يدّعي البعضُ في لبنان وفي المنطقة، اليومَ، أنّ المقاومة اللّبنانيّة، عند موافقة الطّرفين على وقف إطلاق النّار عمليّاً بعد ٦٦ يوماً على القتال شبه المفتوح، قد حقّقت نصراً كبيراً على الكيان الاسرائيليّ المُعادي. ويوحي هذا البعضُ أحياناً، أو يكاد، بأنّنا قد نكون هنا أمام ما يُشبه النّصر الذي هو من النّوع.. المُطلق (Absolute؛ أو ما يقترب منه أيضاً).
والبعض الآخر ادّعى ويدّعي بدوره، كما جرت العادة في هذا البلد وفي هذه المنطقة، أنّ “إسرائيل” إنّما حقّقت نصراً مُبيناً على المقاومة. ويوحي هذا البعضُ أيضاً، أو يكاد: بأنّنا قد نكون هنا أمام ما يُشبه النّصر الذي هو من النّوع.. المُطلق – أو ما يقترب منه كما رأينا – أيضاً.
وبينهما آراء نسبيّة، أقرب إلى العقلانيّة والحكمة، بَرَزَ من بينها الأسبوع الماضي رأيٌ يحمله صديقنا وزميلنا العزيز حسين أيّوب، وهو يدّعى ما يلي بشكل عامّ وواضح:
- في الحقيقة، لقد ربحت “إسرائيل” على المقاومة في هذه الجولة.. لكن “بالنّقاط”؛
- ولكنّها، أي “اسرائيل”، لم تستطع أن تُحقّق، مع ذلك، النّصر الحاسم والاستراتيجيّ المتمثّل في “انهاء” المقاومة اللّبنانيّة عسكريّاً وأمنيّاً في هذه الجولة.. وصولاً إلى الجانب السّياسيّ بطبيعة الحال، فضلاً عن تماسك حاضنتها الشعبية.
واقعاً، أتّفق تماماً مع طريقة مقاربة عزيزي حسين، أو لنقل “منهجيّته”، بلغة أكثر أكاديميّة. ولكنّني أُخالفه في النّتائج النّهائيّة للتّحليل طبعاً، علماً بأنّني أعتقد أنّ قيادة المقاومة بذاتها تتّفق مع هذه الطّريقة الواقعيّة والموضوعيّة التي نعتمدها سويّاً. وهذا ما فهمته من بين سطور كلمة أمين عام “حزب الله” سماحة الشّيخ نعيم قاسم مثلاً.. بُعَيد دخول وقف إطلاق النّار حيّز التّنفيذ الأسبوع الفائت.
أوّلاً؛ لا أظنّ أنّه من الضّروريّ، في هذا المقام، أن نُعيد تفصيل “نقاط ربح” المقاومة خلال هذه الحرب على لبنان، خصوصاً أنّنا نَذكُرها ونُعيد ذكرَها ويُعاد ذكرُها مراراً وتكراراً في هذه المرحلة من قبل المعنيّين جميعاً. لنُذكِّرْ فقط بأهمّها في نَظَرِنا:
- تَمكُّن المقاومة، ضمن الإطار العمليّ-التّطبيقيّ لمفهوم “المقاومة” كما حلّلناه سابقاً، أن تمنع العدوّ – تماماً ويقيناً – من “القضاء عليها” عسكريّاً وأمنيّاً – وبشكل حاسم.. خصوصاً وأنّ قيادة العدوّ نفسها صارت تتحدّث، في بداية المعركة، عن القضاء على “حزب الله” أو نزع سلاحه (لا سيّما بعد عمليّة اغتيال أمين عام هذا الأخير وعدد من القياديّين المحوريّين الكبار).
- تَمكُّن المقاومة اللّبنانيّة نفسها من اثبات صلابة ومناعة وديناميّة حاضنتها الشّعبيّة، حتّى مع الغياب الجسديّ للقائد-الرّمز (راجع مقال الأسبوع الفائت لتفاصيل أكثر حول هذه الزّاوية، أي زاوية اثبات وتثبيت مفهوم “الشّعب الصّامد“).
