كشفت “واشنطن بوست” عن أنه في اليوم الذي قتل فيه الجيش الايراني الجنرال قاسم سليماني، نفذت القوات الأميركية مهمة سرية أخرى ضد مسؤول عسكري إيراني كبير في اليمن، وفقاً لمسؤولين أميركيين.
الضربة التي استهدفت عبد الرضا شهلائي، الذي تصفه الولايات المتحدة بأنه ممول وقائد رئيسي لـ”الفيلق القدس” في اليمن، لم تؤد إلى وفاته، بحسب ما ذكر أربعة مسؤولين أميركيين على دراية بالأمر.
ولكن هذه العملية غير الناجحة تشي بأن اغتيال قاسم سليماني كان جزءاً من عملية أوسع نطاقاً مما سبق شرحه في واشنطن خلال الأيام الماضية، ويثير تساؤلات حول ما إذا كانت المهمة تهدف إلى شل قيادة الحرس الثوري اكثر منه “منع هجوم وشيك” على الاميركيين.
منذ وقت طويل، ظلت العمليات العسكرية الاميركية في اليمن محاطة بطابع “السرية”، وهو ما ينسحب على محاولة اغتيال شهلائي، التي قال مسؤولون اميركيون إنها ما زالت “سرية للغاية”، ورفض الكثير منهم تقديم تفاصيل بشأنها غير القول بأنها لم تكن ناجحة.
وبحسب ما نقلت “واشنطن بوست”، فإن المسؤولين في البنتاغون وفلوريدا كانوا يراقبون الضربتين، وناقشوا الإعلان عنهما معاً، لو سارت الأمور بشكل جيد.
وقال مسؤول أميركي “لو قتلناه، لكنا سنتفاخر بذلك في الليلة ذاتها”، فيما شدد آخر على أن الهجومين سُمح بتنفيذهما في وقت تقريباً، وأن الولايات المتحدة لم تكشف عن عملية شهلائي، لأنها لم تمضِ وفق الخطة المرسومة، لكنه حرص على الإشارة إلى أن القيادي الإيراني قد يكون مستهدفاً في المستقبل، بالرغم من أن طهران وواشنطن اعربتا عن اهتمامهما بتخفيف حدة الأزمة.
وتنظر إدارة ترامب إلى شهلائي باعتباره خصما قوياً، عرضت وزارة الخارجية الاميركية مكافأة قدرها 15 مليون دولار الشهر الماضي في مقابل معلومات تقود إليه أو تساهم في تعطيل آليات تمويل الحرس الثوري الإيراني للحوثيين.
وجاء في الإعلان الاميركي أن شهلائي يتخذ من اليمن مقراً له ولديه “تاريخ طويل من المشاركة في الهجمات التي تستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها، بما في ذلك مؤامرة ضد السفير السعودي عام 2011” في مطعم إيطالي في واشنطن.
ويزعم المسؤولون الأميركيون أن شهلائي، المولود عام 1957، مرتبط بالهجمات ضد القوات الأميركية في العراق، بما في ذلك عملية كبيرة عام 2007 قام خلالها رجال الميليشيات المدعومين من إيران باختطاف وقتل خمسة جنود أميركيين في مدينة كربلاء.
من غير الواضح لماذا فشلت العملية، فيما رفضت وزارة الخارجية والبيت الأبيض التعليق على الموضوع.
وقالت ريبيكا ريبريتش، المتحدثة باسم البنتاغون، إن وزارة الدفاع لا تناقش “العمليات المزعومة” في الشرق الأوسط، مضيفة “لقد قرأنا تقارير حول غارة جوية في الثاني من كانون الثاني/يناير في اليمن، الذي تحول منذ فترة طويلة، كما بات معلوماً، الى مكان آمن للإرهابيين وخصوم آخرين للولايات المتحدة”.
وبصرف النظر عن التفاصيل الميدانية، فإن أهمية الكشف عن محاولة اغتيال شهلائي تكمن في تناقضها مع التبرير الرسمي الذي صدّرته الادارة الاميركية الى الكونغرس حول عملية اغتيال سليماني، والتي خضعت لتدقيق المشرّعين الاميركيين، الذين وافقوا في مجلس النواب، يوم أمس، على قرار لتقييد سلطة ترامب في توجيه ضربة عسكرية لإيران من دون موافقة الكونجرس.
وكان مسؤولو وزارة الخارجية ووزارة الدفاع أكدوا أن اغتيال سليماني أنقذ “العشرات” إن لم يكن “المئات” من “تهديد وشيك”، وهو ما عاد وأكده ترامب نفسه اليوم، حين قال لشبكة “فوكس نيوز” إن إيران كانت تخطط لاستهداف أربع سفارات اميركية.
لكن الضربة ضد شهلائي يحتمل أن تعقد هذه الحجة.
وبحسب سوزان مالوني، الخبيرة في الشؤون الايرانية في معهد “بروكينغز”، فإن محاولة اغتيال شهلائي تشير إلى “مهمة ذات أفق تخطيطي طويل، وهدف أكبر، وهي تضع محاولة تفسير ما حدث على أساس (التهديد الوشيك) موضع تساؤل”.
وبحسب “واشنطن بوست” فإن اجتماعاً مغلقاً عقده اعضاء في الكونغرس، أمس الأول، مع مسؤولين عسكريين، بينهم وزير الدفاع مارك ايسبر ورئيس هيئة الأركان مارك ميلي، لمناقشة عملية اغتيال سليماني. هذه الجلسة انتهت بمغادرة بعض المشرعين قاعة الاجتماع، وهم يشكون عدم تمكنهم من الحصول على معلومات كافية بشأن ما جرى.
وقال النائب جيرالد كونولي “أعتقد أن هذه الإدارة تحاول بعيداً عن الحقيقة تجميع الأساس المنطقي لعملها الذي كان متهوراً ويعرض أمن هذا البلد للخطر”، فيما وصف السيناتور مايك لي الاجتماع بأنه “ربما كان أسوأ إحاطة، على الأقل في ما يتعلق بقضية عسكرية، رأيتها منذ أن جئت الى هنا قبل تسع سنوات”.
علاوة على ما سبق، فإن محاولة اغتيال شهلائي أتت في وقت تضغط فيه الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للحرب في اليمن.
كذلك، تعكس العملية تحولاً في مهمة البنتاغون في اليمن، بعدما سعت الولايات المتحدة لتجنب التورط المباشر في القتال بين جماعة الحوثيين المدعومين من ايران، والجماعات الاخرى المدعومة من التحالف السعودي.
وفي عام 2018، أوقف الجيش الاميركي برنامجاً قامت فيه الطائرات الأميركية بتزويد الطائرات المقاتلة الخليجية بالوقود وسط انتقادات للخسائر البشرية التي تسببت فيها طلعات جوية تابعة للتحالف السعودي.
ووفقاً لصحيفة “لونغ وور جورنال”، فقد نفذت الولايات المتحدة ثماني ضربات ضد المتشددين المنتمين الى تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” أو الفرع المحلي لتنظيم “داعش” في اليمن في عام 2019، بانخفاض من حوالي 125 غارة في عام 2017، ولكنها لم تقم من قبل بأية هجمات معترف بها علناً على زعماء الحوثيين أو الإيرانيين في اليمن، على الرغم من أن قوات العمليات الخاصة سعت لتعقب الحركات الإيرانية وتعطيل تهريب الأسلحة الإيرانية المزعومة إلى البلاد.