فخامة الرئيس.. أهكذا يكون “اليوم التاريخي”؟
سياسه - مقابله مع الوزير جبران باسيل ( مصطفى جمال الدين

أطل الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، أمس، في صورة مغايرة نسبياً عن إطلالاته الأخيرة على اللبنانيين، غداة إنتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر. الرجل تحدث بنبرة عالية. كانت وقفتة مستقيمة، لكأنه استعاد شيئا من شبابه وحيويته، التي لطالما اتسمت بها خطاباته "الثورية" قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية. صورةٌ أرادها كذلك، حتى تنسجم مع خطابٍ سعى إلى إعطائه سمة "التاريخيّ".

أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أن حفر أول بئر نفط في لبنان هو “يوم تاريخي”. لماذا؟ لأنه “اليوم الذي دخل فيه وطننا رسمياً نادي الدول النفطية”. وقال إن هذا الحدث “سيشكّل الحجر الأساس للصعود من الهاوية، ومحطةً جذريةً لتحوّل اقتصادنا من اقتصادٍ ريعي نفعي الى اقتصاد منتج”، وعرّج عون، بطبيعة الحال، على دور وزراء تكتل التغيير، ليخص بالذكر جبران باسيل وزيره السابق في وزارة الطاقة، ويختم بتأكيد أن “ثرواتنا النفطية والغازية هي لجميع اللبنانيين من دون مواربة. وعائداتها ثروة سيادية لا تفريط بها ولا طريق فساد إليها، ولا هيمنة لفريق عليها ولا وضع يد لأحدهم عليها”…

كلام جميل جدا فخامة الرئيس، ولكن:

أولاً، الحفر سينطلق بداية من جنوب البلوك رقم 4، وتحديدا قبالة منطقة الصفرا في قضاء كسروان، ولذلك، يصح القول أننا أمام “البلوك القوي”، على طريقة “الرئيس القوي” و”لبنان القوي” و”الوزير القوي” إلخ..

ثانياً، على مدى شهرين تقريباً، سيتم حفر بئر واحدة لأخذ عيّنات من الصخور والأتربة في باطن البحر، ليصار إلى تحليلها لتبيان نسبة الهيدروكربون الموجودة في التربة الرملية أو الصخرية، وإذا كانت بكميات عالية فتكون النتائج ذات جدوى، وإذا كانت سلبية، يكون لزاما على الشركة (توتال) حفر بئر إستكشافية ثانية في البلوك نفسه، أو الإنتقال إلى البلوك رقم 9.

ثالثاً، إذا تم الحصول على نتائج إيجابية في البلوكين 9 و10 حيث ستكون بداية رحلة الحفر الاستكشافي في المنطقة الإقتصادية اللبنانية الخالصة، تستلزم عملية التنقيب “من 7 إلى 10 سنوات على الأقل ليصبح لدى لبنان عائدات نفطية أو إنتاج تجاري”، على حد تعبير أحد الخبراء النفطيين (آخرون يتوقعون من أربع إلى خمس سنوات).

رابعا، هو وقت كاف لأن نستغرق في الهاوية الاقتصادية والأخطر في التبعية لجهات خارجية، طالما أننا وضعنا بلدنا، على سكة صندوق النقد الدولي.

خامساً، الكل يعلم أن الفساد الذي يزنّر الواقع اللبناني، سينسحب ـ إذا لم يكن قد إنسحب ـ على الغاز والبترول في لبنان، وبالتالي، نحن أمام معادلة نأمل ألا تجعل ثروتنا النفطية نقمة أكثر مما هي نعمة، كما أصابت الكثير من البلدان في أميركا اللاتينية وأفريقيا.

