الكورونا والفايروسات صناعة بشرية.. في عصر التكنولوجيا!

أمّا وقد انتشر الهلع في كل المعمورة بسبب فايروس الكورونا، فقد نسيَ العالمُ أن الفايروس الذي سبقه أي "نقصان المناعة المُكتسبة" أو "الإيدز" ما يزال يحصد مئات آلاف البشر بعد ان قتل حتى الآن 39  مليون شخص وأصاب 78 مليونا، ففي العام 2018 وحده قتل أكثر من 770 ألف شخص برغم التقدم في سبل معالجته والحد من انتشاره.

بين الكورونا والإيدز، ظهرت فايروسات خطيرة قتلت الكثير من البشر، ولكنها أيضا ساهمت في تحقيق ثروات هائلة لشركات ومصانع الأدوية عبر العالم. وأمام حالات الهلع التي تضرب البشر، ننسى أن نطرح الأسئلة الأهم: لماذا كل هذه الفايروسات في عصر التطور والتكنولوجيا؟ وما سر الانتشار السريع في دول محدّدة (آسيا وافريقيا مثلا) وقلة الانتشار في أخرى؟ ولماذا الآن؟ وماذا عن المستقبل؟ ماذا سيقتلنا بعد؟ ومن سيسبق الآخر: الفايروسات القاتلة أم الاختراعات الطبّية؟

مع ظهور فايروس كورونا في الصين، وتحوله الى ما يُشبه الوباء في مدينة ووهان، ثم تمركزه بعد الصين في إيران وكوريا الجنوبية، قبل أن يتمدد صوب دول أخرى مثل إيطاليا، كثرت التحليلات والأسئلة، فهل نحن أمام فايروس عادي، أم أن خلف هذا الفايروس مؤامرة ما؟

أولاً، لكي تكون الإجابة علمية وموضوعية لا غرائزية، دعونا نعرف الأرقام:

  • في العام 2003 وحده، قتل وباء SRAS نحو 800 شخص من أصل 8 آلاف تعرّضوا له. رقم كلّف العالم خسائر فاقت 50 مليار دولار. وفي العام 2015 قتلت حُمى لها علاقة بالجهاز التنفسي في كوريا الجنوبية 38 شخصا من أصل 200، لكن تكاليفها قاربت 9 مليارات دولار.
  • تشير احصائيات البنك الدولي والأكاديمية الوطنية للطب في الولايات المتحدة الأميركية الى أن العالم يعيش فعلا كارثة وبائية من الناحية الاقتصادية، بمعدل 60 مليار دولار خسائر سنويا، أي أن القرن الحالي قد يُكلّف العالم أكثر من ٦ تريليون دولار بسبب الفايروسات.

 ثانياً، أسباب سرعة إنتشار الفايروسات في عصرنا:

إن ثورة التكنولوجيا والحداثة، سهّلت كثيرا حياة البشر خصوصا لجهة التواصل والتبادل، لكنها لم تجعلنا أكثر أمانا من الناحية الصحية، ذلك أن البشر يستمرون بقتل الطبيعة التي كانت تحمينا دون أن تطلب منّا شيئا. ولعلّ سهولة التبادل أثرت سلبا على صحتنا بقدر ما سهّلت الوصول الى الأدوية. فاذا بنا أمام المخاطر الآتية:

النزوح الكبير من الأرياف الى المدن، بغية تحقيق وسائل حياة أفضل وتأمين متطلبات العائلات الفقيرة، يجعل الاكتظاظ السكاني مخالفا لشروط الطبيعة والحياة وأكثر سهولة في نقل الفايروسات

