جمعنا فى منزله بحى الدقى الأستاذ المكلف بتدريس مادة العلاقات الدولية. كنا ثلاثة طلاب تحت العشرين فى قسم يضم حوالى ثلاثين غالبيتهم فى الثلاثين أو أكثر.
جمعنا فى منزله بحى الدقى الأستاذ المكلف بتدريس مادة العلاقات الدولية. كنا ثلاثة طلاب تحت العشرين فى قسم يضم حوالى ثلاثين غالبيتهم فى الثلاثين أو أكثر.
أكاد أجزم أن واحدا وواحدة في جبهة القراء ومثلهما في جبهة المتخصصين والعلماء الذين يكتبون في السياسة يستطيعون القول إنهم كانوا شهوداً خلال سنة واحدة، هي السنة الأخيرة، على عدد من القمم الدولية والإقليمية والمحدودة يساوي أو يزيد على عدد القمم التي انعقدت خلال سنوات كثيرة.
نلتقى فى الشتاء أحيانا ولكنها فى الصيف لا تفارقنى. أتحدث اليوم عن أغنية الجاز الشهيرة «Summertime»، بصوت كل من إيلا فيتزجيرالد ولويس أرمسترونج. أسمعها فتسحبنى برقة كلماتها وعذوبة لحنها لنعيش معا ذكريات أيام وأمسيات كانت قاسية فى حرارتها شديدة فى رطوبتها ممتعة فى خلاصاتها وفيما أضافته إلى سجلات عواطفى وتجاربى.
جرت مع زميلة عزيزة مناقشة استغرقت عدة جلسات وبيننا هواتفنا وحواسيب نستعين بها إن خفتت الذاكرة أو بهتت الصور وتآكلت الحروف. نتج عن المناقشة استفسار تحت عنوان الشغل الشاغل للرئيس الصيني شي جين بينج خلال مرحلة ولايته الثالثة.
تقابلنا للمرة الأولى قبل عقود. أظن أنها، أقصد زميلتى، قرأت لى منذ ذلك الحين ربما أكثر ما كتبت. سمعتنى أتدخل فى نقاشات كثيرة علمية وفى أكثر منها بعيداً عن العلم. جمعتنا ظروف عمل مع أجانب، اختلفنا واتفقنا وفى النهاية تأكدنا أن لكل منا أسلوبه فى التعامل مع الغرباء كما مع غير الغرباء، ولكل منا عقيدته وبصمته وأولوياته. كانت، مثل غيرها من المتابعات والمتابعين، تعتقد جازمة أن فى شخصيتى وتصرفاتى غموضا يجدر بى أن أروّضه ولو قليلاً.
لأيام وليالٍ عديدة متعاقبة كنت آوى إلى الفراش بعد ساعات متواصلة من مشاهدة أعمال كر وفر ومظاهر عنف متبادل بين رجال الشرطة وشباب الأحياء المهمشة، شباب يسكنون ضواحي باريس ومدن أخرى في فرنسا. أستيقظ مبكراً لأعود بسرعة إلى التلفزيون للمتابعة فتتلقاني مذيعة بصور حية عن كر وفر وعنف متبادل في شوارع مدينة أمريكية كحلقة في مسلسل الغضب والكره اللذين صبغا بلون الحمرة حياة المدن الأمريكية في السنوات الأخيرة بخاصة. الضحايا هنا وهناك مواطنون أو لعلهم أشباه مواطنين، محرومون من ممارسة حق أو أكثر من حقوق المواطنة، كالحق في العمل مثلاً.
لا تفسير لكثير من ممارسات السياسيين وقراراتهم هذه الأيام وردود فعلنا إلا بإقرار أننا جميعًا، سياسيين ومواطنين، نعيش حالة انتقالية طالت وتمددت وتفشت حتى طغت. لا أحد من علماء العلاقات الدولية، ومن المراقبين، والمعلقين، والمهتمين، إلا وكتب في تبرير أخطاء وزلاّت السياسيين بالقول إن العالم ينتقل من نظام دولي إلى نظام دولي جديد لم تتحدد معالمه بعد.
أذكر أن لقاءنا الأول كان في الفجالة، الشارع أو الحي الذي ما قصدته يوما إلا لغرض له علاقة بالثقافة أو التعليم أو لـ"جبر" عظام الذراع عند برسوم المجبراتي. يومها، أقصد يوم تعرفت عليه، انتهزت فرصة الوجود في الفجالة فلبيت دعوة زميل قديم من أيام المدرسة اشترى محلا لبيع الكتب وانتهى به الأمر ناشرا يعتد بنصيبه المعتبر من أعمال سوق الكتابة والقراءة والورق والأدوات المدرسية.
أسبغ الزمان علينا بأوقات نغيب فيها عن بعضنا البعض وبأوقات تجمعنا لنناقش ما أنجزناه وما أخفقنا فيه خلال الغياب ولنحلم معاً ولأمتنا بأوقات هناء ورغد وكرامة.
أعترف أن حال أمتي لا يعجبني. أمتي التي أتحدث عنها هي مجموعة الشعوب العربية وتسكن أرضاً تمتد بين الخليج في الشرق والأطلسي في الغرب. تقاربت مع شعوب في الجوار عبر القرون ومن خلال عقائد دينية ومصاهرات ومصالح، تقاربت حتى تشابهت جميعها أو كادت. ثم تدهور حالها، أقصد حال أمتي، حتى أنهم كتبوا في وصف قدرها ومكانتها ما يملأ جزءاً معتبراً من تقرير صدر عن جامعة جونز هوبكنز عنوانه "مؤشر البؤس العالمي".