما دفعني إلى سؤاله عن الدعم الخارجي للبنان واهمية لبنان السياسي، دورا واستقرارا في خريطة المنطقة؟

اشاح بيده عن وجهه، وقال: “المساعدات المالية الخارجية لها ثمن سياسي. والثمن المطلوب منذ التحرير في العام 2000 ليس محل تفاوض. وجميع الأثمان السياسية التي يمكن للبنان أن يصرفها، يستطيع المجتمع الدولي تحصيلها من دول أخرى مجاورة، ما يجعل الإنقاذ الخارجي للبنان أكثر إرتباطاً باستراتيجيات المنطقة وليس بمتطلبات لبنان. لهذا السبب تتأخر ولادة الحكومات وإنتخاب رؤساء الجمهورية والإنتخابات النيابية منذ حرب تموز/يوليو 2006. لا ينفي ذلك ـ يضيف الخبير ـ أن الحكومة الجديدة برئيسها وهويتها ووجوهها وبيانها الوزاري قد تساهم في إحداث صدمة إيجابية تولد دينامية نحو إستعادة نوع من الثقة.

أنت تتحدث بالسياسة ولكن المصارف تبحث عن رأس المال؟

يسترخي الخبير في مقعده الوثير، موحياً بأن الإجابة تحتاج للغوص أكثر في مجال اختصاصه. فصّل التعريف العلمي للمصارف، قائلا ان المصرف منشأة مالية تتاجر بالنقود كوسيط بين المودعين والمقرضين وإدارة رؤوس الأموال التي تبحث عن فرص استثمارية وبين قطاعات استثمارية تبحث عن رأس المال. ثم أكمل ان أغلب الناس تعتقد بوجود نوعين من المصارف: عامة تملكها الدولة كالمصرف المركزي وخاصة يملكها اشخاص وشركات. غير انه في الواقع هناك مصارف مختلطة في الملكية بين القطاع العام والخاص في الأونة الأخيرة ظهرت المصارف المختلطة الجنس، وهي نموذج هجين يجمع بين ملكية الدولة وملكية القطاع الخاص.  وفي حالات اختلال كبير في القطاع المالي يتدخل البنك المركزي كما حصل في أميركا. هذا النوع الهجين جرّبناه في التاريخ القريب، وتحديدا في الولايات المتحدة الأميركية عام 2008 إثر انهيار القطاعين المالي والعقاري.

المصارف في تصرفاتها وتحديها لمصرف لبنان تتصرف كمزرعة وليس كمصرف! بهذا المعنى، يصبح تدخل المصرف المركزي ليس فقط لضخ السيولة بل لإعادة الحوكمة

انت تقصد تأميم المصارف من قبل الدولة، وفق خطة أقرها الكونغرس الأميركي وكان إسمها “الخطة الإنقاذية”؟

أجاب بسرعة: “بما ان الودائع مضمونة من المصرف المركزي، لما لا؟ حتى يستطيع مصرف لبنان ضبط او منع تهريب الأموال الى الخارج. هل يعقل تحويل مبلغ بمئات الملايين من الدولارات لعميل واحد خارج البلد في الوقت الذي يقفل المصرف ابوابه أمام مودعين من عامة الناس؟ هذه المصارف تتصرف بعقلية خالية من الحوكمة. المصارف في تصرفاتها وتحديها لمصرف لبنان تتصرف كمزرعة وليس كمصرف! بهذا المعنى، يصبح تدخل المصرف المركزي ليس فقط لضخ السيولة بل لإعادة الحوكمة.

حسنا كيف للحاكم بموجب قانون النقد والتسليف في لبنان ان يتخذ الإجراءات المناسبة؟

“بسيطة كل ما يطلبه اليوم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من المصارف هو زيادة رأس مالها. امام هذه المطالبة، لا خيار امام المصارف الا واحد من إثنين: تحويل ايداعاتها الخارجية (في المصارف الموازية) الى لبنان أو ضخ المصرف المركزي سيولة مقابل ملكية في الأسهم. وحسب ما أعلن حاكم مصرف لبنان، فان المصرف المركزي يمتلك السيولة اللازمة للقيام بذلك”.

وهل يستطيع حاكم المصرف المركزي اتخاذ القرار بدون موافقة مجلس الوزراء؟

“حسب قانون النقد والتسليف في لبنان، الحاكم هو المرجع والناظم. ومن ضمن صلاحياته اتخاذ هذا النوع من القرارات. لكن بما أن كل شيء في لبنان مسيس، يحتاج الحاكم الى غطاء من القوى السياسية التي تكون ممثلة عادة في مجلس الوزراء. المهم ألا يطول أمر تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة”.

“عزيزي، لبنان يحتاج الى اقتصاد منتج وليس إلى مال فقط”

وماذا عن قانون استعادة الأموال المنهوبة؟

إقرأ على موقع 180  لبنان فقد دوره.. كيف يقوم مجدداً؟  

يتنهد الخبير وهو يمسح وجهه بيده، ويجيب متسائلاً:”ماذا تقصد بالأموال المنهوبة؟ ما هو تعريفك القانوني لها؟ انت تتكلم عن الفساد، حسنا كيف وقع هذا الفساد؟ اليس على القضاء اثبات وقوع السرقة ثم محاكمة السارق ومن بعدها استرداد الأموال”؟ وتبقى العبرة بتطبيق القانون، أي قانون وليس كلام عن قانون عام للاستهلاك المحلي.

أقول للخبير السياسي العربي: على سبيل المثال لا الحصر. الا يحق لأي شخص سواء أكان سعد الحريري أم سائقه أن ينال قرضاً من مصرف لبناني بصفته مواطنا لبنانياً؟ الجواب نعم. لكن إن لم يسدد القرض او تعثر عن السداد في الوقت المحدد وضمن المهلة المحددة، هل يصبح فاسداً؟ الجواب لا. حسنا إن رفض هذا الشخص السداد، هل هناك آلية قانونية لاسترداد المبلغ؟

يجيب الخبير “الموضوع أكبر مما تتصور. انت تتكلم عن نظام فاسد وليس عن اشخاص فاسدين”.

وماذا عن الحاكم رياض سلامة أمين عام حزب المصارف القوي؟

أجاب الخبير مستشهدا بآية من آيات القرأن الكريم “وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”. وختم: “عزيزي، لبنان يحتاج الى اقتصاد منتج وليس إلى مال فقط”.

(*) كاتب سعودي

Print Friendly, PDF & Email
طارق زيدان

كاتب سعودي

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "الحلف الجديد".. وفرصة إحتواء سوريا!