ارتفعت خلال الساعات الماضية أسهم الحرب في إدلب على حساب أسهم التهدئة، وبدا جليّاً من خلال عدة معطيات ومؤشرات أن إعلان الساعة الصفر بات وشيكاً جداً.
وتبادل الجيشُ السوري وأعداؤه من جماعاتٍ جهاديةٍ وفصائل مسلحة محسوبة على أنقرة، التحشيدَ واستقدامَ التعزيزات ووضع اللمسات الأخيرة على الاستعدادات العسكرية التي تسبق أية مواجهة على الأرض.
وذكر مصدر ميداني لـ موقع 180 أن “استعدادات الجيش العربي السوري لإطلاق معركة جديدة في إدلب باتت مكتملة والجهوزية القتالية عالية جداً وبأحسن حالاتها، ولا ينقص إلا وصول الايعاز بإطلاق الرصاصة الأولى”.
وكانت التوقعات حول قرب إطلاق عملية عسكرية في إدلب قد زادت بشكل ملحوظ منذ الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى منطقة الهبيط في شهر تشرين الأول/اكتوبر المنصرم، والتي أعلن خلالها بوضوح أن “معركة إدلب هي الأساس لحسم الحرب في سوريا”.
في المقابل، كانت خطوط التماس في جنوب إدلب تشهد تحركات واسعة لمقاتلي “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) استعداداً لأية مواجهة مقبلة. ولوحظ أن أرتالاً ضخمة من عناصر “جيش أبي بكر” و “جيش عثمان بن عفان” و”العصائب الحمر” قد وصلت إلى نقاط الرباط على طول خطوط الجبهة في تلك المنطقة، بحسب ما أفادت به مصادر محلية من داخل إدلب.
وقالت هذه المصادر لـ 180 إنّ “هيئة تحرير الشام” تتصرف وكأن جولة جديدة من المعارك ستدور في القريب العاجل، لذلك لا تدخر وسعاً في التجهيز لها. ونظراً إلى الخلافات التي تفاقمت بين “هيئة تحرير الشام” و “حراس الدين” بسبب خلافهما على أبراج الكهرباء في جسر الشغور، توقعت المصادر السابقة أن تلعب جماعة “أنصار التوحيد” دور ضابط الارتباط بين الهيئة من جهة وغرفة عمليات “وحرّض المؤمنين” من جهة ثانية بهدف تنسيق العمل والقتال للتصدي لتقدم الجيش السوري في حال حصوله.
والمفارقة أن هذه التطورات الساخنة التي تنذر بحرب وشيكة على جبهة إدلب، جاءت وسط تطورات متشابكة كان بعضها يشي بوضوح أن التفاهمات الروسية – التركية في شرق الفرات وبالأخص حول الطريق الدولي M4 يمكن أن ينتقل مفعولها إلى منطقة إدلب لإيجاد حل تسووي لمقطع الطريق الدولي الذي يمر في تلك المحافظة. بل أكثر من ذلك قيل أن أنقرة راغبة أيضاً في استنساخ الاتفاق ليشمل المنطقة الواقعة بين عين العرب ومنبج. وبناء على ذلك فقد مرّ اجتماع آستانا الرابع عشر بهدوء ومن دون بروز أية خلافات جوهرية بين الدول الضامنة (روسيا إيران وتركيا).
انتقل مجرى الأحداث من “الاتفاق على التهدئة في إدلب” في اجتماع آستانا إلى قرع طبول الحرب
ويسود اتجاهان لتفسير هذا الانقلاب في مجرى الأحداث الذي انتقل فجأةً من “الاتفاق على التهدئة في إدلب” في اجتماع آستانا الأخير، إلى قرع طبول الحرب. أحدهما يقول أنه ثمة تفاهماً غير معلن بين أنقرة وموسكو على قيام الجيش السوري بعملية قضم جديدة للأراضي باتجاه توسيع سيطرته في محيط الطريق الدولي M4 بين منطقتي معرة النعمان وسراقب. ويستدل هؤلاء على تصريح تركي لافت قال فيه مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي أنه “لا فرق بين جبهة النصرة وداعش” الأمر الذي اعتُبر بمثابة رفع الغطاء عن “جبهة النصرة” وإعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية جيدة تساهم في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي الذي يشكل الإطار العام للسياسة المُتفق عليها بين أضلاع مثلث آستانا.
