آلية جديدة لإنتخاب رئيس الجمهورية.. هذه فوائدها

ستة أشهر ونيف ولبنان بلا رئيس للجمهورية، لكن لو عدنا إلى تاريخ الإنتخابات الرئاسية اللبنانية حتى نهاية الثمانينيات الماضية، لافترضنا أن هناك موعداً دستورياً مُلزِماً لإنتخاب رئيس الجمهورية. ففي التاريخ نفسه تقريباً، كان يُنتخب معظم رؤساء لبنان من الإستقلال إلى لحظة أزمتنا الوطنية المفتوحة على مصراعيها منذ زلزل 14 شباط/فبراير 2005.

اليوم، عندما يتوجه ممثلو الأمة إلى مجلس النواب لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، ستكون النتيجة، وفق معظم الترجيحات، عدم توقف قطار الفراغ في أي محطة يُمكن أن يلتقي فيها اللبنانيون على رئيس يجمعهم.. وهذا الأمر يطرح إشكاليات دستورية وسياسية، يحاول هذا النص مقاربتها أكاديميًا وسياسيًا.

***

لقد تزامن موسم الإنتخابات الرئاسية في تاريخ الجمهورية اللبنانية في معظم الأحيان مع نشوب أزمات سياسية، رافقها أحيانًا العنف والتدخل الخارجي عسكريًا وسياسيًا، بشكل مباشر وغير مباشر.

يتخوّف اللبنانيون من تكرار الأزمات في المستقبل، ويسعون إلى تفاديها، وتحويل مناسبة الإنتخابات الرئاسية إلى مجال للتعبير عن الإرادة الوطنية الحرة، وفرصة لإنتخاب رئيس يستند إلى دعم داخلي واسع، ويلتزم مصلحة اللبنانيين ويترجم خياراتهم إلى سياسات ملموسة.

ولأنّ لبنان واللبنانيين قد عانوا كثيرًا من التداعيات السلبية الكبرى للشغور الرئاسي الذي حصل بعد فشل مجلس النواب في الأعوام 1988 و2007 و2014 و2022 بإنتخاب رئيس للجمهورية، كنا قد إقترحنا كفريق عمل بحثي في “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية” آلية جديدة لإنتخاب الرئيس تضمن إلى حدّ بعيد، عدم الوقوع في فراغ رئاسي مرة اخرى، وتحدّ من التفسيرات المتناقضة للنصوص ولآلية انتخاب الرئيس في الدستور الحالي (المادة 49) خاصة في ما يتعلق منها بالنصاب القانوني لجلسة الإنتخاب، وتخفف تاليًا من النفوذ غير اللبناني في عملية إنتخاب الرئيس.

هذه الآلية الجديدة تأخذ بالإعتبار الصيغة اللبنانية القائمة على “فدرالية” الطوائف وتحافظ في الوقت نفسه على حرية اللبنانيين في اختيار رئيسهم، فماذا تتضمن؟

