هل يجر نتنياهو المنطقة إلى حرب إقليمية إنقاذاً لمستقبله؟

لم يعد السؤالُ مطروحاً: هل يرد أو لا يرد حزب الله والإيرانيون على اغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر (السيد محسن) في مبنى سكني في ضاحية بيروت الجنوبية ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مجمع أمني للحرس الثوري الإيراني في قلب طهران. الرد بات مؤكداً لكن الكيفية والتوقيت "متروكان للميدان"، حسب مصادرحزب الله.

نفّذت “إسرائيل” عمليتي الاغتيال بفارق زمني بينهما لا يتعدى الست ساعات. تم تبني الأولى وبقيت الثانية مجهولة ـ معلومة. ومهما كان المبرر “الإسرائيلي” سواء بعنوان “حادثة مجدل شمس” أم “طوفان الأقصى” أو.. أو..، فإن كل عملية منهما تتطلب الكثير من الجهد الاستخباري والأمني واللوجستي الدقيق، ما يعني أن كل التحضيرات كانت جاهزة ـ بمعزل عن الذريعة ـ وبالتالي تنتظر القرار السياسي للتنفيذ. وهنا بيت القصيد، فرئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو يُدرك جيداً خطورة هاتين العمليتين، ويعرف أنهما تتجاوزان كل الخطوط الحمر وكل قواعد الاشتباك التي سادت على مدى الأشهر العشرة المنصرمة، فلماذا اتخذ هذا القرار الخطير؟

لنبدأ من عند الزيارة الإحتفالية لنتنياهو إلى واشنطن حيث كانت كلمته أمام الكونغرس أول مدماك في سياق التحضير السياسي لتنفيذ القرار. صحيح أنه لمس انقساماً سياسياً أمريكياً حيال المجازر التي يرتكبها جيشه في غزة والضفة الغربية، لكنه أيضاً لمس أن هناك غالبية أمريكية ما تزال إلى جانبه، فقدّم نفسه بصفته وجيشه خط الدفاع الأول عن الولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وقال لأعضاء الكونغرس إنه في حال انهارت “إسرائيل” فإن أمريكا ستجد نفسها تقاتل إيران وجهاً لوجه. أما الديموقراطيون الذين قاطعوا جلسة الكونغرس وفي مقدمهم المرشحة كامالا هاريس والذين دعوه للموافقة على خطة جو بايدن لوقف إطلاق النار، فإن دعوتهم كانت خجولة، وهو يعرف جيداً أنه إذا ما تعرضت “إسرائيل” لأي هجوم فإن منتقديه سيكونون إلى جانبه وبالتالي فإن الانقسام الأمريكي الحالي سيتبخر وستتوحد قوى الجمهوريين والديموقراطيين دعماً لـ”إسرائيل”.

من هنا يمكن القول إن أي استدراج لنتيناهو من جانب محور المقاومة بالقفز مباشرة إلى فكرة الهجوم الشامل أو المتزامن على “إسرائيل” من شأنه، بحسب حسابات رئيس وزراء “إسرائيل”، أن يُعيد رص الصفوف الأمريكية إلى جانبه وتباعاً رص صفوف حلفاء أمريكا في المنطقة إلى جانبه أيضاً.

إن هجوماً متزامناً لإيران وحزب الله والحشد الشعبي العراقي وحركة “أنصار الله” اليمنية على “إسرائيل” هو تماماً المشهد الذي يريده نتنياهو ليعود إلى لعب دور الضحية ومن ثم يجر أمريكا إلى حرب إقليمية لا أحد يعرف كيف تنتهي ولا متى تنتهي، لكن بالتأكيد من شأن حصول هذه الحرب أن تُنقذ المستقبل السياسي لنتنياهو