سادساً، ثمة معلومات تتعلق بملف النفط والغاز، ولطالما أشار الخبير اللبناني الدكتور نقولا سركيس، إلى هذه النقطة، سواء كتابة أو خطابة، إن جاز التعبير، إلا أن هذه المعلومات بقيت طي الأدراج، الأمر الذي بدا معه أن هناك من يريد وضع مسافة بين هذا القطاع وبين الرأي العام اللبناني الذي لا يزال يقابل مسألة استخراج النفط والغاز بشىء من اللامبالاة، وكأنه غير مقتنع بأنها يمكن أن تتم فعلاً.

سابعاً، أما وأن الحفر بات “انجازا تاريخيا”، فلا بد من إعتماد الشفافية وإطلاع المواطنين عن كثب على خبايا الملف النفطي، حتى تكون القدرة أكبر على المساءلة والمحاسبة. أما أن يستمر التعامل مع الملف بصفته “حصرياً”، فإنه سيجعل الشعب اللبناني ينزل إلى الشوارع في المستقبل من أجل المطالبة بإصلاح القطاع النفطي والغازي، خصوصا وأنها المرة الأولى التي يدخل فيها لبنان في مشروع إقتصادي كبير بهذا الحجم بعد حراك تشرين الأول/أكتوبر، الذي كان أحد ابرز عناوينه محاربة الفساد (نموذج الحملة على وزير الزراعة في الأيام الماضية، بالسياسة والإعلام، لأنه تحدث في أمر ليس من ضمن إختصاصه، لا يبشر بالخير، بمعزل عن تقييمي لأداء الوزير المذكور).

هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، لم تتحول حتى الآن إلى هيئة ناظمة للقطاع، بل مجرد أداة بيد وزارة الطاقة، فتقدم الولاء لكل وزير وتأتمر بأوامره في الشاردة والواردة، وهو أمر أدركه بعض من يطالب بهيئات ناظمة للكهرباء والإتصالات والطيران، إذ أنه إشترط أن لا يتكرر نموذج هيئة إدارة قطاع البترول، بصلاحياتها ورواتبها ونموذج إدارتها

ثامناً، أُقر القانون المتعلق باستثمار المواد البترولية عام 2010، وهو قانون يشتمل على عدة مبادئ طبقت في أكثر من سبعين دولة حول العالم. إحدى أهم المبادى التي يقوم عليها القانون هو ما يعرف بـ”نظام تقاسم الانتاج”، الذي يتيح لأي بلد لم يكتشف البترول لكن يأمل بوجوده، أو اي بلد لا يمتلك الخبرات والأساليب اللازمة للقيام بالمتعلقة باستخراج البترول، أن يتعاون مع شركات أجنبية كبيرة لديها الخبرات اللازمة. وينص هذا النظام أنه في حال لم تعثر الشركات على البترول، فإن الدولة لا تتحمل اي مسؤولية متعلقة بالانفاق. أما في حال وجد البترول، تدخل الدولة كشريك مع هذه الشركات بنسبة مشاركة معينة، هي في العادة بحدود  الـ40٪. في هذه الحالة، تتحمل الدولة نصيبها من نفقات التنقيب، وتتحمل الشركات الاجنبية حصة الشريك الوطني، إلى أن يتمكن هذا الشريك من دفع حصته للشريك الأجنبي، وهذه النقطة لطالما ركز عليها الخبير نقولا سركيس. لكن هذا القانون زُوّر في ليلة ظلماء، بمرسوم رقمه 43 في أول جلسة عقدتها حكومة سعد الحريري في العام 2017، وكان أول بند أُقر في هذه الجلسة المصادقة على هذا المرسوم الذي رفضته حكومة تمام سلام قبل ذلك، معتبرة أنه يتناقض والقانون الأساسي، أي أنه نسف ما أقر في القانون الأصلي. وهو مرسوم يتعلق بنموذج الاتفاقات المفترض أن يقوم بها لبنان مع الشركات الأجنبية.

إقرأ على موقع 180  عقوبات أميركا و"ثقب" مرفأ بيروت.. والمصارف!

