تعزيز الحماية الاجتماعية تمهيدًا لخطة وطنية شاملة.. أفكار أولية

Avatar18001/05/2020
​اجتمعت مجموعة من الخبراء في 21 كانون الثاني/يناير 2020 لتقييم الأثر الاجتماعي للأزمة​ الاقتصادية والمالية في لبنان وقنوات انتقالها، ولتقديم توصيات واسعة النطاق تهدف إلى التخفيف من آثارها المحتملة. وتُعرض مواقف وتوصيات المجموعة في الوثيقة التالية.
يواجه لبنان أزمة حادة متعددة الأوجه تهدد بتقويض استقراره السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي. فقد أدت السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة خلال العقود الماضية الى تراجع اقتصادي ومالي ونقدي غير مسبوق. وقد تحول ما يسمى “العجز التوأم” المزمن في كل من الميزان المالي وميزان المدفوعات إلى أزمة ديون سيادية مقترنة بأزمات نقد وسيولة، الأمر الذي يؤدي إلى انكماش اقتصادي حاد وانهيار محتمل. بالإضافة إلى كل ذلك، وبدءاً من شباط/فبراير 2020، ومع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في العالم، اضطر لبنان الى فرض العديد من الإجراءات الصارمة التي وصلت تدريجياً إلى إعلان التعبئة العامة في 13 آذار/مارس، في محاولة لاحتواء الجائحة والسيطرة عليها. وقد أدت هذه الاجراءات إلى مزيد من الضغط على الوضع الاقتصادي-الاجتماعي المتردي أصلاً، وتحديداً على الفئات المهمشة والفقيرة، مما أدى الى اضعاف قدرة أنظمة الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية على الاستجابة وهي التي تعاني أصلا من اختلال وضعف بنيويين.
وقد انعكست تداعيات هذه الأزمة على المشهد الاجتماعي بشكل كبير، لا سيما على الطبقة الفقيرة، أو تلك الواقعة على حدود خط الفقر كما وصلت تردداتها بشكل بارز الطبقة الوسطى، وذلك في ظل نظام مترهل للحماية الاجتماعية يعاني من نقص في التمويل ومن عيوب هيكلية متعددة. ومن المتوقع أن يكون هناك فجوة غير مسبوقة ما بين مستوى الدعم العاجل المطلوب لحماية الفئات المتضررة والموارد المتاحة عبر أنظمة الحماية الاجتماعية الموجودة.
وفي ظل الإطار المفكك وغير المنظم لتدخلات الحماية الاجتماعية، تبدو الحاجة ملحة إلى تأمين استجابة فورية وسريعة ومتعددة الأشكال، على أن تمهد هذه الاستجابة السريعة لوضع آلية أكثر شمولاً للاستجابة للأزمات والى تطوير نظام وطني وشامل للحماية الاجتماعية.
1. آليات انتشار الأزمة: من هي الفئات التي ستتأثر وكيف؟
بدأت آثار الأزمة ومفاعيلها تنتشر بشكل متسارع عبر قنوات عدة، وقد وصلت تردداتها إلى شرائح واسعة ومختلفة من السكان، وان بمعدلات متفاوتة. وتأتي تبعات هذه الأزمة بشكل رئيسي من خلال زيادة معدلات الفقر وانعدام المساواة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة الطابع غير النظامي للعمل وانخفاض الدخل وتدهور الخدمات الاجتماعية الأساسية:
–   ازدياد معدلات الفقر مرتبط بالانخفاض الكبير للقوة الشرائية: يعاني لبنان تاريخيا من انعدام المساواة ومن معدلات الفقر المرتفعة، ومن تمركز للفئات الفقيرة في المناطق الطرفية. ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي إلى منحى متزايد من التضخم المفرط. وقد بدأ معدل التضخم بالارتفاع بشكل كبير حيث بلغ 10 في المائة[1​] تقريبا في كانون الأول/ديسمبر 2019.  ومن المتوقع أن يشهد لبنان مزيدا من الارتفاع في معدل التضخم خلال عام 2020، مما سيؤدي إلى خسارة كبيرة في القوة الشرائية للأسر اللبنانية وتزايد في عدد الأسر التي ستصبح تحت خط الفقر الوطني.