إذاً، النتيجة التي يتوخاها نتنياهو لعمليتي الاغتيال، بالإضافة إلى تصفية قائدين بارزين، هي أن يستدرج إيران وكل محور المقاومة إلى حرب شاملة، لأن من شأن هكذا حرب أن تُعيد خلط الأوراق وأن تُنقذ نتنياهو من حال المراوحة التي يعاني منها جيشه في قطاع غزة، وأن يُعيد تصوير “إسرائيل” على أنها في موقع الدفاع عن النفس بعد أن تهشمت صورتها أمام الرأي العام الدولي جراء المجازر التي ارتكبها جيشها ضد الفلسطينيين طوال الأشهر العشرة الماضية. وعندها لن يلتفت أحد إلى فكرة أن نتنياهو هو الذي كان يعرقل مفاوضات وقف إطلاق النار وقد افتضح أمره أمام العالم عندما اغتال المفاوض الفلسطيني الأول (هنية) في كل محادثات وقف إطلاق النار، فمن يريد بالمبدأ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لا يقتل الشخص الذي يفاوضه في المقلب الآخر.

ان معالم خطة نتنياهو لجر المنطقة إلى حرب واسعة إقليمياً باتت واضحة فكيف ستتعامل إيران ومعها كل قوى محور المقاومة؟

مما لا شك فيه أن اغتيال إسماعيل هنية شكّل صفعة كبيرة لإيران، فقد تمت العملية بعد ساعات قليلة من مشاركة هنية في حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران وبعدها لقاء جمع هنية بالمرشد الأعلى السيد علي خامنئي، أي أن “إسرائيل” قتلت هنية تحت عباءة خامنئي مباشرة وقد وصف السيد حسن نصرالله هذه العملية بأنها تمس شرف إيران. أي أنها جريمة شرف بحق الشعب الإيراني كله. كما اعتبر نصرالله أن اغتيال شكر شكل عدواناً على العاصمة اللبنانية بيروت، واعتداءً على المدنيين الآمنين، واغتيالاً لقائد رفيع المستوى في المقاومة. أمام هذه التوصيفات لعمليتي الاغتيال من قبل محور المقاومة تتولد قناعة راسخة بأن المحور سيرد ولكن يبقى السؤال متى؟ وكيف؟

بداية فإن إيران تحتاج إلى رد يتوازن مع حجم جريمة اغتيال هنية، وهنا تصبح تل أبيب هي الهدف مقابل مكان اغتيال هنية في طهران، ولا بد أن يكون الهدف في تل أبيب إما عسكرياً يتساوى مع مقر الحرس الثوري الذي قتل فيه هنية وإما موقعاً سياسياً يتساوى مع المستوى السياسي الذي يُمثله هنية، وإما الأمران معاً. وأي عملية لا تشكل ألماً فعلياً للقيادة “الإسرائيلية” ستكون رداً دون مستوى الإهانة التي تعرضت لها القيادة الإيرانية بعسكرها واستخباراتها وجيشها وحكومتها ومرشدها.

إقرأ على موقع 180  الصين: ما وراء طريق الحرير (4/3)

من جهة حزب الله، فإن ردّه يكاد يكون شبه محسوم وينحصر إما باصطياد مسؤول عسكري رفيع بطريقة ما، وإما بتدمير قاعدة عسكرية استراتيجية لـ”إسرائيل”. ناهيك عن إمكانية التنسيق مع حماس لاصطياد مسؤولين “إسرائيليين” في قلب تل أبيب.

أمام هذا الواقع يبقى السؤال هل تشن قوى محور المقاومة هجماتها/الرد في الوقت نفسه أم يترك لكل طرف الخيار في تقرير زمان تنفيذ هجومه؟

إن هجوماً متزامناً لإيران وحزب الله والحشد الشعبي العراقي وحركة “أنصار الله” اليمنية على “إسرائيل” هو تماماً المشهد الذي يريده نتنياهو ليعود إلى لعب دور الضحية ومن ثم يجر أمريكا إلى حرب إقليمية لا أحد يعرف كيف تنتهي ولا متى تنتهي، لكن بالتأكيد من شأن حصول هذه الحرب أن تُنقذ المستقبل السياسي لنتنياهو.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تحسم أهدافها: "جبهة التشدد".. وبرنامج إيران النووي (117)