  • تبدأ عملية الانتخاب من اليوم الأول ضمن مهلة زمنية مداها مائة يوم تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهورية.
  • يدعو رئيس مجلس النواب أعضاء المجلس، إلى دورة خاصة مدتها ثلاثون يومًا، لإنتخاب الرئيس الجديد، فتنعقد جلسات المجلس بمعدل جلستين في الاسبوع كحد ادنى، على ان يكون النصاب القانوني في كل جلسة محكومًا بثلثي العدد الأصلي لأعضاء المجلس النيابي (86 من أصل 128).
  • يفوز برئاسة الجمهورية المرشح الذي ينال ثلثي أصوات النواب وما فوق، أي أصوات 86 نائبًا من العدد الأصلي (القانوني) لنواب المجلس والبالغ حاليًا 128 نائبًا.
  • في حال فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفقًا للآلية والمهلة المحددتين أعلاه، يُعتبر هذا الفشل سببًا دستوريًا ليقوم مجلس الوزراء، وبواسطة وزير الداخلية، بدعوة الناخبين في كلّ الأراضي اللبنانية إلى انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع الشعبيّ غير المباشر، وذلك يوم الأحد الذي يلي فترة الثلاثين يومًا لإنتهاء المهلة المحددة للمجلس لإنتخاب الرئيس.
  • يجري الإنتخاب بموجب لوائح الشطب في كلّ الدوائر الإنتخابية على أن تُحضّر اللوائح بصورتها النهائية في مطلع مهلة المائة يوم المحدّدة لإنتخاب الرئيس.
  • ينحصر التنافس في الإنتخابات الرئاسية بالمرشحَين اللذين نالا أعلى عدد من الأصوات النيابية في جلسة يعقدها مجلس النواب خصيصًا لإختيارهما، في الأيام الخمسة التي تلي إنتهاء المهلة المحددة للمجلس لانتخاب الرئيس، ويكون النصاب القانوني في هذه الجلسة مستندًا إلى أكثرية عادية، أي النصف زائدًا واحدًا. وفي حال تعادل الأصوات بين مرشحين، يعتبر الأكبر سنًا مؤهلاً.
  • يعتمد قانون الإنتخابات النيابية الساري المفعول في الإنتخابات الرئاسية غير المباشرة لجهة تحديد الدوائر الإنتخابية وعدد النواب في كل دائرة.
  • لكلّ دائرة عدد من “الأصوات الإنتخابية” مماثل لعدد المقاعد النيابية فيها. يفوز بالأصوات الإنتخابية في كل دائرة المرشح الذي ينال الأكثرية الشعبية العادية فيها. على سبيل المثال لا الحصر، يتمثل قضاء زحلة في المجلس النيابي، حسب قانون الإنتخابات الحالي، بسبعة نواب وبالتالي يكون لهذه الدائرة سبعة “أصوات إنتخابية”. الفائز بغالبية عادية (النصف زائدًا واحدًا) من المقترعين يحصل على كل الأصوات السبعة في دائرة زحلة.
  • يفوز في الإنتخابات الشعبية غير المباشرة لرئاسة الجمهورية المرشح الذي ينال أكثرية 65 صوتًا وما فوق من أصل 128 صوتًا تمثّل مجموع أصوات الدوائر الإنتخابية في كل لبنان، والتي يتنافس عليها المرشحان الرئاسيان. وفي حال تعادل الأصوات يفوز المرشّح الأكبر سنًا برئاسة الجمهورية.
  • تعلن الهيئة المشرفة على الإنتخابات النتيجة الرسمية (وزير الداخلية حسب القانون الحالي) ويقوم الرئيس الجديد بأداء القسم الدستوري أمام مجلس النواب، في جلسة تُعقد في اليوم الأخير من الولاية الرئاسية المنقضية.
  • يحقّ لأي من المرشحين التقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري بنتائج أيّ من الدوائر الإنتخابية، على أن يتم ذلك خلال عشرة أيام من تاريخ إنتهاء العملية الإنتخابية.
  • للمجلس الدستوري مدة عشرة أيام على الأكثر للبتّ في الطعون، وإلاّ اعتبرت النتيجة نافذة.

ما هي الفوائد المرتجاة من الآلية الجديدة؟

إنّ إعتماد الآلية الجديدة لإنتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب بأكثرية الثلثين أو من خلال الإقتراع الشعبي غير المباشر يحقق الفوائد والمزايا الآتية:

إقرأ على موقع 180  تخوف أوروبي من شهرين لبنانيين حافلين أمنياً  

أولًا؛ نتائج انتخاب الرئيس في مجلس النواب:

  • تعزيز الوحدة الوطنية وتفادي إشكالية أن يؤدّي إنتخاب الرئيس بأكثرية بسيطة (النصف زائدًا واحدًا مثلاً) إلى إضعاف القاعدة النيابية والسياسية التي يستند إليها الرئيس الجديد.
  • الإنسجام مع روحية الميثاق والدستور بحيث يشكّل إنتخاب رئيس جديد بأكثرية نيابية صريحة ضمانة أكبر لإحترام دور الرئاسة في السهر على الدستور والحفاظ على إستقلال لبنان وسلامة أراضيه، وتفعيل صلاحية السلطات الدستورية والمؤسسات والإدارات الرسمية التي تنتظم في إطارها بنية الدولة ونظامها السياسي.
  • تعزيز الإستقرار السياسي المستند إلى أكثرية برلمانية واضحة ومن ثم تسهيل تشكيل الحكومات والمساهمة في تحويل الحكومات من إدارات تصريف أعمال إلى مجالس وزارية تعد لمستقبل لبنان وتضع وتنفذ إستراتيجيات اصلاحية ونهوضية بعيدة المدى.