- نجاح هذه المقاومة في منع العدوّ من تحقيق هدفه الابتدائيّ في هذه الحرب: ألا وهو إعادة المستوطنين إلى الشّمال بالقوّة العسكريّة.. طالما أنّ الطّريق الدّبلوماسيّة لم توصل إلى نتيجة، حسب ادّعاءاته هو.
- نجاح المقاومة، برغم الضّربات الصّادمة والمؤلمة، في نقطتين أساسيّتَين، إضافة إلى ما سبق:
١/ اثبات استمراريّة قوّتها الصّاروخيّة، المتوسّطة والبعيدة المدى، وذلك بشكل تدريجيّ ومدروس (حتّى وصلنا إلى نهار الأحد التّاريخيّ ما قبل وقف إطلاق النّار بيومين، والمشهديّة التي رأيناها خلال ذلك النّهار في ما يخصّ الجبهة الدّاخليّة الاسرائيليّة بشكل عامّ وصولاً إلى منطقة تل أبيب بل وجنوب تل أبيب).
٢/ تثبيت قوّتها البرّيّة “المُقاوِمة وغير المتماثِلة”، وبشكل ملحميّ وشبه أسطوريّ.. باعتراف أغلب المُراقبين على ما أظنّ اليوم.
- أخيراً وليس آخراً، علينا برأيي التّوقّف عند نقطة مهمّة وجوهريّة في ما يخصّ ما أثبتته هذه المقاومة خلال هذه الحرب. أقصد، بالتّحديد وبالتّأكيد وبالتّشديد، نقطة: القدرة على الصّمود (بمعنى Resilience)، والمرونة (Flexibility) العالية جدّاً نسبيّاً.. كما والقدرة الهائلة على التّكيّف (Adaptability) مع الظّروف غير المتوقّعة والصّادمة والمتبدّلة على الدّوام. باختصار، اسأل نفسك وبهدوء: كم من تنظيم أو من جيش كان ليستطيع استعادة القيادة والسّيطرة – بل والمبادرة – بعد ضربات كالتي تعرّضت لها هذه المقاومة.. وبدعم أميركيّ ودوليّ غير مسبوق؟ فلنفكّر جيّداً في هذه النّقطة وفي ما تعنيها على المستوى التّنظيميّ والعسكريّ والأمنيّ.
(عند هذا الحدّ أيضاً، نلفت انتباه القارئ العزيز إلى أنّنا: نترك لمناسبات أخرى الحديث عن “الانجاز الرّمزيّ والتّاريخيّ والأخلاقيّ” الكبير، المتمثّل بتعريض قيادة دينيّة-سياسيّة عربية وإسلامية نفسها للخطر، وللتّهديد، وصولاً إلى شهادة بعض أعضائها مرفوعي الرّأس، مُقبلين غيرَ مُدبرين، أئمّةً مجاهِدِين.. وكلّ ذلك دفاعاً عن غزّة وعن قضيّة فلسطين. ولكنّ نقاش هذا النّوع من الإنجازات هو، طبعاً، لأهل التعمّق والنّظرة التّاريخيّة والنّظرة الرّوحيّة – بعيدة المدى جميعها.. وليس للإدارة الأميركيّة ولإدارة الكِيان، وهما بالتّأكيد من أهل ثقافة الاستعجال وأنّ “العاجلَ دائماً ما يكونُ خيراً من الآجل”).
ثانياً؛ ماذا عن “نقاط ربح” العدوّ الاسرائيليّ؟
- تمكُّن العدوّ من “اختراق” جسم المقاومة من خلال وسائل تكنولوجيّة متقدّمة. الاختراق البشريّ هو عنصر موجود منذ البدايات، ولا أعتقد أنّه هو الذي شكّل “القفزة” المفاجئة التي شهدناها منذ اندلاع هذه الحرب. ونضع ضمن هذا الإطار طبعاً عمليّة تفخيخ وتفجير أجهزة البايجر واللّاسلكيّ عن بُعد وما إلى ذلك.