  • سهولة التواصل والتبادل وشراء البضائع عبر الانترنت والسفر، شرّعت الحدود أمام سرعة انتقال الفايروسات والأوبئة والأمراض.
  • نهب الغابات بغية البحث عن الذهب والمعادن والخشب، أو تحويل الأراضي الحرجية الى أماكن سكنية أو صناعية، رفع حرارة الأرض، وخفضّ الاوكسيجين وترك ثاني أوكسيد الكربون يسرح ويمرح. كما أنه غيّر حياة الحيوانات البرّية التي صارت أكثر احتكاكا بالبشر وأكثر نقلا للأمراض والفايروسات. وتفيد احصائيات دولية مثلا بأن أكثر من 31 في المئة من بعض الأوبئة متعلقة بهذا السبب، خصوصا أن ثمة حيوانات معروفة بنقل الفايروسات بسرعة إلى البشر بمجرد الاحتكاك بينهما.
  • أدى ارتفاع حرارة الأرض بسبب المصانع ونهب الغابات والأراضي الزراعية وزيادة التصحّر، الى تكاثر الحشرات السامة التي تَفيدُ كثيرا من ظاهرة ارتفاع الحرارة، ومنها تلك الناقلة مثلا للملاريا والحمى المختلفة والصفيرة وغيرها.
  • الحروب والاستخدامات غير المُراقبة للأسلحة والمواد الكيماوية وغيرِها، أدت الى تسميم مناطق كثيرة من الدول التي تعاني الحروب، ولا نعرف كثيرا عنها حتى الآن، لكن ثمة من يلاحظ مثلا كثرة أمراض السرطان والتشوهات الخلقية في العقود الأخيرة. ناهيك عن تلوث المياه، وانتشار عدوى الفايروسات والأمراض بسبب انعدام الشروط الصحية خصوصا في البيئات المهاجرة أو النازحة او الفقيرة. وهذا ما يؤدي عادة الى التهابات رئوية وإلى قصور في المناعة والتهابات الجهاز التنفسي ما يتسبب بوفاة ما بين 60 الى 80  في المئة في أوساط المهاجرين.
  • المختبرات الطبية العالمية، التي تلاعبت بالكثير من الجينات الحيوانية والنباتية ـ وعلى الأرجح البشرية ـ وهو ما يؤدي عادة الى ظهور فايروسات وأمراض لم تكن البشرية تعرفها سابقاً.
  • النزوح الكبير من الأرياف الى المدن، بغية تحقيق وسائل حياة أفضل وتأمين متطلبات العائلات الفقيرة، يجعل الاكتظاظ السكاني مخالفا لشروط الطبيعة والحياة وأكثر سهولة في نقل الفايروسات. ففي الصين مثلا هناك مئات ملايين السكان الذين نزحوا من الأرياف الى المدن، والحال نفسه في دول الحروب والكوارث، وهو ما عاشته مثلا سوريا في السنوات التي سبقت ورافقت الحرب السورية.
  • الكيماويات والأسمدة المسرطنة المُستخدمة في دول قليلة أو منعدمة المراقبة. إضافة الى التعديلات الجينية للخضار والفواكه، وتغيير موروثات وعادات الطعام عند البشر. وكذلك الأطعمة والاعلاف المحوّلة والتي أدت الى امراض جنون البقر وغيرها.
  • الفقر وقلة الحماية الطبية في الكثير من الدول، يعزز الإصابة بالأمراض والحمى والفايروسات. ففي بعض الحالات، يؤدي تكرار مرض معين بلا معالجة بسبب الفقر وعدم وجود ضمان صحي، الى نقص المناعة.

إذا كانت معظم الأوبئة والفايروسات قد جاءت من الصين وافريقيا، ألا يستحق ذلك منا التأمل والبحث عن الأسباب؟

ثالثاً: من أين أتت الفايروسات عالمياً:

إقرأ على موقع 180  "الكتاب الذّي تتمنّى لو قرأهُ أبواك".. للمُعالجِة فيليبا بيري

يلاحظ بكثير من الغرابة ان معظم هذه الفايروسات جاءت في العقود القليلة الماضية من آسيا وافريقيا.

  • حين اكتشف فريق الباحثين في معهد باستور الفرنسي الشهير فايروس الايدز للمرة الاولى في العام 1983، تبيّن أن مصدره هو افريقيا.
  • وباء المينانجيت جاء من غرب افريقيا في العام 2009 وقتل أكثر من ألف شخص.
  • الايبولا جاء من ليبيريا وسيراليون وغينيا وقتل اكثر من 700 شخص.
  • حمى Lassa أخذت اسمها من تلك المدينة في نيجيريا الافريقية ثم انتشر في الجوار الافريقي.
  • الحمى الآسيوية H2N2 قتلت أكثر من 4 ملايين شخص، ظهرت في الصين في العام 1957، ثم انتشرت في اليابان، وكذلك قتلت في الولايات المتحدة الاميركية أكثر من 70 ألفا.
  • حمى هونغ كونغ، او فايروس H3N2 ظهر وكما يشير اسمه في تلك المقاطعة الصينية منذ 1968 واجتاح العالم ليقتل ما يقارب المليوني شخص.
  • فايروس SRAS التنفسي الذي اكتُشف في العام 2002جاء من غواندونغ في الصين ثم تمدد صوب تايوان وفيتنام وسنغافورة وكندا.
  • حالياً Covid19 الذي عُرف باسم كورونا لأنه ينتمي الى الفايروسات ذات الرؤوس التي تُشبه التاج، جاء من الصين.
  • حُمى اسبانيا التى اعتبرت الأكثر فتكا بالبشر في تاريخنا الحديث والتي ظهرت وانتشرت بين العامين 1918 و 1919 وقتلت أكثر من 40 مليونا وأصابت مليار شخص، جاءت أيضا من الصين وطافت العالم، وهي عُرفت باسم اسبانيا لأنها كانت الدولة الوحيدة التي لم تفرض حجرا على المصابين بهذا الوباء.

إذا كانت معظم الأوبئة والفايروسات قد جاءت من الصين وافريقيا، ألا يستحق ذلك منا التأمل والبحث عن الأسباب؟ واذا كانت الأوبئة التاريخية جاءت بسبب قلة الأدوية او الفقر او الحروب وغيرها، فلماذا كثرت الفايروسات والأوبئة اليوم ونحن في أوج التطور التكنولوجي؟ الأخطر من هذه الأسئلة، ماذا لو أن بعض الفايروسات قد استُخدمت أو ستُستخدم في حروب الجيلين الخامس والسادس حيث سيتضاءل الاعتماد على البشر والأسلحة التقليدية لمصلحة حروب التكنولوجيا؟

السؤال الأخير منطقي لكن ثمة من يقول ان الفايروسات صعبة الاستخدام، لأنها تعبر الحدود ولا تفرّق بين منتصر ومهزوم.

Print Friendly, PDF & Email
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  القضاء اللبناني والراهبتان.. والإنتفاضة والإعلام