إسرائيل لا تستدرج حزب الله.. والسيناريو هوليودي!
Copies of ballots papers and campaign posters for Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu's Likud Party lie on the ground in the aftermath of the country's parliamentary elections, early on March 18, 2015 in Tel Aviv. Netanyahu beat the odds to win a resounding election victory that will likely deepen tensions with the Palestinians and the West. AFP PHOTO / JACK GUEZ (Photo credit should read JACK GUEZ/AFP via Getty Images)

ما حصل مع الجيش الإسرائيلي اليوم (الإثنين) في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، يشي بعدة إحتمالات، لكنها كلها تدل على عدم جهوزية إسرائيل لأية حرب مع حزب الله.

قبيل الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم (الإثنين)، كرّت سبحة الأخبار العاجلة. الفضائيات اللبنانية والعربية والدولية، بما فيها قناة “المنار” التابعة لحزب الله، خصّصت معظم بثها لما يجري من تطورات في منطقة مزارع شبعا. في الوقت نفسه، كان لافتاً للإنتباه صمت حزب الله طوال ثلاث ساعات، تاركاً للإعلام الإسرائيلي والفضائيات العربية واللبنانية أن تضج بالتحليلات والمحللين، من دون أن يعطي إشارة واحدة لما يجري. الإعلام الإسرائيلي تحدث عن “حدث أمني غير بسيط”. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “نحن في حدث أمني صعب”. قال وزير الدفاع بني غانتس بعد تشاوره مع رئيس الأركان أفيف كوخافي “نحن أمام حدث أمني غير عادي”. إزدحمت المواكب الإسرائيلية وهي في طريقها إلى “كرياه” مقر هيئة الأركان في تل أبيب. ترأس نتنياهو إجتماعاً عاجلاً بحضور بني غانتس وكوخافي وعدد من الوزراء وكبار قادة الجيش والإستخبارات. طلب نتنياهو من جميع الوزراء عدم الإدلاء بأية تصريحات للإعلام، على أن يقدم هو وغانتس خلاصة للصحافيين، لكن الإعلام الإسرائيلي، وقبيل أن تتضح المشهدية، سارع إلى فضح المناورة الإسرائيلية السياسية والميدانية، معتبرا أن ما يجري عبارة عن مسرحية.

بدوره، حزب الله، وقبيل إنتهاء الإجتماع الإسرائيلي، خرج ببيان بدا مسبوكاً بكل حرف من حروفه وتضمن الآتي:

“إن كل ما تدعيه وسائل إعلام العدو عن احباط عملية تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل فلسطين المحتلة  وكذلك الحديث عن سقوط شهداء وجرحى للمقاومة في عمليات القصف التي جرت في محيط مواقع الاحتلال في مزارع شبعا، هو غير صحيح على الإطلاق، وهو محاولة لإختراع إنتصارات وهمية كاذبة. تؤكد المقاومة الإسلامية أنه لم يحصل أي اشتباك أو إطلاق نار من طرفها  في أحداث اليوم حتى الآن، وإنما كان من طرف واحد فقط هو العدو الخائف والقلق والمتوتر. إن ردنا على استشهاد الأخ المجاهد علي كامل محسن الذي استشهد في العدوان الصهيوني على محيط مطار دمشق الدولي آت حتماً، وما على الصهاينة إلا أن يبقوا في انتظار العقاب على جرائمهم. كما أن القصف الذي حصل اليوم على قرية الهبارية وإصابة منزل أحد المدنيين لن يتم السكوت عنه على الإطلاق.. وإن غداً لناظره قريب”.

بعد أقل من ساعة ونصف الساعة، خرج نتنياهو وبني غانتس، في معرض تأكيد الرواية الإسرائيلية نفسها، أي إحباط هجوم خطير لمجموعة من حزب الله تسللت من الأراضي اللبنانية بإتجاه “ارض إسرائيل” (مزارع شبعا اللبنانية المحتلة). حمّل الإثنان لبنان وسوريا المسؤولية عن أية هجمات، وحذرا من المس بالجنود والمستوطنين الإسرائيليين أو محاولة فحص قدرة إسرائيل على الرد. ماذا بعد؟

في ضوء بيان حزب الله والتصريحات الإسرائيلية، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

أولاً، برغم كل الرسائل الدبلوماسية التي بعث بها الإسرائيليون عبر وسطاء دوليين وعبر قناة “اليونيفيل” بأن مقتل أحد عناصر حزب الله قرب مطار دمشق كان خطأ (على قاعدة أن الهدف إيراني وكان متعذرا معرفة وجود عناصر من الحزب فيه)، وبالتالي، ثمة مصلحة للطرفين بعدم التصعيد، كان رد حزب الله أنه لن يسمح بتآكل قوة ردعه، وبالتالي، يصبح السكوت عن غارة بالخطأ هنا وقذيفة أو مسيرة بالخطأ هناك، كافياً للمس بهذه القدرة الردعية التي حمت لبنان طوال السنوات العشرين بعد التحرير. حزب الله سيرد فقط من أجل تثبيت قواعد الإشتباك سواء في لبنان أو في سوريا (بين حزب الله والإسرائيلي).

