انتخابات بريطانيا: “تفويض قوي” للخروج من أوروبا

Avatar18013/12/2019
نجح بوريس جونسون في رهانه. حزب المحافظين حقق فوزاً تاريخياً، بحصوله على 364 مقعداً في مجلس العموم البريطان، أي بزيادة 38 مقعداً فوق الغالبية المطلقة (326 مقعداً)، وهو تقدّم غير مسبوق منذ عام 1987، حين حقق الحزب ثالث انتصاراته على التوالي، تحت قيادة مارغريت تاتشر.

لا تكمن أهمية الانتصار الذي حققه المحافظون في أن بوريس جونسون، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، سيعود مجدداً إلى “داوننغ ستريت” لخمس سنوات مقبلة، بل في كون التصويت أفرز واقعاً جديداً، في برلمان ظل، حتى الأمس، عاجزاً عن حسم الخيارات المتصلة بالملف الأهم في السياسة البريطانية، منذ أربع سنوات: ضمان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – “بريكست”.

بذلك، سيدخل النواب البريطانيون إلى مقرّهم في “وستمنستر” يوم الثلاثاء 17 كانون الأول/ ديسمبر، وعلى رأس جدول أعمالهم التصويت على “وثيقة الانسحاب”، وهي الإجراء التشريعي الذي طال انتظاره للخروج من الاتحاد الأوروبي، في  تصويت قد يجري قبل عيد الميلاد.

بوريس جونسون، المسكون بنشوة الانتصار منذ اللحظة الأولى لصدور النتائج شبه النهائية للتصويت فجراً، بدا واثقاً في أن المسار الذي حدده لـ”بريكست” بات أمراً واقعاً عبّر عنه بشكل حاسم، من مقر إقامته في أوكسبريدج، في شمال غرب لندن، حين قال: “لقد حصلنا على تفويض قوي لتوحيد هذا البلد وتحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

على المقلب الآخر، كان قياديو “حزب العمال”، بقيادة جريمي كوربن، يعيشون أسوأ أيامهم: ثاني قوة سياسية في بريطانية ضربتها كارثة حقيقية، بحصولها على 32.2 في المئة من الأصوات، في مقابل 40 في المئة في عام 2017 (203 مقاعد في مقابل 262 في البرلمان المنتهية ولايته)، ليسجّل بذلك أدنى معدّل تمثيل في تاريخه.

دفع العماليون باهظاً ثمن موقفهم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعدما تعهدّ حزبهم بإعادة التفاوض على اتفاقية “بريكست”، ومن ثم إجراء استفتاء على الخروج، بجانب تكبّدهم التداعيات السلبية للغاية للصورة المتداعية لزعيمهم، المتهم بعدم القتال بشكل كافٍ ضد معاداة السامية في الحزب.

دفع العماليون باهظاً ثمن موقفهم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

وفي توقيت، متزامنٍ تقريباً، مع إدلاء بوريس جونسون بتصريحات الانتصار، كان كوربن، الذي تلقّى للتو نتيجة اعادة انتخابه في إزلينغتون في شمال لندن، يعلن أنه سيتخلى عن إدارة حملات انتخابية أخرى، بعد أربع هزائم متتالية، وأنه سيترك رئاسة الحزب، ولكن “بعد فترة من التفكير” الداخلي.

لم تقتصر الهزيمة على “العمّال”، فقد تشاركهم فيها “الديموقراطيون الأحرار”، الذين كانوا يأملون في قطف ثمار تراجع “حزب العمال”، لا بل راهنوا على “انهاء الثنائية الحزبية”، لم يمتكنوا من تحقيق حتى النتيجة التي أرادها حتى الواقعيون منهم، وهي الحصول 20 مقعداً على الأقل من مقاعد البرلمان، إذ لم ينالوا سوى 11 مقعداً.

ثبت لـ”الديموقراطيين الأحرار” أن وعدهم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان خطأً تكتيكياً كبيراً

“الديموقراطيون الأحرار” تكبّدوا أيضاً هزيمة رمزية مدوّية بخسارة زعيمتهم الشابة جو سوينسون – التي بالغت في ثقتها بنفسها في بداية الحملة الانتخابية حين قالت إنها تريد أن تصبح رئيسة للوزراء – لمقعدها في دانبارتونشاير إيست، في جنوب غرب اسكتلندا، بفارق 150 صوتاً عن مرشح شاب آخر من “الحزب الوطني الاسكتلندي”.

بذلك، ثبت لـ”الديموقراطيين الأحرار” أن وعدهم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان خطأً تكتيكياً كبيراً.