–   زيادة البطالة والتوظيف الأدنى والعمل غير النظامي كنتيجة للركود والانكماش الاقتصاديين: خلال السنوات القليلة الماضية، سجّل الاقتصاد نمواً بطيئاً بما يتخطى الواحد في المائة بشكل وسطي.  مع بداية الفصل الأخير من عام 2019، بدأ الاقتصاد الوطني بتسجيل انكماش حاد، كنتيجة مباشرة للأزمة المالية والنقدية ولفقدان الثقة وتراجع الاستثمارات المنتجة مما أدى الى تقليص حجم الاقتصاد. ومن المرجح أن تتوقف شركات كثيرة عن العمل أو أن تعمد – في أحسن الأحوال – الى تقليص حجم نشاطها الاقتصادي، نتيجة لتراجع الطلب وارتفاع معدلات التضخم وهروب رؤوس الأموال. وقد سجل الربع الأخير من عام 2019 الكثير من حالات التسريح من العمل، وخفض الرواتب، وتخفيض ساعات العمل، وعدم الالتزام بالعقود. وقد شهد لبنان معدلات بطالة مرتفعة بشكل كبير، حتى قبل تفجر الأزمة، لا سيما بين فئة الشباب. فقد بلغ المعدل الوطني للبطالة 11.4 في المائة، 23.3 في المائة بين الشباب، و35.7 في المائة بين خريجي الجامعات، وذلك فقًا لأحدث مسح للقوى العاملة والظروف المعيشية للأسر (LFHLCS) الذي أجري في 2018-2019. ومن المرجح أن تؤدي الأزمة إلى ارتفاع متزايد في معدلات البطالة وفي انتشار العمل عير المنظم.
من المتوقع أن يشهد لبنان مزيدا من الارتفاع في معدل التضخم خلال عام 2020، مما سيؤدي إلى خسارة كبيرة في القوة الشرائية للأسر اللبنانية وتزايد في عدد الأسر التي ستصبح تحت خط الفقر الوطني
–   انخفاض دخل الأسر اللبنانية بشكل حاد بسبب انكماش الاقتصاد المحلي وانخفاض تدفق التحويلات من الخارج: من المرجح أن تحد الأزمة المالية والتدابير غير المنظمة التي يتم وضعها للسيطرة على هروب الأموال من حجم التحويلات إلى لبنان، والتي تعتبر احدى مصادر الدخل الرئيسية لغالبية كبيرة من الأسر اللبنانية. كما أن انخفاض مستوى الفائدة الاسمي، سيؤدي الى تآكل جزء آخر من مصادر الدخل المتأتي من الريوع المالية والذي كان مرتفعًا بشكل كبير قبل الأزمة. الى ذلك، ستتأثر مصادر الدخل الأخرى مثل معاشات التقاعد والريوع العقارية والمدخرات وغيرها وذلك بسبب تآكل القيمة الشرائية.
–   تدهور محتمل في مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم والمساعدة الاجتماعية في ظل لجوء الحكومة إلى تدابير تقشفية محتملة: ان احتواء العجز المالي سيكون الهدف المنشود للحكومة خلال الفترة المقبلة، وذلك لاحتواء الدين ومحاولة وضعه على مسار مستقر على المدى الطويل. وتحقيقا لهذه الغاية، من المتوقع أن تتخذ الحكومة اجراءات تقشفية، لم يتضح شكلها وحجمها  بشكل كامل بعد. غير أنه في ظل الركود والانكماش الاقتصاديين، من المتوقع أن لا تؤدي الاجراءات المتعلقة بالضرائب- في حال اتخاذها – إلى تحقيق أثر مالي كبير لجهة زيادات الايرادات الحكومية، بسبب تقلص حجم الاقتصاد وبالتالي الوعاء الضريبي. لذا، من المرجح أن تلجأ الحكومة إلى سياسة انكماشية صارمة لاحتواء النفقات. سينعكس ذلك في حال حصوله على الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والمساعدة الاجتماعية والحماية الاجتماعية، على الرغم من تزايد الحاجة الى هذه الخدمات في ظل الظروف التي يعاني منها لبنان.  ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الى مزيد من التفاقم في عدم المساواة والفقر والتهميش بدلاً من معالجة تبعات هذه الأزمة. ​
2. أنظمة التأمين الاجتماعي والحماية الاجتماعية تعاني من عجز بنيوي وتتسم بتغطية محدودة وعدم كفاءة عالية مع شكوك حول مدى استدامتها المالية
عند مراجعة مختلف التدخلات والبرامج التي تشكّل مكونات السياسة الاجتماعية الوطنية، يتم طرح مجموعة من الأسئلة المشروعة حول ماهية أنظمة الحماية الاجتماعية المتوفرة في لبنان والسياسات الاجتماعية المتبعة ومدى صلابة هذه الأنظمة وامكانية الاعتماد عليها للاستجابة للأزمة.