وما يعزز هذا الاتجاه أن المصادر المحلية السابقة أكدت لـ 180 أن المقاتلين المدعومين من قبل أنقرة في “الجبهة الوطنية للتحرير” لم يتخذوا أية ردة فعل إزاء التطورات الحاصلة ولم يشاركوا في التحصينات والاستعدادات التي تقوم بها “هيئة تحرير الشام” برغم أن أكثر منطقة من المحتمل دخول الجيش السوري إليها هي مدينة معرة النعمان المحسوبة عليهم والواقعة تحت سيطرتهم.
أما الاتجاه الثاني في تفسير التصعيد في إدلب، فينطلق من حقيقة وجود خلافات فعلية وجسيمة بين تركيا وروسيا، وأن هذه الخلافات استطاعت أن تتغلّب على التفاهمات السابقة وعلى دوافع التهدئة وباتت تهدد بتفجير العلاقة بين الطرفين انطلاقاً من إدلب. ويحيل هؤلاء إلى السجال السياسي الذي حصل في اليومين المنصرمين بين مسؤولي كلٍّ من موسكو وأنقرة وكانت إدلب في صلبه. وبدأت القصة مع اتصالات رفيعة بين مسؤولي الدولتين شملت رئيسي الأركان ولاحقاً الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان تناولت موضوع إدلب وضرورة مواصلة التهدئة فيها.
وأعلنت أنقرة على لسان وزير خارجيتها أنها من خلال هذه الاتصالات تمكنت من وقف العملية العسكرية في إدلب، ليخرج بعد ذلك المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف معبراً عن قلق بلاده بسبب وجود “الإرهابيين” في محافظة إدلب، وشدّد على أن هؤلاء يُشكّلون تهديداً للجيش السوري والعسكريين الروس، وتوقّع “تحرير إدلب منهم قريباً”.
وعلى وقع هذه التصريحات كان الجيش السوري يستكمل تعزيزاته في محيط إدلب ولا سيما في بلدتي خان شيخون في الجنوب وسنجار في الشرق.
وما هي إلا ساعات حتى خرج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وعاد إلى الأسطوانة المشروخة حول عدم قيام موسكو وواشنطن بتنفيذ الاتفاقات في شرق الفرات، مهدداً بوضوح بالتحرك عسكرياً في منطقة منبج التي لم ينسحب المقاتلون الأكراد منها على حد قوله.
ومن غير المستبعد أن يكون السبب الفعلي وراء التصعيد الأخير في إدلب مدمجاً من كلا العنصرين: تفاهمات روسية – تركية ضمن إطار اتفاق سوتشي بخصوص منطقة خفض التصعيد، والعنصر الثاني هو خلافات الطرفين حول ملفات أخرى لا تتعلق بالقضية السورية وإنما بدول ومصالح أخرى وعلى رأسها التطورات في ليبيا التي شهدت بروز تضارب واسع في المصالح بين أنقرة وموسكو ولا سيما بعد إعلان المشير خليفة حفتر المدعوم روسياً ساعة الصفر للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس التي تعتبر معقل حكومة الوفاق والفصائل المسلحة المدعومة من قبل أنقرة. كما أن عدم رضا موسكو عن تنظيم أنقرة لعقد قمة رباعية مع كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا لدراسة موضوع إدلب واستبعاد روسيا عنها، قد يكون لعب دوراً في دفع الأخيرة نحو إرسال إنذار نهائي إلى أنقرة قبل شن حملة عسكرية في المنطقة.
صندوق البريد الإدلبي استُنفد ولذلك لا بد من الانتقال إلى الضغط بالنيران
وبالتالي فإن جزءاً من الاستعدادات للمعركة القادمة، التي من المتوقع أن يكون هدفها تحرير مدينة معرة النعمان، يأتي منسجماً مع تفاهمات الطرفين حول ضرورة فتح الطريقين الدوليين. لكنّ تصاعد الخلافات بينهما حول ليبيا وبعض تفاصيل منطقة شرق الفرات قد يكون أسهم في حرف هذه الاستعدادات لجعلها منصة لممارسة ضغوط على أنقرة من أجل تقديم تنازلات، الأمر الذي ردّت عليه الأخيرة من خلال تهديدها بفتح جبهة منبج والانقلاب على تفاهمات شرق الفرات.
التصعيد في إدلب هو سيد الموقف. وكل المعطيات تدلّ على أن دور صندوق البريد قد استُنفد ولم يعد قادراً على احتواء التطورات واستيعابها، لذلك لا بد من الانتقال إلى الضغط بالنيران. الجبهات جاهزة والأصابع على الزناد تنتظر شارة البدء لإطلاق الرصاصة الأولى. والسؤال لم يعد هل تنطلق هذه الرصاصة، بل متى ستنطلق؟