يواجه العراق، اليوم، أزمات عديدة مرشحة للتفاقم، خصوصا في ضوء تعمق الإنقسامات الداخلية وغياب الأداة التنفيذية التي تستطيع مواجهة مهمات طارئة كفيروس كورونا وانخفاض سعر النفط وتدني الايرادات النفطية، مقابل زيادة النفقات، ومطالبات الدائنين الخارجيين المتزايدة بالاستحصال على ديونهم (تجاوزت ديون العراق رقم الـ 130 مليون دولار)، ما دفع ببعض الخبراء إلى التنبيه من أن العراق سيعاني من عجز في تمويل رواتب الموظفين في القطاع العام، والتنبيه أيضاً إلى ضرورة المسارعة في تكليف رئيس جديد للكابينة الوزارية، من أجل التحرك نحو اصلاح اقتصادي ومالي سريع لانقاذ العراق من إنهيار إقتصادي يتهدده “خلال سنة” على حد تعبير هيثم الجبوري رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، علماً أن هذه الأزمة لا تحظى بإهتمام طبقة سياسية، لعلها نهبت بغالبية أطيافها، وبالشراكة مع الإحتلال، مئات مليارات الدولارات في غضون 17 سنة، تلت الغزو الأميركي للعراق.
وبعد قرار “الغياب الطوعي” لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي عن جلسات الحكومة (تصريف الأعمال)، في محاولة منه للضغط على القوى السياسية لايجاد بديل له او للتحذير من استلام الرئيس الكردي موقع رئاسة الحكومة، وفق مواد الدستور العراقي، يبدو أن أسهم مدير المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي ترتفع تدريجياً، يليه السياسي علي شكري أو من يمكن أن تفرزه مشاورات الأروقة المغلقة من إسم تنطبق عليه صفة “شخصية غير جدلية”.
وتقول مصادر عراقية بارزة ان مفاوضات الغرف المغلقة تتجه إلى تسمية مصطفى الكاظمي، الذي كان رئيس التيار الصدري السيد مقتدى الصدر قد ابدى عدم ممانعة لإختياره، برغم الهمس بان الكاظمي مرشح واشنطن أولاً.
وكان لافتاً للإنتباه أن رئيس المجلس الأعلى للامن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني، حرص على أن يتضمن برنامج لقاءاته مع القيادات العراقية في بغداد، في نهاية الأسبوع الماضي، إجتماعا مع مدير المخابرات مصطفى الكاظمي، وذلك في سياق رسالة أراد أن يوجهها الرئيس حسن روحاني إلى قادة العراق “بضرورة الإسراع في تأليف حكومة قوية وقادرة”، وكذلك الرد على كل ما نسب من مواقف لإيران في قضية إغتيال رئيس فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد، بغارة أميركية، مطلع هذه السنة.
والملاحظ أن تسريب خبر لقاء شمخاني ـ الكاظمي تولته مواقع إلكترونية إيرانية!
القائد الجديد لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني لا يتمتع بعلاقة وثيقة مع الفصائل العراقية كسلفه قاسم سليماني
ويدرك حلفاء الحرس الثوري الإيراني في العراق ان ثمة نوايا لدى الفريق الإصلاحي (والمعتدل) في ايران لنقل ملف العراق من الفريق المتشدد، إثر إغتيال الجنرال قاسم سليماني الى فريق روحاني وهذا الأمر ليس جديدا، وانما منذ ما بعد الاتفاق النووي، حيث كان العراق ـ وما يزال ـ محل صراع بين هذين الفريقين الإيرانيين. من جهة، يريد المعتدلون تقديم ورقة لواشنطن، باعتبار ان الأخيرة ستخفف قيودها على طهران، وسيُحسب الامر نجاحاً لهم؛ وفي المقابل، لن يسمح المتشددون، بتمرير ذلك، ويصرون على أن يكون العراق جزءاً من المحور الممتد من طهران إلى بيروت، وكان الراحل سليماني ينتمي إلى المدرسة الأخيرة.
يذكر أن القائد الجديد لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني لا يتمتع بعلاقة وثيقة مع الفصائل العراقية كسلفه قاسم سليماني، وهذا ما يعلمه العراقيون، لذا يشاغبون لقطع الطريق على أية محاولة لنقل الملف العراقي من “الحرس” (فيلق القدس) الى “الامن القومي” (شمخاني).
يذكر أيضاً أن الكاظمي، كان قد قام قبل عشرة أيام، بزيارة بعيدة عن الأضواء، إلى العاصمة اللبنانية، حيث إجتمع مطولا بمسؤول ملف العراق في حزب الله القيادي الشيخ محمد كوثراني الذي قرر الأميركيون مؤخرا وضع إسمه على لائحة العقوبات ـ “اوفاك”. وعلم أن الكاظمي تبلغ من كوثراني أن لا علاقة لحزب الله ـ لبنان، بما كيل من إتهامات للكاظمي بشأن “التورط” في قضية سليماني، وأن الحزب لا يضع أي “فيتو” عليه، علماً أن كتائب حزب الله ـ العراق وضعت على الكاظمي ما يشبه “الفيتو” الذي لا يمكن إزالته إلا بقرار إيراني وتحديدا من المرشد آية الله علي خامنئي.
وكان لافتاً للإنتباه أن الكاظمي إجتمع في بيروت، بعيداً عن الأضواء، بمدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم، الذي نسق معه سابقا في ملفات عديدة في إطار سعي الجهازين اللبناني والعراقي المشترك لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وكانت آخر أبرز المهمات تلك المتعلقة بالقطاع المصرفي اللبناني، وقبلها إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني عماد الخطيب.
وكان يمكن لزيارة المسؤول العراقي أن يكون لها معنى مختلفا لو أنها تُوّجت بإجتماع الكاظمي بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (كلمته أساسية ليس في الملف اللبناني بل في عدد من ملفات المنطقة)، غير أن مصادر عراقية معنية أكدت لموقع 180 أن لا الكاظمي طلب هكذا إجتماع ولا حزب الله رفض، وقالت إنها تقدر الظروف الأمنية لنصرالله، فضلا عن الإجراءات التي تتخذها معظم القيادات السياسية في المنطقة في مواجهة مخاطر تفشي فيروس كورونا.
هل يمكن أن تحمل الأيام المقبلة تطورات حاسمة لجهة تكليف الكاظمي برئاسة الحكومة في العراق، أم أن هناك من ينوي إخراج أرنب ـ إسم جديد من قبعته، على طريقة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري؟