نحن هنا أمام زاوية تقنيّة مهمّة بلا أيّ شكّ، وهي تطرح تساؤلات جذريّة حول مستقبل طبيعة هذه الحرب مع العدوّ ومع حلفائه. ولكن، هل تُشكّل هذه النّقطة، في حرب بعيدة الأمد بين جيش مُنظّم ومقاومة: هل تُشكّل نقطة ربح جذريّة أو راديكاليّة؟
لا أعتقد ذلك، لأنّنا، بالتّحديد: أمام نقطة تقنيّة، لها “طلعاتها” ولها “نزلاتها”، وليست من صنف النّقاط التي تحسم المعركة في حرب كهذه. ومن أحد الأدلّة على ذلك: التّكيّف السّريع جدّاً نسبيّاً لبُنية المقاومة مع هذا التّبدّل غير المتوقّع. أضف إلى ذلك طبعاً أنّ العدوّ نفسَه قد تفاجأ – مثلاً – بمسائل تقنيّة عديدة ومنها النّجاح الكبير نسبيّاً لمُسيّرات المقاومة اللبنانية في اختراق وتحدّي الأنظمة الدّفاعيّة الجوّيّة للعدو. باختصار: النّقطة التّقنيّة مهمّة جدّاً، ولكنّها ليست جذريّة وحاسمة في حرب ما بين جيوش نظاميّة وتنظيمات من النّوع المُقاوم.
- نجاح العدوّ في اغتيال عدد مهمّ من قادة هذه المقاومة اللّبنانيّة، وصولاً إلى الأمين العامّ لحزب الله سماحة السّيّد حسن نصر الله ووصولاً إلى رئيس المجلس التّنفيذيّ للحزب سماحة السّيّد هاشم صفيّ الدّين، بالإضافة إلى عدد من القادة التّنظيمييّن والعسكريّين المحوريّين.
هنا أيضاً، نحن بالتّأكيد أمام زاوية مهمّة جدّاً، ولكنّها مرتبطة وجوديّاً إن صحّ التّعبير: بالأولى. فنحن لا نزال ندور ضمن دائرة “القفزة” التّكنولوجيّة التي ركب عليها العدوّ في هذه المعركة وفاجأ أعداءه من خلالها. وبشكل عامّ، وبالعودة إلى مفهومَي “المُقاومة” و”الحرب غير المتماثِلة” واللّذَين سبق التّحدّث عنهما في مقالات أخرى خلال هذه الحرب: لا يُمكن اعتبار اغتيال قادة تنظيم مُقاوم، على أهمّيّته، نقطة جذريّة وراديكاليّة في تحديد المنتصِر ضمن هذا النّوع من الصّراعات و/أو الحروب.
وهذا ما رأيناه في الماضي ضمن تجربة المقاومة اللّبنانيّة، أو غيرها، في لبنان وخارج لبنان.. وقد سمعنا وقرأنا الكثيرَ الكثير حول هذا الموضوع.
- ادّعاءات العدوّ بتدمير جزء من القُدرة الصّاروخيّة – بما يشمل المُسيّرات الحربيّة للمقاومة. هذه نقطة مهمّة طبعاً، ولكن من جهة، لم نَرَ – موضوعيّاً – تمكّناً للعدوّ من إيقاف إطلاق الصّواريخ والمسيّرات من لبنان وبشكل متصاعد؛ ومن جهة ثانية، حتّى ولو أخذنا بادّعاء العدوّ بأنّه دمّر ٧٠٪ من قُدرة المقاومة الصّاروخيّة.. فليس هذا عاملاً “هازماً” لتنظيم مُقاوم من قِبل جيش نظاميّ تدعمه دول عظمى.
وهل القُدرة الصّاروخيّة هي ممّا يصعُب إعادة ترميمه بشكل أو بآخر؟ أعتقد أنّ الفكرة هنا قد وصلت ظاهراً وباطناً، ولسنا بالتّأكيد أمام زاوية “نصر” استراتيجيّة وجذريّة في ما يعني العدوّ، خصوصاً أنّ هذا الأخير يعترف – بذلك – ببقاء ٣٠٪ أقلّه من قدرة المقاومة الهائلة نسبيّاً!
- في نفس الإطار نضع، عموماً، مسألة ادّعاءات العدوّ في ما يخصّ تدمير البنى التّحتيّة العسكريّة للمقاومة من خلال المعركة البرّيّة في جنوب لبنان. لا لزوم هنا للإطالة: نُحيل الى النّقطة السّابقة بشكل عامّ، مع التّذكير مُجدّداً بأهمّيّة العودة إلى دراسة مفهومَي “المُقاومة” و”الحرب غير المتماثلة” في الصّراعات والحروب المعنيّة.
