حسين امير عبد اللهيان شخصية نموذجية في المدرسة الدبلوماسية التقليدية في إيران. من مواليد مدينة دامغان في محافظة سمنان إلى الجنوب من بحر قزوين في شمال إيران. شخصية تلتقي فيها شخصيات عديدة: الأكاديمي (أستاذ جامعي)، السياسي (إبن الثورة الإسلامية الخمينية)، الدبلوماسي (مفاوض يتقن فن المناورة والمراوغة بإمتياز)، الحكواتي (يستشهد كثيراً بالأمثلة والحكايات الشعبية على طريقة معظم زملائه من الدبلوماسيين الإيرانيين). يختصر أيضاً شخصية الإيراني الذي يتسلح بالخبث والدهاء والتقية وهي صفات مكتسبة من إندماج عناصر قومية ومذهبية وتاريخية تمتد من حكم داريوس الكبير قبل ميلاد السيد المسيح إلى حكم آية الله علي خامنئي في القرن الحادي والعشرين.
حصّل عبد اللهيان شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران، ويتحدث بطلاقة اللغتين العربية والإنكليزية. في العام 1992، تقلد أول منصب في وزارة الخارجية الإيرانية بصفة “خبير دبلوماسي”، وكان منذ تلك البدايات يُعرف بأنه من الدبلوماسيين المحسوبين على مؤسسة “الحرس الثوري”.
خدم الدبلوماسي الفارع القامة في سفارتي إيران في بغداد (1997ـ 2001) والبحرين (سفيراً من 2007 إلى 2010)، أما باقي المناصب، فكانت في وزراة الخارجية نفسها مسؤولاً عن ملفات الخليج العربي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والعراق، وصولاً إلى تعيينه مساعداً أول لوزير الخارجية للشؤون العربية والأفرييقية منذ أن كان علي أكبر صالحي وزيراً للخارجية وصولاً إلى محمد جواد ظريف الذي قرر عزله من هذا المنصب قبل خمس سنوات، ليستقر عبد اللهيان بعد ذلك في منصب مساعد رئیس البرلمان الإيراني للشؤون الدولیة.
ومنذ لحظة فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية في حزيران/يونيو المنصرم، كان إسم عبد اللهيان يتردد بوصفه أحد أبرز المرشحين لخلافة محمد جواد ظريف في منصب وزير الخارجية، نظراً للثقة التي يحظى بها لدى فريق المحافظين ولا سيما عند الإمام الخامنئي وأيضاً بسبب حساسية هذا الموقع في ضوء المهام الملقاة على عاتقه على أكثر من جبهة دبلوماسية دولية وإقليمية تجعل موقع وزير الخارجية في هذه اللحظة بأهمية موقع رئيس الجمهورية، من دون إغفال حقيقة أن السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية يقررها مرشد الجمهورية وليس أي مؤسسة أخرى.
وحسب موقع “جاده إيران”، فإن عبد اللهيان “هو أول مسؤول إيراني دُعي إلى لندن لإجراء محادثات إقليمية بعد إعادة فتح سفارة لندن في طهران خلال الولاية الأولى للرئيس حسن روحاني، كما أنه التقى وقتذاك وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند (2015). وقد أجرى محادثات إقليمية مفصلة مع الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني وعقد اجتماعات مفصلة مع الأمين العام للأمم المتحدة (السابق) بان كي مون”.
كما أن عبد اللهيان “شخصية معروفة في وزارة الخارجية، وقد عُرف بموقفه الصريح والفاعل على الصعيدين الدولي والإقليمي في أزمات العراق وسوريا والتطورات في غرب آسيا وشمال إفريقيا”.
