إسرائيل والرد الإيراني: تعادل.. لا يبدد المخاطر

Avatar18009/01/2020
أجمع الإعلام الإسرائيلي على إتجاه الأمور في المنطقة إلى التهدئة بعد إنتهاء الجولة الأولى من الفعل ورد الفعل، بين واشنطن وطهران، على خلفية إستهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بصواريخ أميركية في بغداد الأسبوع الماضي.

كتب المراسل السياسي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية جاكي خوري أن زعماء “حماس” وقعوا في معضلة في أعقاب اغتيال قاسم سليماني. فقد جاء الاغتيال في “وقت حساس” بالنسبة إلى الحركة التي تُجري في هذه الأيام اتصالات مع إسرائيل لتطبيق تسوية في غزة، وقال إن الاتصالات التي تجري بين إسرائيل و”حماس” في الأسابيع الأخيرة، بواسطة عناصر من الاستخبارات المصرية، وموفد الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادنوف، “تتضمن تقديم تسهيلات إلى سكان القطاع، والدفع قدماً بمشاريع مدنية. لكن من ناحية عسكرية – استراتيجية، التأثير الإيراني في “حماس” والجهاد الإسلامي هو دراماتيكي – طهران تحوّل أموالاً إلى الأذرع العسكرية في التنظيمين، ومسؤولون كبار كثيرون يقيمون في دمشق وبيروت بحماية الاستخبارات السورية أو حزب الله. لذلك لم تكن مشاركة (إسماعيل) هنية والأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة في جنازة سليماني مفاجئة، لكنها ستختبر بحسب نتائجها – في الأساس من جانب مصر”.

ووفق الصحيفة الإسرائيلية، فإن النظرة المصرية “لا تتطابق بالضرورة مع الرؤية الإسرائيلية، لأن زيارة كهذه لن ينجم عنها رد فعل سلبي تجاه مصر”، كما قالت مصادر في “حماس” للمراسل الإسرائيلي، وشددت على أن “زيارة هنية إلى تركيا وقطر هي أكثر خطورة بالنسبة إلى مصر من زيارته إلى إيران”. وبحسب كلامهم: “لا يوجد أي سبب يدعو مصر إلى عدم ضبط النفس أو التجاهل، ما دامت “حماس” تحافظ على الخط الموضوع، وعلى الاتفاقات مع القاهرة”.

هنية “سيضطر إلى الانتظار وقتاً طويلاً حتى يُسمح له بالعودة إلى القطاع، أو الخروج منه مستقبلاً”

وبحسب مصادر في “حماس”، دخلت الاتصالات من أجل ترسيخ التهدئة بين مصر والحركة في مراحل متقدمة: في السنة الأخيرة دفع الطرفان قدماً بخطوات ذات طابع أمني واستخباراتي، وكذلك اتفقا على العمل في معبر رفح، بما في ذلك دخول بضائع بكميات كبيرة، وهم معنيون بمواصلة القيام بذلك. وبحسب المصادر، زعيم “حماس” في القطاع يحيى السنوار هو الذي يقود المفاوضات من جانب الحركة.

وتقول المصادر: “المعضلة ليست بسيطة، لسبب واحد أساسي، هو أن ‘حماس’ التي تعتبر نفسها حركة مقاومة شعبية، لا تستطيع التخلي عن إيران وحزب الله من الناحية العسكرية الاستراتيجية، لكن من ناحية ثانية، تتحمل ‘حماس’ المسؤولية المدنية عن أكثر من مليوني مواطن، منذ أكثر من عشر سنوات، ومصر هي دعامة أساسية، من دونها لا تستطيع الحركة السيطرة عملياً”، وفي رأيهم، الاتجاه هو نحو “السير بين النقاط والمحافظة على توازن صارم، والدليل على ذلك، أنهم في ‘حماس’ وفي الجهاد الإسلامي عبّروا عن غضبهم، ودانوا الاغتيال – لكن لم يخطر في بال أحد منهم الرد عسكرياً”.

وذكرت “هآرتس” أن مصر لن ترد على زيارة طهران رسمياً، ولن تتخذ فوراً خطوات ملموسة ضد هنية وقيادة “حماس”. وأضافت أن رئيس المكتب السياسي (هنية) “سيضطر إلى الانتظار وقتاً طويلاً حتى يُسمح له بالعودة إلى القطاع، أو الخروج منه مستقبلاً”.