برامج الحماية الاجتماعية الموجودة في لبنان مفككة وتعتمد على تدخلات آنية. تفتقر هذه البرامج إلى التغطية الشاملة وتعاني من أوجه قصور كبيرة، حيث تترك شريحة كبيرة من السكان تقريبا بدون أي نوع من الحماية الاجتماعية.  والنظم والسياسات الرئيسية العاملة في لبنان تشمل:
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (NSSF) وهو المؤسسة الرئيسية التي توفر التأمين الاجتماعي لشريحة محدودة من السكان اللبنانيين. وتقتصر الخدمات التي يقدمها الصندوق على التأمين الصحي و التعويضات العائلية وتعويضات نهاية الخدمة.  في حين يُستثنى من آليات الحماية الاجتماعية التأمين ضد البطالة والتأمين ضد الإعاقة وحوادث العمل. ويحق فقط للعاملين في القطاع الخاص الاستفادة من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و تقدر نسبتهم بأقل من 50٪ من القوى العاملة اللبنانية. بالإضافة إلى التغطية المحدودة، يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من نقاط ضعف هيكلية تحد من قدرته على توفير الحماية المناسبة – وبشكل خاص للأشخاص في سن الشيخوخة – حيث لا يقدم هذا الصندوق نظاماً تقاعدياً يؤمن رواتب تقاعدية مناسبة للمنتسبين اليه، بل يحصل هؤلاء المنتسبين على مبالغ مالية مقطوعة عند نهاية الخدمة، لا تشكل لهم أي نوع من أنواع الحماية. ويعاني النظام من مشاكل هيكلية متعددة أخرى تجعله أداة لسياسة غير فعالة للحماية الاجتماعية مثل الافتقار إلى أحكام التأمين ضد البطالة والتأمين ضد الإعاقة وحوادث العمل (المنصوص عليها في قانون تأسيس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولكن غير المنفذة).
تضم قاعدة بيانات البرنامج الوطني لاستهداف الفقر حاليًا حوالي 150.000 أسرة تقدمت بطلبات، منها 43000 أسرة من حاملي “بطاقة حياة” والتي تستفيد حالياً من عدد محدود من خدمات الحماية الاجتماعية التي يوفرها البرنامج
نظام التقاعد العام الذي تقدمه الحكومة لجزء محدود من موظفي القطاع العام يعاني من عدم المساواة إضافة الى محدودية التغطية[2]. يغطي نظام التقاعد في القطاع العام موظفي الخدمة المدنية والقوى العسكرية، والذين يشكلون نحو 10٪ من إجمالي القوى العاملة. وقد وصلت تكلفة نظام التقاعد العام إلى حوالي 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 وهو يعتبر رقماً مرتفعاً مقارنة بالمعايير الدولية. ويعتبر النظام الحالي غير منصف، حيث يوفر مستويات متفاوتة من التقديمات للمنتسبين اليه وهو يفتقر الى الاستدامة المالية، حيث لا يستطيع المنتسبون تغطية التزاماته من خلال المساهمات، كما أنه يعتمد بشكل كبير على أموال دافعي الضرائب لتمويل عجزه الهيكلي.
