الدولة Archives - 180Post

700-5.jpg

لا تصدمك مثل تلك الأسئلة المبطّنة عندما تأتي من شخص لا يعرفك أو من شخص عابر، لكنها حتمًا توقف الحوار وتضع فواصل بين الأحرف، أو ربما أسوارًا تفصل الكلمة عن الأخرى وتفكّك اللغة. المشهد أو السؤال صدمك مرة عندما كان الحديث عن التحولات في سوريا ولبنان، وانطلاق بوادر المرحلة الجديدة من المشروع الصهيوني تحت مسمّيات عدة. سقط السؤال كما غيره، إلا أن الفرق كان أن من طرح السؤال إعلامي وصحفي مخضرم، كما يسمّونهم، لا بل كان كاتبًا ومحللًا للمشهد السياسي في الخليج والدول العربية على مدى عقود. كان سؤاله بعيدًا عن موضوع الندوة، حيث ترك المشروع الصهيوني والإبادة في غزة والعربدة الإسرائيلية في سوريا ولبنان واليمن وغيرها، وركّز على مواضيع أخرى، ودول غامزاً من جهة الهوية العرقية والدينية ربما!

750-12.jpg

يتقدّم الجيل الجديد وسط فيض من الرموز التي تتحرك خارج ثبات التعريفات القديمة. العلاقة مع الدولة لا تتخذ شكل يقين، بل تتبدّل كجملة تتراجع علاماتُها نحو الهامش وتبحث عن معنى إضافي في كل سطر جديد. الهوية لا تتجمد، بل تتموّج مثل كتابة تُعاد كل مرة عبر إضافة حرف صغير يفتح باباً لمعنى آخر. هنا، تصبح الدولة نصاً جانبيّاً لا يملك امتياز التفسير النهائي، بل يشارك في حوار تتوزّع ملامحه على أماكن عدة، وتعيد الذاتُ ترتيبَه عبر طبقات متراكبة من التجربة والذاكرة والخيال الرقمي.

800-24.jpg

نكرّر منذ فترة غير قصيرة نسبيّاً التّنبيه إلى خطورة الاستخدام المثاليّ - بمعنى غير الواقعيّ - بل والدّوغمائيّ المتطرّف في الغالب: لمفهوم "الدّولة" (و"بناء الدّولة" بطبيعة الحال) من قبل بعض اللّبنانيّين، لا سيّما منذ بداية السّنة الجارية. وقد سبق أن أشرنا إلى أنّ "بناء الدّولة" تحديداً بات يُستخدم أكثر فأكثر من قبل الجهات الاستعماريّة المتجدّدة في لبنان وفي المنطقة، بهدف تغطية السّياسات الاستغلاليّة والاستبداديّة والاحتلاليّة لهذه الجهات... والهادفة طبعاً إلى حماية مشروعها المركزيّ "إسرائيل"، ربّما قبل أيّ شيء أو أيّ جهة أخرى في هذه البقعة من الأرض. ويبدو أنّ الـShow مستمرّ ليس فقط على لسان توم برّاك، بل أيضاً وللأسف، على لسان كثير من مسؤولينا وسياسيّينا وناشطينا الحاليّين... عن حسن أو عن سوء نيّة (والله أعلم بباطن النّفوس).

الماشيت.jpg

هي فلسطين كما تعوّد عليها العرب عبر التاريخ. تُريدها الصهيونية أن تكون إسرائيل؛ يصنعونها كذلك. وقد نجحوا في أن تكون لهم السيادة على كامل أرضها، مهما كانت تسمية البعض لها، سواء كانت إسرائيل أو السلطة الفلسطينية وما إنشق عنها.

800-18.jpg

يكثر اللغط في سوريا حول اللامركزية والفدراليّة للخروج ليس فقط من تداعيات الحرب الأهليّة التي عصفت بالبلاد أربعة عشر عاماً، بل أيضاً للخروج من الأحداث التي رافقت الأشهر الأولى التي تلت سقوط سلطة آل الأسد، والتي كانت سبب احتقانات غير مسبوقة.

800-6.jpg

في التجربة اللبنانيّة، يتجلّى نمطٌ من الممارسة السياسيّة يمكن وصفه بالطفولة السياسيّة، حيث تتحوّل السياسة إلى تكرار محفوظاتٍ وخطاباتٍ جاهزةٍ بدل أن تكون مساحةً لإبداع مشاريع تأسيسيّة أو تسويات سياسية. كثير من الفاعلين يتعاملون مع الساحة السياسيّة كمسرحٍ للأدوار الرمزيّة: يكفي أن يشغل الفرد موقعاً على الخريطة السياسيّة، حتى لو كان هامشياً، ليحسّ بفاعليةٍ رمزيّةٍ. هذا الحضور يبقى ناقصاً لأنه لا يتضمّن القدرة على المبادرة أو صياغة رؤيةٍ مؤسّساتيّةٍ جديدةٍ.

750-6.jpg

من يملك حق تشكيل الجسد ليس ككيان بيولوجي بل كنص ثقافي؟ هذا أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا في الفلسفة وعلم الاجتماع المعاصر. فمنذ أن صاغ ميشيل فوكو مفهومه الثوريّ عن "الجسد كسطح لكتابة السلطة" في كتابه "المراقبة والمعاقبة" (1977)، انفتح الباب أمام تحليلات تكشف كيف تتنازع أربعة فواعل رئيسية: الدولة، الدين، السوق، والفرد، على حقّ تشكيل هذا الكيان الإنساني الأساسي.

730-1.jpg

تعدّ ظاهرة التضامن مع الخارجين عن القانون واحدةً من أكثر الظواهر الاجتماعية إثارة للجدل في المجتمعات التي تعيش أزمات بنيوية. ففي اللحظة التي يُفترَض فيها أن يُدان الخارج عن القانون بوصفه تهديدًا للنظام العام، نجد أنّ بعض المجتمعات تمنحه أشكالًا متفاوتة من التعاطف أو حتى الدّعم. هذا التضامن لا يعكس بالضرورة قبولًا بالجريمة، بل يكشف عن أزمة أعمق تتعلق بالسؤال الجوهري: من يملك حق تعريف العدالة؟

fa2-640x493-1.jpg

في زمن الانهيارات والخذلان، وسط مشاهد الدم المتدفّق في غزة، والعنف المؤلم في السويداء وغيرها، يقف القلب اللبناني موزّعًا بين الخوف على الداخل، والوجع لما يحدث في محيطه. وفي خضمّ هذا الغليان، لا يمكن لضمير حيّ أن يتجاهل ما قدّمه بعض أبناء هذا الوطن من تضحيات جسيمة في سبيل كرامته وأمنه، ولا يمكن الحديث عن السلاح إلا من زاوية الوفاء أولاً، لا من موقع الكيد السياسي أو تصفية الحسابات.