حكومة لبنان خارج الإشتباك الإقليمي.. وعبد المهدي عَلِمَ بالغارة الأميركية قبل حدوثها

مناورات عسكرية روسية صينية إيرانية غير مسبوقة في مياه المحيط الهندي. المفاوضات الحوثية السعودية في عُمان تُجمّد ولا تتوقف نهائياً. حسن روحاني يعود من رحلته اليابانية الأخيرة خالي الوفاض. فوضى سياسية غير مسبوقة في العراق منذ العام 2003. ضربة عسكرية أميركية لحزب الله العراقي في نقطة إستراتيجية حدودية بين سوريا والعراق. معركة إدلب تستعر على نار القضم التدريجي. كل المراكز والمعاهد الإستخبارية والأكاديمية الإسرائيلية تتحدث عن "الحرب المقبلة" على الجبهة الشمالية في سياق إستشرافها لمسارات 2020. هل يمكن أن ينجو لبنان بحكومة جديدة؟

نظرياً، كان توقيت الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر مثالياً حتى يقدم رئيس الحكومة اللبنانية المكلف حسان دياب حكومته إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، لكن عاصفة، مستجدة ومحسوبة، حالت دون إبحار الكابينة الحكومية من تلة الخياط إلى بعبدا.

نظرياً، ظروف التكليف، محلياً، تسري على التأليف. لذلك، يمكن القول إن الحكومة ستولد حتماً، إلا إذا كانت هناك إرادة خارجية مغايرة أو حسابات محلية مستجدة أو مخالفة لمسار التكليف الذي لم يمض على إنطلاقه سوى عشرة أيام.

نظرياً، شكّل حزب الله قوة الدفع الرئيسية للتكليف، بعدما قرر سعد الحريري أن يخرج نفسه من فرصة حكومية قابلة للتعويض، لكن بكل الأحوال، لا عودة إلى الوراء، ولا بد من التأليف، اليوم قبل الغد.

إذاً لماذا تأخرت الحكومة وما علاقتها بتطورات المنطقة؟

أولاً، لم ينجح الرئيس الإيراني حسن روحاني في إحداث خرق دبلوماسي في الجدار الأميركي، بما في ذلك عبر القنوات اليابانية والعُمانية والأوروبية، وعلى الأرجح، لن تتجدد محاولاته، في ظل السقوف أو الخطوط الحمراء التي رسمتها المرجعية (السيد علي خامنئي) وإقتراب موعد الإنتخابات التشريعية في شباط/فبراير، والتي ستفرز مجلساً نيابياً قد يكون الأكثر تشدداً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإذا دلّ على شيء إنما على هوية “أحمدي نجاد الإيراني” الجديد الذي ستفرزه الإنتخابات الرئاسية المقبلة، فيصبح الملف النووي وغيره من ملفات السياسة الخارجية حصراً بيد فريق المحافظين المتشددين.

ثانياً، لم يتوصل الحوثيون والسعوديون إلى إتفاق نهائي، بعد مفاوضات ماراتونية، على مدى أشهر طويلة في سلطنة عمان، وتخللتها جولات مكوكية بين صنعاء والرياض، لكن الطرفين مقتنعان بأن الحرب ستنتهي في العام 2020. ميزة هذه المفاوضات أنها كانت تجري على وقع حوار خجول جداً، حتى الآن، بين الرياض وطهران، بوساطة أوروبية. حوار يبدو ضرورياً للطرفين، ولكن نقطة ضعفه أنه ينتظر ضوءاً أخضر أميركياً للسعوديين، ما زالا مؤجلاً حتى الآن، في إنتظار نتائج مفاوضات من نوع آخر، وبشكل غير مباشر، بين الإيرانيين والأميركيين.