- أمّا قَتْلُ العدوّ للمدنيّين الأبرياء، وتدميرُهُ للمنازل وللأبنية السّكنيّة وللبُنى التّحتيّة المدنيّة وما إلى ذلك من جرائم حرب.. فلا أعتقد أنّ التّوقّف عند ذلك نافعٌ لتحليلِنا، خصوصاً إذا ما عُدنا إلى التّذكير بالإطار المفاهيميّ نفسه والذي نضع نفسَنا ضمنه مُجدّداً. علينا، في لبنان خصوصاً، أن نتذكّر دائماً أهميّة العودة إلى الإطار المفاهيميّ عندما نناقش هذا النّوع من الحروب.
أخيراً، نصل، كما أسلفنا، إلى النّقطَتَين الأكثر جوهريّةً في النّقاش الحاليّ على الأرجح، وفي هذا التّوقيت بالذّات:
- الأولى، وتلعب في ملعب “المدى القريب” إن صحّ التّعبير: ادّعاء العدوّ بأنّه نجح في فصل الجَبهَتين.. أي في فصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة. والحقّ يُقال، لقد حصل هذا “الفصل” عمليّاً وإلى حدّ كبير. ولكن، هل يُمكن اعتبار أنّنا هنا أمام “نقطة نصر” حقيقيّة في ما يخصّ العدوّ؟
كان ذلك ليصحَّ في نظري لولا وجود عامِلَين أساسيَّين:
١/ الأوّل أنّ العدوّ نفسه قد ألزم نفسَه بهدفٍ جديدٍ عندَ بدء حربه على لبنان كما رأينا آنفاً: إنّه، بوضوح، هدف “ارجاع سكّان الشّمال إلى بيوتهم” بالقوّة إذا لم ينجح ذلك من خلال الدّبلوماسيّة.
٢/ والثّاني أنّ العدوّ، خصوصاً بعد تنفيذ عمليّة اغتيال السيد نصرالله، أعلن أنّ لبنان أصبح عمليّاً هو الجبهة الرّئيسيّة في الحرب.. وذهب رئيس وزراء هذا العدوّ وغيره من كبار القادة إلى اعلان أنّ هدفهم صار “تدمير حزب الله” أو “نزع سلاح حزب الله” أو “القضاء على حزب الله”.. وصولاً إلى “إقامة شرق أوسط جديد”.
في نفس سياق ما سبق وما سيلي: لا أعتقد أنّ “انجاز فصل الجَبهَتين” هو انجازٌ حقيقيّ في هذه الحرب.. بسبب طبيعة الأهداف الأساسيّة التي وضعها العدوّ لنفسه فيها، وبسبب التّغيّر الموضوعيّ الذي أصاب جبهة لبنان.
فقد تحوّلت هذه الأخيرة، حقّاً، من كونها جبهة اسناد إلى كونها جبهة أساسيّة، وذلك: بسبب الأحداث الموضوعيّة إذن، وبسبب التّحوّلات الجذريّة في توجّهات العدوّ نفسه والتّحوّلات الجذريّة في خطابه وأهدافه كما رأينا. (وهدف أيّ حركة مقاومة.. هدفُها المركزيّ – مُجدّداً وجوهريّاً: هو منع العدوّ من تحقيق أهدافه. فلنتذكّر هذه النّقطة دائماً!).
- الثّانية، وتلعب على “المدى البعيد” هذه المرّة: ألا وهي المتعلّقة بدعوى أنّ هذه الحرب قد أدّت واقعاً إلى “سقوط نظريّة الرّدع” التي بنتها المقاومة منذ عام ٢٠٠٦ على المستوى المفاهيميّ – العسكريّ – السّياسيّ. ومهما كانت الأخطاء الخطابيّة لبعض كوادر هذه المقاومة نفسها، فالأصحّ أن نتحدّث عن “توازن ردعيّ نسبيّ” لا عن “ردع مُطلق”. وهذا ما يُذكّرني شخصيّاً بمباحث وتفاصيل نظريّة التّوازن في الاقتصاد وفي نظريّة الألعاب (Game Theory) الشّهيرة، وهذا بحثٌ آخر طبعاً قد نعود إليه لاحقاً. وأدعو القارئ العزيز إلى الاطّلاع على ما استطاع من جوانبه وفي أسرع وقت ممكن.