طور لبنان البرنامج الوطني لاستهداف الفقر باعتماد منهجية “صيغ الاختبار غير المباشرة (Proxy-means testing​ (PMT” لتحديد الاسر الاكثر فقرا. تضم قاعدة بيانات البرنامج الوطني لاستهداف الفقر حاليًا حوالي 150.000 أسرة تقدمت بطلبات، منها 43000 أسرة من حاملي “بطاقة حياة” والتي تستفيد حالياً من عدد محدود من خدمات الحماية الاجتماعية التي يوفرها البرنامج، أي: 1) البطاقات  الإلكترونية  لشراء الطعام والتي تغطي حوالي 15000 أسرة من الأسر التي تعتبر الأكثر فقراً بين المتقدمين للبرنامج الوطني لاستهداف الفقر؛ 2) الإعفاء من الدفع مقابل الخدمات الصحية التي تقدمها وزارة الصحة (المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية)؛ 3) التقديمات المدرسية لتغطية تسجيل التلاميذ في المدارس الحكومية (التعليم العام والتعليم والتدريب الفني والمهني). ويشار الى أن هذا البرنامج يعمل حاليا بشكل منفرد حيث أنه لم يصار الى مأسسته بشكل كامل ودمجه في إطار وطني للحماية الاجتماعية، مما يحد من فعاليته وأثره. ويعاني البرنامج من مشاكل هيكلية تتعلق بتصميمه وتنفيذه وكفاءته المالية واستدامته، اضافة الى محدودية التقديمات التي يوفرها للأسر والتي قد لا تستجيب بشكل مناسب لاحتياجات الفقراء في لبنان. ومع ذلك، وفي ظل غياب أي تدابير أخرى، يمكن اعتماد هذا البرنامج– بعد القيام بإصلاحات طفيفة لتحسين كفاءته – كمنصة لتحديد الفقراء لتمكين برامج المساعدة الاجتماعية من الوصول إليهم.  ​
3. تعزيز الحماية الاجتماعية للاستجابة بفعالية للأزمة ووضع أسس استراتيجية وطنية شاملة للحماية الاجتماعية
مع تفاقم الأزمة،  قد تلجأ بعض الأسر الى اعتماد آليات تكيف سلبية لمواجهة الأزمة والحد من تأثيرها. فقد تعمد بعض الأسر مثلا الى تشجيع الأطفال في سن المدرسة للانضمام إلى سوق العمل والتسرب من المدارس وذلك للتعويض عن تآكل الدخل أو فقدانه وفي محاولة لاحتواء النفقات المدرسية. كما قد تقوم بعض الأسر أيضاً بتغيير أولويات الإنفاق الخاصة بها التي قد تؤثر بدورها على بنية الانفاق لا سيما على بنية السلة الغذائية وعلى الإنفاق الصحي، وعلى مواد الاستهلاك الأساسية الأخرى. ان آليات التكيف هذه قد تولد اختلالات اجتماعية سلبية طويلة المدى قد تصعب معالجتها (مثل إزدياد اليد العاملة غير الماهرة وانخفاض مستوى التعليم وسوء التغذية والهجرة وغيرها).
من هنا تبرز الحاجة الى العمل بشكل استباقي وفوري لمعالجة المعوقات البنيوية المتجذرة لنظام الحماية الاجتماعية المعمول به حاليا، على أن يتم التأسيس لنهج شامل ومتكامل لتقديم المساعدة والحماية الاجتماعيتين وتلبية احتياجات جميع شرائح المجتمع على وجه السرعة.