ثالثاً، لقد وجد العراقيون أنفسهم أمام فراغ سياسي وأزمة غير مسبوقة منذ العام 2003. ستة عشر عاماً من الفشل في ادارة الدولة والفساد. رصيدٌ تحصده إيران بسبب إفتقادها إلى “ثنائي شيعي عراقي”، على الطريقة اللبنانية، من جهة، وعدم صوابية الكثير من مقاربات طهران العراقية، من جهة ثانية. واقعٌ مرٌ أفضى إلى حراك شكلت البيئة الشعبية الحاضنة لحلفاء طهران (وأيضا مدنه ودساكره) مادته الخصبة وأصاب بتداعياته كل البنيان السياسي الذي عمل الإيرانيون على تدعيمه سنة بعد سنة. سقط عادل عبد المهدي وتعذر وصول كل مرشحي “تحالف البناء” حليف طهران، ولن يكون بمقدور هذا الفريق، مدعوماً من الإيرانيين، إلا إختيار “حسان دياب عراقي” مقبول من مقتدى الصدر (وضمناً المرجعية)، وإلا، فإن الأمور ستتدحرج سياسياً إلى مطارح غير محسوبة، ولن يكون مفاجئاً أن يفوز الأميركيون بالمزيد من النقاط، فيما يحصي الإيرانيون الخسائر، يوماً بعد يوما وشهراً تلو آخر..

ما أن سقطت بضعة قذائف مجهولة المصدر يوم الجمعة الماضي على قاعدة عسكرية أميركية في كركوك وقتل مدني أميركي متعاقد، حتى إتخذ الأميركيون قرارهم بالرد وأبلغوا عادل عبد المهدي قبل نصف ساعة من الغارة أنه سيكون هناك رد عسكري أميركي خلال ثلاثين دقيقة من الآن

رابعاً، لم يكن إستهداف قواعد ومقرات حزب الله العراقي  قرب معبر القائم عند الحدود مع سوريا، لأسباب عراقية بقدر ما هو مرتبط بمشهد إقليمي أكبر.

غداة تعرض قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر لهجوم صاروخي (بعد عدة أيام من زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لقوات بلاده هناك)، نفذ الأميركيون إنزالاً في منطقة “ناحية البغدادي” بقضاء هيت غربي الأنبار وألقوا القبض على أحد قياديي “حشد الأنبار” نصير العبيدي. لاحقاً سربوا إلى وكالات الأنباء العالمية أن العبيدي متورط في عملية عين الأسد وأنه سلم إحداثيات وأسماء وحدد هوية الجهة المسؤولة. كل هذه المعطيات تبلغها عادل عبد المهدي ورئيس جهاز المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي. وما أن سقطت بضعة قذائف مجهولة المصدر يوم الجمعة الماضي على قاعدة عسكرية أميركية في كركوك وقتل مدني أميركي متعاقد، حتى إتخذ الأميركيون قرارهم بالرد وأبلغوا عادل عبد المهدي قبل نصف ساعة من الغارة أنه سيكون هناك رد عسكري أميركي خلال ثلاثين دقيقة من الآن، ولم يحددوا الموقع المستهدف قرب معبر القائم.

خامساً، توعد العراقيون بالرد على المجزرة الأميركية التي أدت إلى سقوط أكثر من مئة مقاتل بين قتيل وجريح، وبدا الإلتفاف الوطني العراقي (سياسياً وشعبياً) جلياً، غير أن التدقيق بالصورة يشي بأن طهران “ليست حالياً بوارد أخذ المنطقة إلى أية مواجهة كبرى. وأي رد سيكون موضعياً وكفيلا بعدم التدحرج”. هي لعبة عض أصابع يتقن الأميركيون والإيرانيون تبادلها، لا سيما وأن عبد المهدي “إستعجل”، من منظور الأميركيين، بإعطاء الضوء الأخضر، لإعادة “تدشين” خط طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت، ولعله دفع ثمن هذا الخيار. في كل الأحوال، ما يسري على البيت الشيعي سياسيا، ينطبق على الميدان أيضا. “المطلوب حسن نصرالله عراقي يقيس أمور ميدان الأمن والسياسة بميزان من ذهب وليس بميزان من الإرتجال”، يقول أحد الضليعين بالملف العراقي، مثلما يجب أن يستفيد الأميركيون من دروسهم السابقة في عراق ما بعد 2003 وقبله دروس الثمانينيات في لبنان.