هنا يصبح السؤال: من الذي وضع مشروع المرسوم؟ إنها هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، التي لم تتحول حتى الآن إلى هيئة ناظمة للقطاع، بل مجرد أداة بيد وزارة الطاقة، فتقدم الولاء لكل وزير وتأتمر بأوامره في الشاردة والواردة، وهو أمر أدركه بعض من يطالب بهيئات ناظمة للكهرباء والإتصالات والطيران، إذ أنه إشترط أن لا يتكرر نموذج هيئة إدارة قطاع البترول، بصلاحياتها ورواتبها ونموذج إدارتها (6 أعضاء يتناوب كل واحد منهم سنويا على رئاسة الهيئة، أي مجلس طائفي، بحيث يأتمر كل عضو بالمرجعية السياسية الطائفية التي سمته لهذا المنصب).

تاسعاً، إعتبر رئيس الجمهورية أن لحظة الإستكشاف (وليس الإنتاج) “محطةً جذريةً لتحوّل اقتصادنا من اقتصادٍ ريعي نفعي الى اقتصاد منتج”. لقد سها عن بال فخامته أن إكتشاف الغاز والبترول يمكن أن يجعل إقتصادنا ريعيا أكثر مما هو حالياً، وثمة عشرات التجارب التي تؤكد ذلك، أقربها إلينا إيران التي تقاوم منذ عقود لعدم جعل النفط ركيزة إقتصادها، والسعودية التي طرح ولي عهدها محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030، تصوره لجعل إقتصاد بلده لا يرتكز بالدرجة الأولى على النفط.

عاشراً، كان يمكن لقيام شركة البترول الوطنية، كما هو الحال في العديد من الدول المماثلة أن يجعل النموذج اللبناني أكثر وطنية (شركة يمكن أن تتوسع مهامها ولا تنحصر في انتاج البترول، بل كل ما يتعلق بالاستيراد والتكرير والبتروكيمياء)، وهذا الأمر ينسحب على مرحلة نقل الغاز من باطن البحر إلى المصافي التي تنشأ ومن ثم شركات البتروكيمياء التي تتولى تشغيل اليد العاملة، وهذا الأمر يؤدي إلى إعادة إنعاش الطبقة الوسطى في لبنان.

وعليه، فإن ما تم في لبنان في مجال الغاز والبترول “هو عمل اجرامي”، على حد تعبير الخبير نقولا سركيس، الذي اعتبر ان تصرفات بعض المعنيين بهذا الملف وتحديدا في وزارة الطاقة هي تصرفات حزبية فئوية وليست تصرفات مسؤولين وأهل دولة. ولذلك كان لا بد أن يفتح ملف هذا المرسوم، وملف هيئة ادارة البترول سواء ما يتعلق بكفاءة أعضائها (بإستثناء واحد أو إثنين) أو المبالغ التي يتقاضونها أو حجم الصلاحيات المناطة بهم، ويصار الى الغاء هذا المرسوم والعودة الى القانون الأصلي قبل البدء بأي خطوة تتعلق باستخراج البترول في لبنان!

ولعل المؤسف أن خطاب رئيس الجمهورية جاء بعد ساعات قليلة من خطاب وداعي اتحفتنا به سفيرة الولايات المتحدة في لبنان من بعبدا، وعيّرتنا باليوم الذي نكون فيه قد أصبحنا مواطنين 100% نحصل على الكهرباء 24/24، وجاء الخطاب أيضا بعد تسريب معلومات عن نية المصارف اللبنانية التوقف عن دفع أي قرش بالدولار الأميركي للمودعين، مع نهاية آذار/مارس المقبل، على أبعد تقدير،

ما هكذا تستعاد الثقة بالدولة. ثمة مداخل أخرى. لقد دخلنا في نفق طويل.. ولن يكون الخروج منه سهلا..

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  إيران وإسرائيل.. حروب الأذرع الخفية