ثانيًا؛ إنتخاب الرئيس بالإقتراع الشعبي غير المباشر:

  • تشكيل آلية حاسمة لإنتخاب رئيس الجمهورية وتفادي حالات الفراغ والشلل وتعطّل المؤسسات التي تؤدي إلى الفوضى الشاملة.
  • تحمّل الشعب اللبناني مسؤولياته عن إنتخاب رئيس البلاد وتوسيع القاعدة الديموقراطيّة لهذه العملية، وصولاً إلى رؤية شعبية واعية للدولة والوطن، شاملة لكل أنحاء لبنان.
  • تحقيق دعم شعبي ومعنويّ، ذي بعدٍ سياسيّ، لدور الرئيس بصفته الدستورية، كرأس للدولة ورمز لوحدتها، بالتوازي مع التمسك بالنظام البرلماني والحفاظ عليه.
  • تشكيل ضمانة لعدم طغيان أكثرية عددية طائفية أو مذهبية أو حزبية أو مناطقية على سائر اللبنانيين لو انتخب الرئيس بالإقتراع الشعبي المباشر وبالأكثرية البسيطة. لذلك تسهم صيغة الإنتخاب الشعبي غير المباشر من خلال الوزن الإنتخابي لكل دائرة، في توسيع هامش الإختيار الديموقراطي للرئيس وفي الوقت عينه تعبّر عن الخيارات الحقيقية للشعب اللبناني.
  • التخفيف من التسويات السياسية والشخصية التي غالبًا ما تحصل في مجلس النواب بين الكتل البرلمانية والحزبية والشخصيات النيابية.

ثالثًا؛ المؤثرات الخارجية في الإنتخابات الرئاسية:

  • تشكيل حماية للبنان من مفاعيل المؤثرات السياسية الخارجية، وحماية المرشحين الرئاسييّن من نفوذ القوى الخارجية، إقليمية أو دولية، ما يعني مزيدًا من استقلاليّة المرشحين، وتجنبهم غواية التبعية لمشيئة خارجية.
  • تعزيز حظوظ المرشحين لرئاسة الجمهورية الذين ينتهجون سياسة مرنة ومتوازنة على المستوى الداخلي، ويتحلّون بمواقف جريئة وحكيمة على صعيد السياسة الخارجيّة تعبّر عن الحرص على دور لبنان ومصالحه العليا في خضمّ التجاذبات بين المشاريع والمحاور السياسيّة، وتأمين الحماية للسيادة اللبنانية، على أعلى مستوى مستطاع، في مواجهة سطوة الدول المؤثرة منحازة بداهة الى مصالحها الخاصّة.
  • تمتع الرئيس المنتخب وفقًا للآلية المقترحة، بحريّة الخيارات السياسيّة التي تزيد من مناعته، ومساعدته بالتوافق مع الحكومة والمجلس النيابي، على صياغة السياسات الإستراتيجيّة التي تخدم المصالح الوطنية الكبرى، بمعزل عن المحاور الخارجية، قريبها وبعيدها.
  • دفع الخارج إلى إحترام السيادة اللبنانية ممثلة بالسلطات الدستورية وبالقوى السياسيّة كإطار ناظم للمشيئة الديموقراطية، نظرًا لحال الطمأنة الداخلية والخارجية التي يشكلها توافق الدولة اللبنانية على مستوى الرئاسة والسلطات الدستورية الأخرى على رسم السياسات الإستراتيجية وبالتالي الحد من تحول لبنان إلى قاعدة تستعملها القوى الدولية والإقليمية في تنافسها، الأمر الذي يحدّ من دوافع تدخّلها في الشؤون اللبنانية.
  • إنّ الإيجابيات اللبنانية الداخلية لجهة تعزيز استقلالية القرار اللبناني في انتخاب رئيس الجمهورية وتأكيد الحرية والسيادة، لا تعني خروج لبنان عن إنتمائه العربي، ولا عن كونه جزءًا من الصراع العربي – الاسرائيلي، مؤتمنًا كما سائر الدول العربية، على الحقّ العربي عامةً، ولا تعني تصادم لبنان مع النظام الدولي، ولا تلغي حقّه في أن يكون له رأيه في استقامة هذا النظام الذي كان للبنان فيه دوره التأسيسي.
Print Friendly, PDF & Email
عبد الله بو حبيب

وزير خارجية لبنان

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الدين يتحرر من الرأسمالية.. بانتصاره للإنسان