إقرأ على موقع 180  باسيل "يحتمي" ببايدن ونصرالله.. كيف يحصُد الحريري؟

سادساً، حتى الآن، يبقى حزب الله متمسكاً بحسان دياب. أعطي الرجل من التسهيلات ما لا يحلم بها كل طامح لرئاسة الحكومة. قضي الأمر مع “الثنائي الشيعي”. ثمة إشكالية جزئية يمكن تجاوزها بسهولة. إذا تم تثبيت مبدأ عدم توزير أي من وزراء الحكومة الحريرية. تسحب حركة أمل إسم وزيرها الثاني حسن اللقيس وتسمي بديلا بقاعياً له (على قاعدة أن الإسم الأول بات محسوماً لمصلحة غازي وزني لوزارة المال). يسري الأمر على حزب الله بأن يسحب ترشيح جميل جبق للصحة، وهو أعطى إشارات في هذا الإتجاه، فهذه المرحلة ليست مرحلة الشروط والمطالب.. ولا مرحلة الأوصاف والتسميات، “لأن المهم وجود  حكومة وأن تبدأ العمل فوراً”، على حد تعبير النائب حسن فضل الله.

المحظور الوحيد أن يأخذ البعض وقته في تقديم بعض الإجابات، ذلك أن موسم التزلج ما زال في بدايته. إذ ذاك، يصبح حسان دياب في دائرة الخطر ويصبح التأليف مشكوكاً به

لا عقدة سنية، كما يروج البعض، حسب مصادر الرئيس المكلف. هناك ثلاثة وزراء سيمثلون العاصمة وصيدا وطرابلس (لم يسم اللقاء التشاوري إسم وزيره الشمالي حتى الآن لأسباب خلافية داخلية). لا عقدة درزية. تبقى المسألة محصورة بالأسماء المسيحية (9 من أصل 18 وزيرا). أعطيت حقيبتان مسيحيتان لكل من تيار المردة والحزب السوري القومي الإجتماعي. التدقيق محصور بحقيبتين من أصل الحقائب المسيحية هما الطاقة والخارجية. إذا أزيلت هذه العقد، يمكن للحكومة أن تولد سريعاً، فالمعادلة واضحة: لا إصلاح مالياً من دون تغير نمط التعامل مع ملف الكهرباء بطريقة مختلفة جذرياً، وهذا هو بيت القصيد.

سابعاً، الأولوية الإقتصادية والمالية والنقدية هي لـ”فرملة” حالة الإنهيار. سلسلة إجراءات مطلوبة بسرعة من مصرف لبنان والمصارف والحكومة، بينها التدقيق، بحسابات من حوّلوا جزءا من ودائعهم أو كلها إلى الخارج، بعد السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، وهذه القضية تورط فيها مصرفيون وسياسيون وسماسرة، برغم تذرع البعض بقانونيتها، وهي مرشحة للتدحرج، وأن تنال الحكومة بموجبها ثقة الناس قبل ثقة النواب، خصوصا وأنها تحظى بتغطية أميركية، فضلا عن إحاطة حزب الله هذا الملف بعناية قيادية إستثنائية وعلى أعلى المستويات.

ثامناً، لا تعديل دراماتيكياً في المشهد الدولي والإقليمي، وما أنتجته لحظة التسهيل الخارجية من معطيات لبنانية، بينها إسم الرئيس المكلف (وكان يمكن لأي إسم آخر أن يفوز بالجائزة الصعبة نفسها). لسان حال الأميركيين والأوروبيين وحتى بعض العرب: العبرة في الـتأليف، وبعدها، يمكن فتح بعض الأبواب التي لم تفتح حتى للحريري نفسه.

يمكن القول مجدداً إن التسهيلات التي رافقت التكليف ما زالت سارية المفعول. المحظور الوحيد أن يأخذ البعض وقته في تقديم بعض الإجابات، ذلك أن موسم التزلج ما زال في بدايته. إذ ذاك، يصبح حسان دياب في دائرة الخطر ويصبح التأليف مشكوكاً به. لننتظر ونرَ.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  إسرائيل بعد عقدين من "رحلة لبنان": تغييرات قسرية في العقيدة والتسلح