تشمل التدابير الفورية والعاجلة الموصى بها ما يلي:
–   مراجعة وتطوير البرنامج الوطني لاستهداف الفقر للاستجابة لتأثير الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية بشكل أكثر فعالية. وذلك بهدف تأمين مساعدة عاجلة للفئات المهمشة والتخفيف من حدة الفقر بشكل سريع، حيث يمكن استخدام قاعدة بيانات البرنامج الوطني لاستهداف الفقر كمرجع أول للأسر المحتاجة. ومع ذلك، لا ينبغي اعتباره البرنامج الوحيد للتخفيف من حدة الفقر، ولكن يمكن اعتماده كأحد المكونات المضمنة في خطة الاستجابة الشاملة. ويجب أن يطور البرنامج بشكل يجعله أكثر استجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا للأسر، والناتجة عن الأزمات الاقتصادية والصحية (مثل التحويلات النقدية وقسائم الطعام). ان توسيع نطاق الخدمات التي يقدمها البرنامج يمكنه من الوصول إلى الأسر الأكثر فقراً وتهميشاً، حيث أنه من المتوقع أن يزداد عدد هؤلاء بشكل كبير كنتيجة للأزمة. ويجب اللجوء الى هذا الخيار كاستجابة فورية واستباقية لردع أية توجهات محتملة لدى الأسر للجوء إلى آليات تكيف سلبية.
ينبغي توفير حوافز للأهل لإبقاء الأطفال في المدرسة والحفاظ على إمكانية وصولهم إلى الخدمات الصحية الأساسية
–   إعطاء الأولوية لتوفير المساعدة الاجتماعية للفئات غير المحصنة. من الضروري توسيع نطاق تغطية المساعدات الاجتماعية، من خلال استخدام تدابير الاستهداف القصيرة المدى بما في ذلك استهداف فئات معينة (مثل الأسر التي ترأسها نساء والمسنين والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة) والتي تعد استكمالاً لتقديمات البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، والتي تنص على تقديم خدمات محددة، تعالج بشكل مباشر ثغرات أو حاجات مرتبطة بمراحل معينة من الحياة (مثل المنح الدراسية للأطفال وتقديمات ذوي الإعاقة ومعاشات الشيخوخة). ويتطلب استهداف فئات اجتماعية أو عمرية معينة تعزيز هيكل الحوكمة وبناء قدرة المؤسسات واتباع إجراءات شفافة وموحدة في تحديد معايير الاستفادة ومستوى التقديمات.
–   تعزيز قدرة الأسر على تحمل الأعباء المالية للخدمات الأساسية بما في ذلك التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم التقني والمهني، فضلاً عن الرعاية الصحية الأساسية. كما ذكرنا سابقاً، قد تلجأ بعض الأسر الى آليات التكيف السلبية الناجمة عن فقدان الدخل. ويعد تسرب الأطفال من المدرسة هو أبرز آلية للتكيف قد تلجأ اليها الأسر لأنه سيناريو مربح للأسر بشكل تضاعفي (تخفيض الإنفاق على التعليم وتوليد دخل إضافي من خلال عمل الطفل). لذا ينبغي توفير حوافز للأهل لإبقاء الأطفال في المدرسة والحفاظ على إمكانية وصولهم إلى الخدمات الصحية الأساسية (مثل التحويلات النقدية المشروطة).
 –   تنشيط سياسات سوق العمل وتوفير الحوافز لخلق فرص العمل. وذلك للحد من أثر تراجع الدخل وتفاقم البطالة على سبل عيش الأفراد وعائلاتهم. ويمكن أن تشمل التدابير إنشاء آلية مستدامة لتصحيح تلقائي للأجور لاحتساب التضخم، ووضع خطة مبسطة لتقديم دخل أساسي شبه شامل (ٍSemi-universal basic income). كما يتوجب العمل على حماية قيمة تعويضات نهاية الخدمة والرواتب التقاعدية على الفور لمواجهة الانخفاض في قيمة العملة الوطنية.
ان الاجراءات المباشرة والسريعة يجب أن تتم ضمن اطار أكثر شمولية وأبعد مدى من الاستجابة الفورية والعاجلة لمعالجة ترددات الأزمة. وهذه الاجراءات يجب أن تترافق مع:
–   تطوير واعتماد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية مع خطة عمل تفصيلية. على أن تهدف هذه الاستراتيجية بشكل أساسي الى تعزيز نظام الحماية الاجتماعية في لبنان وتحديداً أدوار ومسؤوليات مختلف الجهات الفاعلة، وعلى أن تتوافق مع المبادئ الأساسية التالية: 1) الحماية الاجتماعية حق لكل فرد ويجب ألا تُستبعد أي شريحة من السكان؛ 2) ينبغي أن تكون الحماية الاجتماعية مستدامة وتعتمد على موارد الحكومة ومؤسساتها وسياساتها الخاصة؛ 3) ينبغي إعداد خطط واستراتيجيات الحماية الاجتماعية بصيغة تشاركية تضمن اشراك أكبر شريحة من المجتمع بما في ذلك النقابات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والناشطين الاجتماعيين والسياسيين، بالإضافة إلى الجهات الحكومية المعنية.