باختصار، حسم البريطانيون خيارهم بالنسبة إلى “بريكست”، فهم أكدوا عملياً نتيجة استفتاء عام 2016، إلى حدّ كبير، وقالوا كلمتهم بأنهم يريدون فلعاً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو على الأقل احترام نتيجة الاستفتاء بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من التأخير.

الانتصار الساحق  لبوريس جونسون، أو بالأصح لشعاره “Get Brexit Done”  يعني تلاشي الأمل للعديد من البريطانيين المؤيدين لأوروبا، والذين رفضوا، منذ العام 2016، الإقرار بالهزيمة التي أفرزها الاستفتاء على الخروج، وطالبوا باستفتاء جديد.

الآن، يتمتع بوريس جونسون بحرية مطلقة، وغالبية مؤكدة، وبرلمان مجدد، وزعماء أحزاب معارضة يغادرون الحياة السياسية، أو يبقون فيها ضعفاء للغاية.

معاهدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي جاهزة، وقد تم التفاوض عليها في تشرين الأول الماضي بين لندن وبروكسل، لا بل أقرت بالقراءة الأولى في مجلس العموم قبل حله، وهي تنتظر المصادقة النهائية بحلول الأيام القليلة المقبلة، قبل مصادقة البرلمان الأوروبي المتوقعة في منتصف كانون الثاني المقبل.

معاهدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي جاهزة وإقرارها في مجلس العموم قد يحدث خلال أيام

وابتداءً من الأول من شباط ستصبح المملكة المتحدة “دولة ثالثة”، وستبدأ في التفاوض على علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، في مسار أكد بوريس جونسون أنه سيستكمل قبل نهاية العام 2020.

ولكن هل سيكون جونسون قادراً على الالتزام بهذا الموعد النهائي؟ ثمة تساؤلات كثيرة يمكن أن تُطرح قبل الإجابة على هذا السؤال: ما نوع العلاقة التي سيختارها؟ هل ستطالب غالبيته في مجلس العموم بمزيد من الوقت للتفاوض؟ وهل يمكنه أن يتجاهل مطالب “البريكستيين” الأكثر تطرفاً الذين يطالبون بأقصر علاقة ممكنة مع بروكسل؟

إقرأ على موقع 180  عن مئوية لبنان بين الغرب.. والدكتاتوريات العربية

وفق ما قاله وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في مقابلة مع “برلينر مورغنبوست”، فإنه “بعد الانتخابات لدينا فهم للطريقة التي سوف تسير بها بريطانيا، بعد عدة سنوات من عدم اليقين الذي أثقل على المواطنين والشركات ليس فقط في بريطانيا، إنما أيضاً في ألمانيا وبقية الاتحاد الأوروبي”.

وبحسب الوزير الألماني “من المحتمل جدًا أن يحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل منظم في نهاية كانون الثاني 2020. ستكون لدينا فترة انتقالية قبل 31 كانون الأول 2020، ليتمكن المواطنون والشركات من التكيف مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.


دفعة قوية لـ”انفصاليي” اسكتلندا

في موازاة الانعكاسات المؤكدة على “بريكست”، تثير نتائج الانتخابات البريطانية تساؤلات حول مستقبل اسكتلندا.

سجل “الحزب الوطني الاسكتلندي”، وهو الحزب الانفصالي المعارض بشدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أداءً جيداً للغاية ، واستعاد أرضه المفقودة خلال الانتخابات العامة عام 2017، ليشغل 48 مقعداً من المقاعد الـ 59 المخصصة لاسكتلندا في مجلس العموم البريطاني.

بصرف النظر عن قضية “بركست”، فإنّ جميع المعلقين السياسيين بدوا قلقين من زيادة خطر تفكك المملكة المتحدة.

وبعد فشل الاستفتاء على الانفصال عام 2014 ، دعت الوزيرة الأولى في اسكتلندا، نيكولا ستورجيون إلى إجراء استفتاء ثانٍ حول استقلال اسكتلندا للبقاء في الاتحاد الأوروبي.

ومن المرجح أن توفّر نتيجة الانتخابات دفعة لـ”الحزب الوطني الاسكتلندي” في هذا السياق، خصوصاً أنه يحتاج إلى غالبية في وستمنستر حتى يؤذن لهذا الاستفتاء.

ومع أن بوريس جونسون شدد بالفعل على أنه سيحرم الاسكتلنديين من الاقتراع الجديد، إلا أن تعليق ستورجيون بعد صدور النتائج الانتخابية كان واضحاً: “المحافظون خسروا أصواتهم في اسكتلندا ولدي بالتالي تفويض لإعطاء الاسكتلنديين الاختيار ولا شك أنني سأقوم بذلك.”

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  سنتان على الحرب: روسيا لا تُهزَم.. ووجهُ أوروبا يتغير