والجدير ذكره أن إقالته من منصب نائب وزير الخارجية لشؤون البلدان العربية والأفريقية في العام 2016 قوبلت آنذاك بانتقادات من التيار الأصولي طالت بشكل أساسي وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
ويحاول أمير عبد اللهيان في مواقفه السياسية “التماهي بشكل كامل مع تلك التي يعلنها علي خامنئي، كما أنه غالباً ما يعلن دعمه لما يطلق عليه “محور المقاومة” والذي يضم حزب الله في لبنان والحكومة السورية وفصائل عراقية والمقاومة الفلسطينية”، كما أورد موقع “جاده إيران”، مشيراً إلى أن عبد اللهيان “شارك في المفاوضات النووية في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، كما أنه كان مفاوضًا في اللجنة السياسية للمفاوضات الإيرانية الأميركية في بغداد عام 2007”.
وزير الخارجية الإيراني الجديد “يحفظ الملف اللبناني عن ظهر قلب، وبقي محافظاً على علاقاته وصداقاته اللبنانية الكثيرة، وأبرزها مع رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي الذي كان يستقبله كلما كان يزور بيروت، وأغلب الأحيان بعيداً عن العدسات الإعلامية
ماذا عن علاقة عبد اللهيان بلبنان؟
يقول دبلوماسي إيراني سابق عمل مطولاً مع عبد اللهيان لموقع 180 بوست إن وزير الخارجية الإيراني الجديد “يحفظ الملف اللبناني عن ظهر قلب، وبقي محافظاً على علاقاته وصداقاته اللبنانية الكثيرة، وأبرزها مع رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي الذي كان يستقبله كلما كان يزور بيروت، وأغلب الأحيان بعيداً عن العدسات الإعلامية. كما تربط عبد اللهيان علاقة خاصة بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهو يلتقيه في كل زياراته إلى لبنان وسوريا (عشرات المرات). ويُكنُ عبد اللهيان مودة خاصة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إنطلاقاً من معادلة إيرانية تعتبر أن نموذج “الثنائي الشيعي” في لبنان يجب أن يُدرّس وأول من عليه أن يقتدي بهذه التجربة هم شيعة العراق”.
وعندما تعرضت السفارة الإيرانية للتفجير في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، كان عبد اللهيان أول مسؤول إيراني يصل إلى بيروت متضامناً مع فريق السفارة برئاسة السفير الراحل غضنفر ركن أبادي، ومشاركاً في التعازي في مقر السفارة في محلة بئر حسن طوال يومين، حيث لم تفارق الإبتسامة وجهه، عندما كان يستمع إلى زميله ركن أبادي يكرر على مسامع الحاضرين أنه حزين لأنه لم يسقط شهيداً في الإنفجار!
وفي حوار أجرته معه صحيفة “السفير” وقتذاك حول الرد الإيراني على التفجير، استشهد عبد اللهيان بقول “المناضل الرئيس” نلسون مانديلا قائلاً «نحن نسامح لكن لا ننسى»، وحذّر من أن الظاهرة التكفيرية سترتد سلباً على كل شعوب المنطقة، وقال: «قناعتنا الراسخة ألا مشكلة جدية بيننا وبين السعودية في ما يخص الملفات الثنائية»، وأضاف: «هناك تباين أو سوء فهم في مقاربة ملفات اقليمية معينة، غير أن الآلية الصالحة لمقاربة هذه التباينات تكون بالحوار”.
خاض عبد اللهيان في معظم ملفات المنطقة العربية ومنها ملف العراق الذي كان قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني يملك الكلمة الفصل فيه أخذاً بالإعتبار الساحة العراقية البالغة التعقيد والمفتوحة على حسابات كبرى أبرزها “الحساب الأميركي”. وكانت تربط سليماني بعبد اللهيان علاقة شخصية إستمرت عقودا من الزمن، حيث كان وزير الخارجية الجديد أقرب إلى المدرسة الدبلوماسية التي تتفاعل مع خيارات فريق المحافظين، حتى أن البعض كان يسميه “ممثل الحرس الثوري في وزارة الخارجية”، أما الآن فقد أصبحت وزارة الخارجية الإيرانية مثلها مثل مؤسسات الرئاسة والقضاء ومجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور والبرلمان.. كلها في قبضة المحافظين و”الحرس”!