–   تعزيز دور وزارة الشؤون الاجتماعية.  يعتبر دور وزارة الشؤون الاجتماعية خلال الأزمة ذا أهمية حاسمة، لأن الوزارة مُكلّفة بمقاربة الفئات الاجتماعية الضعيفة والمهمشة وغير المحصنة. وبالتالي يجب تعزيز دور وزارة الشؤون الاجتماعية كي تقوم بتوفير القوى العاملة في مجال الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن اعادة النظر في البرامج المتعددة والمتداخلة المكلفة وغير الفعالة واعادة تنظيمها بحيث ترد بشكل أكبر على حاجات الفئات التي تستهدفها الوزارة. كما ينبغي مراجعة دور مراكز التنمية الاجتماعية والخدمات التي تقدمها لتحسين آدائها وتطوير قدراتها وتأهيلها لتنفيذ برامج الوزارة بشكل شامل وفعال. كما يتعين على الوزارة أيضاً وضع سياسات وإجراءات واضحة للتعاقد مع الجمعيات غير الحكومية ولمراقبة أدائها.
 تخفيض فاتورة الاتفاق على الكهرباء والتي ستعتمد بشكل كبير على خطة إصلاح قطاع الطاقة وكيف ستساهم في احتواء العجز
–   إصلاح نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتحسين التغطية التي يوفرها و تعزيز كفاءته وفعاليته وضمان استدامته المالية. يعد تحويل نظام تعويض نهاية الخدمة إلى نظام المعاشات التقاعدية من أهم هذه الإصلاحات، وذلك لتأمين الحماية الاجتماعية للكبار في السن. ويقوم مجلس النواب حالياً بمناقشة مشروع القانون المتعلق بهذا الموضوع، والذي يجب أن يتصدر لائحة الأولويات. وسيساهم هذا القانون في دعم كبار السن عن طريق ضمان حصولهم على معاش لائق عند التقاعد، يستمر لمدى الحياة. من جهة أخرى، ينبغي إعادة النظر في المعايير المتعلقة بنظام معاشات التقاعد في القطاع العام للتأكد من أن النظام أكثر عدالة وأكثر قابلية للاستدامة من الناحية المالية. ويمكن النظر في إنشاء آلية مستدامة لربط التقديمات التقاعدية بمؤشر التضخم وذلك للحفاظ على القدرة الشرائية لهذه التقديمات. ويعتبر توسيع تغطية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الأسس الاستراتيجية لتعزيز الحماية الاجتماعية، من خلال توسيع نطاق هذه التغطية لتشمل فئات العمال غير المحميين حاليًا، بما في ذلك العاملين لحسابهم الخاص، والعاملين بدوام جزئي، والعاملين في الاقتصاد غير النظامي والعمال المهاجرين وغيرهم. كما يجب أن تقترن جهود تحسين خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بجهود إصلاح جادة وفورية لهيكله الإداري ولبناء وتطوير قدراته المؤسسية والبشرية وحماية أصوله ضد أية مخاطر ناشئة.
تتطلب هذه التدابير توفير حيز مالي لاستخدامه في تعزيز نظام الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي على المدى الطويل. للوهلة الأولى، يبدو أن توفير حيز مالي قد يكون صعبا من الناحية النظرية وذلك في ظل الانكماش الاقتصادي الحاصل، وأثره على تخفيض سقف الايرادات الممكن تحصيلها. غير أن فرصة خلق الحيز المالي تبقى قائمة من خلال الاصلاحات الهامة التي يمكن أن توفر هذا الحيز، واستخدام جزء منها في تمويل نظام وطني شامل للحماية الاجتماعية. ومن أبرز مصادر الحيز المالي:
–   تخفيض العجز عبر إعادة هيكلة الديون والتي من المحتمل أن تخفض من قيمة خدمة الدين.