باختصار: وخصوصاً في هذا النّوع من الحروب “غير المتماثلة”، لا يُمكن في المبدأ الحديث عن ردع مُطلق.
لا يُمكن الحديث عن ردع مُطلق من قِبَل تنظيم مُقاوم.. لجيش نظاميّ. أي، في هذه الحالة التي بين أيدينا (“حزب الله” VS “الجيش الاسرائيليّ”) بالتّحديد وبالذّات: علينا التّحدّث عن “توازن ردعيّ نسبيّ”.. بل عن “توازن ردعيّ نسبيّ وغير متماثل”.
باختصار أيضاً، وانطلاقاً من كلّ ما سبق: هل حقّقت إسرائيل “نصراً” من زاوية هذه النّقطة؟ بدقّة أكبر: هل حقّقت إسرائيل “نصراً”، من هذه الزّاوية، ومن خلال حربها على لبنان؟
الحقّ يُقال: لا شكّ في أنّ توازن الرّدع النّسبيّ، بين المقاومة والكيان، قد تغيّر. تحرّك هذا التّوازن وتغيّر.. بشكل أكيد خلال هذه السّنة الماضية وبشكل عامّ (وهذا لا يعني أنّ التّوازن هذا قد انتهى بأيّ شكل من الأشكال، أو أنّه لن يتحرّك مجدّداً.. وهذا ممّا يقع ضمن البديهيّات).
ولكن، كانت “نقطة النّصر” هذه لتصحّ في ما يخصّ الحرب الاسرائيليّة الأخيرة على لبنان لولا وجود نقطَتَين رئيسيّتَين أُخرَيَين أيضاً:
١/ الأولى هي أنّ “اختلال التّوازن” قد حصل، في الواقع، ليس بسبب حرب لبنان في ذاتها.. بل بسبب عمليّة “٧ أكتوبر ٢٠٢٣” وما تلاها من تحرّك أمنيّ وتقنيّ وعسكريّ أميركيّ ودوليّ، بالإضافة إلى ما تلاها من تحوّل جذريّ في ما يخصّ الرّأي العامّ الدّوليّ.. بالإضافة كذلك إلى ما يخصّ طبيعة نظرة الجبهة الدّاخليّة الاسرائيليّة إلى مفاهيم الحرب والخسارة المادّيّة والخسارة البشريّة.
٢/ والثّانية هي أنّ العدوّ نفسَه يعترف، اليوم، بأنّه لم يستطع حتّى الآن القضاء على القدرات الاستراتيجيّة لحزب الله إلّا بشكل جزئيّ.
***
عزيزي حسين،
لقد حقّق العدوّ عدداً من الإنجازات المُهمّة وربّما الأساسيّة في هذه الحرب الأخيرة على لبنان. ولكن، بسبب طبيعة هذه الأخيرة، وبسبب ما أوردناه من توضيحات حول الإطار المفاهيميّ العامّ لهذا النّوع من التّحليل والدّراسة: لا يصحّ القول، في نظري، إنّ “العدوّ قد انتصر على المقاومة بالنّقاط” في حربه الأخيرة على لبنان.. بل الأصحّ، في نظري أيضاً، هو الادّعاء بأنّ المقاومة اللّبنانيّة قد انتصرت على هذا العدوّ من خلال:
- نجاحها في اكمال تراكم انتصاراتها الانسانيّة والثّقافيّة والمفاهيميّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والرّوحيّة؛
- نجاحها في تثبيت وتعميق أفكارها “المُقاوِمة” لدى شعبها ولدى بيئتها، كما ولدى البيئات الحاضنة لمحورها؛
- نجاحها في منع العدوّ من تحقيق أكثر أهدافه العسكريّة والسّياسيّة جوهريّةً ضمن هذه الحرب، كما رأينا في هذا المقال تحديداً؛
- نجاحها في البقاء على قيد الحياة أمنيّاً وعسكريّاً وتنظيميّاً.. بالإضافة إلى المستوَيَين السّياسيّ والشّعبيّ طبعاً.