ونقلت “هآرتس” عن “مصدر مصري” قوله: “يوجد هنا مشكلة معقدة: من جهة، هناك المسألة الإعلامية العلنية – زعيم ‘حماس’ يصل إلى طهران، ويمدح سليماني ويهاجم الولايات المتحدة وإسرائيل – ومن جهة ثانية، هناك العمليات على الأرض للمحافظة على التهدئة وعلى التسوية ومنع حدوث انهيار في القطاع بوساطة مصرية ودولية. عملياً، في ‘حماس’ هم معنيون بتسوية في مقابل تسهيلات، وفي مصر يدركون ذلك، ولن يعملوا على كسر هذه الصيغة”.

“هآرتس”: إيران دولة طموحة

وكتب المحلل السياسي في “هآرتس” تسفي برئيل أن كتب التاريخ مليئة بأسماء قادة وزعماء تنظيمات ونشطاء سياسيين، جرى اغتيالهم باسم نظرية “رأس الأفعى”، وفي جزء من الحالات، أدت هذه الاغتيالات إلى تغيير في المسارات التاريخية، مثل مقتل إسحاق رابين، ومقتل أنور السادات، والمهاتما غاندي، وجون كينيدي.

وأضاف أنه بفضل ترامب، “انضم سليماني إلى هذه المجموعة المحترمة. الذاكرة التاريخية المشوشة هذا الأسبوع اعتبرت مقتله كأول محاولة أميركية لقتل زعيم منذ الحرب العالمية الثانية؛ هي نسيت محاولة اغتيال أول رئيس لحكومة الكونغو، باتريس لومومبا في سنة 1960 التي كانت “سنة جيدة” في جهود اغتيال زعماء، أو إسقاط نظام سلفادور أليندي في تشيلي وانتحاره الحتمي. في سنة 1986، بدأت الهجمات الجوية على معمر القذافي، ومحاولة قتل سلوبودان ميلوسوفيتش في سنة 1999، وطبعاً الجهد لقتل صدام حسين في سنة 2003″.

الانزواء (الإسرائيلي) داخل جدران دفاعية خوفاً من “انتقام” إيراني، والتباهي بضخامة “بنك أهداف” ستجري مهاجمته، “لا يمكن أن يحلا محل ضرورة لجم استمرار انهيار الاتفاق النووي الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية

ويضيف برئيل أن اغتيال قاسم سليماني “لن يقلل التهديد من جهة إيران، ولن يغير سياستها الإقليمية. ومهما كانت أهميته في الهرمية السياسية والعسكرية في إيران، فإنه ليس “الدولة”. إيران دولة طموحة، ومن أجل تحقيق طموحاتها فعلت كل ما تفعله دولة عظمى أُخرى مثل روسيا، والصين، والسعودية، والولايات المتحدة، وكانت مهمة سليماني هي الدفع قدماً بالنفوذ الإيراني وتطويره في كل موقع في الشرق الأوسط، وفي آسيا، وأفريقيا وأميركا الجنوبية”، معتبرا أن سليماني “كان مشكلة بالنسبة إلى إيران مثلما كان رصيداً”، وختم أن الانزواء (الإسرائيلي) داخل جدران دفاعية خوفاً من “انتقام” إيراني، والتباهي بضخامة “بنك أهداف” ستجري مهاجمته، “لا يمكن أن يحلا محل ضرورة لجم استمرار انهيار الاتفاق النووي الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية، ولن يزيلا البنية التحتية المعادية، ولن يبددا الخوف الدائم من إيران”.

إقرأ على موقع 180  ما بعد فخري زاده: هل يدفع الغرب إيران لإنتاج قنبلة نووية؟

رسائل ردع إيرانية

واعتبر المحلل العسكري في موقع “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني، رون بن يشاي، أن التهديد الإيراني ضد إسرائيل، بعد الهجوم الصاروخي الإيراني، “غايته ردع إسرائيل من المشاركة في رد أميركي، في حال حدوثه”.

ورجح بن يشاي أن “إطلاق الصواريخ على القاعدتين الأميركيتين ليس نهاية المطاف”، وأشار إلى أن تغريدة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، غايتها التوضيح لواشنطن أن القيادة في طهران تطلب أن يتم النظر إلى مهاجمة القاعدتين كعملية مدروسة وليست فتاكة، لأنها لا تريد التصعيد”… ومعتبرا أن إسرائيل موجودة خارج اللعبة، في هذه الأثناء، “ويمرر الإيرانيون إلينا رسائل ردع وحسب”.