–   تخفيض فاتورة الاتفاق على الكهرباء والتي ستعتمد بشكل كبير على خطة إصلاح قطاع الطاقة وكيف ستساهم في احتواء العجز.
–   اعادة النظر في مستوى المعاشات التقاعدية في القطاع العام.
ومع ذلك، لا يزال من الصعب تحديد إمكانية تطبيق هذه النقاط الثلاث الأخيرة، فهي تحتاج الى تحليل دقيق لتقدير مستوى الادخار المالي الذي يمكن تحقيقه، وآثارها المالية والاجتماعية، وامكانية تخصيص جزء من الحيز المالي المحتمل لتمويل نظام الحماية الاجتماعية.
***
قائمة الموقعين (حسب الترتيب الأبجدي):
إيلي ميخائيل، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية
جميلة خوري، أستاذة مساعدة في المدرسة اللبنانية للتدريب الاجتماعي التابعة لجامعة القديس يوسف
راشيل صليبا، مديرة العمليات في مركز الدراسات اللبنانية
زهرة بزي، مديرة البرنامج في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND)
زياد عبد الصمد، مدير شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND )
سالي أبي خليل، المديرة القطرية لمنظمة أوكسفام(Oxfam)  في لبنان
سامي زغيب، باحث في السياسة العامة في المركز اللبناني للدراسات (LCPS)
سامي عطاالله، المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات (LCPS)
سيلفانا اللقيس، الرئيسة / المديرة التنفيذية للاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً (LPHU)، الممثلة الإقليمية للمنظمة الدولية للأشخاص المعوقين (DPI)
عبلة محيو السباعي، أستاذة محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت والمديرة المؤسسة لمركز الدراسات لكبار السن
كنج حمادة، أستاذ مساعد في الاقتصاد الزراعي في الجامعة اللبنانية في بيروت، شريك في حلول التنمية الاقتصادية (EDS)
كوثر دارة، مستشارة في إدارة المالية العامة والحماية الاجتماعية
ليا بو خاطر، أخصائية التنمية الاجتماعية في معهد الاستشارات والأبحاث (CRI)
ليال صقر، محامٍية وشريكة في الشركة الاستشارية  Reform and Development Beyond
ماري نويل أبي ياغي، مديرة “دعم لبنان” وباحثة
مايا أبي شاهين، مديرة برنامج “جامعة الكبار”، في الجامعة الأميركية في بيروت
ناصر ياسين، أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت ومدير معهد عصام فارس للسياسا​ت العامة والشؤون الدولية
ندى  العزير، المنسقة الوطنية للتوظيف، الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً
[1] قد يبدو التضخم معتدلاً مقارنة بمستوى انخفاض قيمة العملة الذي تجاوز 60 في المائة خلال الفترة الزمنية من كانون الأول/ديسمبر 2019 إلى شباط/فبراير 2020. ما يُبقي التضخم ضمن السيطرة هو الدعم الضخم لسعر الصرف الذي يتبعه البنك المركزي، حيث يوفر لمستوردي السلع الحيوية (الوقود والقمح والأدوية) سعر صرف تفضيلي للدولار قدره 1507 ليرة لبنانية. ومع ذلك، فإن هذا المستوى من الدعم غير مستدام لأنه سيؤدي إلى استنزاف سريع لاحتياطات البنك المركزي الأجنبية.
[2] يستثني النظام جزءًا كبيرًا من موظفي القطاع العام مثل موظفي المؤسسات العامة والموظفين المتعاقد معهم وأشكال أخرى من العمل غير المنظم.​
(*) ينشر بالتزامن مع الجامعة الأميركية في بيروت: https://bit.ly/2YnBwGU
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  فلتتبنَ حكومة لبنان المقاومة.. ربحها أكبر من خسارتها!
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  لا هي ضربة استباقية ولا هو الرد