إذا أدى الاغتيال في نهاية الأمر إلى إجلاء القوات الأميركية من العراق، كما يبدو الأمر الآن، فهذه ستكون بشرى إشكالية بالنسبة لإسرائيل

لا تغيير في الإستراتيجية الأميركية في المنطقة

وأشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أنه “توجد لدى القيادة الإسرائيلية، حتى الآن، أسباب كافية للرضى من الخطوة الأميركية. وقد أخرج ترامب من الطريق عدوا عنيدا لإسرائيل وجعل شركاء وأذرع أخرى لإيران، وعلى رأسهم أمين عام حزب الله، يفكرون مرتين قبل أن يخاطروا بتنفيذ خطوات خطيرة، يمكن أن تكلفهم حياتهم أيضا”. لكن هرئيل أضاف أنه “إذا أدى الاغتيال في نهاية الأمر إلى إجلاء القوات الأميركية من العراق، كما يبدو الأمر الآن، فهذه ستكون بشرى إشكالية بالنسبة لإسرائيل”.

وأضاف هرئيل أنه “بانعدام وجود جنود أميركيين في المنطقة، سيتراجع التزام واشنطن بتنفيذ خطوات أخرى ضد الإيرانيين. واستهداف سليماني يمكن أن يجعل القيادة الإيرانية إلى التفكير مجددا في تسريع البرنامج النووي، من أجل ضمان بقائه. وحتى بعد الاغتيال، يصعب القول إن بإمكان إسرائيل أن تكون متأكدة من استعداد الولايات المتحدة للعمل من أجل منع طهران من تحقيق تطلعها هذا، برغم تعهد ترامب بذلك من خلال تغريداته”.

من جانبه، أفاد المراسل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف رام، بأن “اغتيال سليماني لا يشير بالضرورة إلى تغيير اتجاه أميركي في اختيار إستراتيجيتهم في المنطقة، التي تمثلت في السنوات الأخيرة بتقليص قواتهم في الشرق الأوسط والامتناع عن الحرب. لكن البشرى الهامة في التطورات الأخيرة، وبالنسبة لإسرائيل أيضا، هي أن الولايات المتحدة بعملية الاغتيال غير المتوقعة، أعادت لنفسها الردع في المنطقة، بعدما تضرر كثيرا في السنة الأخيرة”. وأضاف أنه “بالنسبة لإسرائيل، فإن التقديرات ما زالت أن احتمال هجوم إيراني ضدنا ضئيل، لكن رغم ذلك ستتم في الفترة القريبة المحافظة على جهوزية عالية وخاصة في سلاح الجو وأجهزة الاستخبارات”. وأشار ليف رام إلى أن إسرائيل حذرة جداً في المرحلة الحالية انطلاقا من إدراكها أن أي عملية في المنطقة، كالتي نفذتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، يمكن أن تكون لها تبعات أخرى. وكتب المحلل العسكري أن التقديرات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أشارت إلى أن “احتمالات شن هجوم إيراني ضد إسرائيل ضئيلة. ومع ذلك سيتم الحفاظ على مستوى جهوزية عالية، ولا سيما في سلاح الجو وأجهزة الاستخبارات”.

مع ترامب.. لا نعرف أبداً

وكتب المحلل في “هآرتس” حيمي شاليف أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي خرجا من المعركة رابحين، “فهناك إجماع واسع على أن الهجوم الصاروخي الإيراني الذي لم يوقع إصابات وفّر لترامب مخرجاً لتفادي مواجهة عسكرية لا يرغب فيها، كما أن إيران أظهرت أنها لا تخاف من النار – ولا تخاف من رئيس أهوج مثل ترامب – وأنها مستعدة لتحطيم كل القواعد قبل أن تفكر في الخضوع”.

وأضاف “سواء أكان الإيرانيون يمتلكون صواريخ دقيقة إلى حد أنهم يستطيعوا أن يكونوا واثقين بأنها لن تصيب أحداً، أم أن إلهة الحظ هي التي حمت الأميركيين، لأنها لم تكن مقتنعة بأن ساعة الحرب قد حانت، فإن رد طهران المدروس سمح لكل الأطراف بالنزول عن الشجرة العالية التي صعدوا إليها”.

وأردف شاليف أن خطاب ترامب “رسم في الأمس نهاية بداية المواجهة الأميركية – الإيرانية المحتدمة، لكن ليس بالضرورة بداية النهاية”. وقال “مع ترامب لا يمكن أبداً أن نعرف. لذلك، حتى بعد التهدئة أمس، فإن الطريق لا تزال طويلة كي نستطيع النوم بهدوء”.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الصحافة العبرية: الحرارة ترتفع مع لبنان.. لكن الحرب لم تقترب