ثانياً، هذه الرسائل تعمد حزب الله الرد عليها عبر القنوات نفسها، وبالتالي آثر إعتماد أسلوب الصمت المقلق لإسرائيل، بدءا من نعي أحد مقاتليه الذي سقط خلال “تأدية عمله الجهادي” وصولا إلى القول إنه سقط في الغارة الإسرائيلية. هذا الصمت على مدى أسبوع لم يخرقه إلا نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بمقابلة تلفزيونية مع “الميادين” إكتفى خلالها بالعموميات، وبتوجيه رسالة واحدة: الاجواء لا تشي بحرب لكن إذا أراد الإسرائيلي شنّ حرب.. “فسنرد”.

بدا الصمت وسيلة مربحة في زمن كي الوعي. الإسرائيلي يريد إعادة ترميم صورته، ولو إقتضى الأمر المبالغة بالشكليات والعراضات والتصريحات، وفي المقابل، يريد حزب الله أن يثبت المعادلات في الميدان.. وليس عبر المنابر الإعلامية. الدم مقابل الدم. المقاتل مقابل الجندي. المدني مقابل المدني إلخ…

ثالثاً، منذ أن قرر حزب الله الرد على غارة دمشق ومقتل أحد عناصره، نفذ الإسرائيليون إستنفارا عسكريا وأمنيا على طول الجبهة الشمالية من الناقورة إلى الجولان، مرورا بمزارع شبعا، وتضمن إتخاذ إجراءات لم تشهد منطقتا الجنوب والجليل الأعلى مثيلاً لها منذ سنوات. طيران حربي إستطلاعي ومسير بكثافة غير عادية وطوال 24 ساعة يومياً. تشغيل منظومات الرصد والتنصت والإستطلاع. تراجع وحدات عسكرية كاملة إلى الخلف وإقتضى ذلك إخلاء مواقع وإلغاء الدوريات العسكرية اليومية. شملت الإجراءات بعض المستوطنات حيث طُلب من المستوطنين الإلتزام بتعليمات الجيش الإسرائيلي. وفي مقابل، الإجراءات الإسرائيلية، نفذ حزب الله سلسلة مناورات بعضها كان متعمداً تظهيره وبعضها الآخر إتخذ طابعاً سرياً جداً. وتم إختيار العديد من النقاط لهذه المناورات من الناقورة وحتى مرصد جبل الشيخ أعلى نقطة مشرفة على الجنوب ومزارع شبعا مرورا بالعديد من النقاط قرب أفيفيم والمطلة ومسكاف عام. بطبيعة الحال، كان الإسرائيلي يرصد بعض هذه المناورات، ويتخذ إجراءات عاجلة، لكن هدف المقاومة، حقق غرضه بإرباك القيادة الإسرائيلية التي راحت تسرب للمراسلين العسكريين أن الرد المتوقع سيكون إما بإستخدام قناصات أو قذائف مضادة للدروع، وذلك ربطاً بمناورة حزب الله التي تخللها تشغيل منظومات من الإتصالات والإشارات والوحدات العسكرية المتخصصة التي جعلت الإسرائيلي حائراً في أمر ما يحصل على الأرض وفي تقديم الخلاصات.

إقرأ على موقع 180  رواية رحلة سليماني الأخيرة من بيروت إلى بغداد

رابعاً، ثمة معطيات ميدانية لا يمكن لحزب الله أن يتجاهلها، ولذلك، عندما يقرر تنفيذ عمل عسكري، يحتاج إلى تضافر مجموعة عناصر، حتى يقرر ساعة الصفر، والأهم منها متصل بتحديد الهدف وكيفية الوصول إليه وضمان النتيجة. على سبيل المثال لا الحصر، عندما حصلت عملية الرد في أفيفيم في أيلول/سبتمبر الماضي، تحركت العديد من مجموعات المقاومة في أكثر من نقطة وكانت كلها مزودة بصواريخ كورنيت وكانت ترابط أحيانا في نقاط معينة ساعات طويلة من دون أن تكشف نفسها، بإنتظار الهدف، إلى أن أعطيت الأمر بإستهداف الآلية التي تحركت في أفيفيم، بمعزل عن الخدع التي قام بها الإسرائيلي والتي سيقوم بها هذه المرة لأجل إستدراج الرد ومنع وقوع خسائر في صفوفه.

خامساً، بالنسبة إلى ما جرى في رويسات العلم، وكما يقال “لا دخان بلا نار”، أي أن حزب الله، جعل الإسرائيليين يقلقون في هذه النقطة وغيرها من النقاط، لكن حالة الإستنفار والقلق والإرباك عند الإسرائيليين جعلتهم يفتعلون معركة وهمية مع مجموعة من حزب الله، قيل إنها ضربت آلية إسرائيلية وأنها أثناء إنسحابها قتلت كلها أو قتل بعض أفرادها، وكان لافتاً للإنتباه، بخلاف عملية أفيفيم والتعتيم الذي رافقها، أن رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي سمحت للإعلام التلفزيوني الإسرائيلي بالوصول سريعاً إلى نقاط قريبة من رويسات العلم في مزارع شبعا وبث مشاهد مباشرة وتقارير مباشرة. ماذا كان يريد الإسرائيلي من هذه العملية التلفزيونية؟

بالنسبة إلى حزب الله، كان أمام أحد إحتمالين، أولهما أن نتنياهو كان يقول للحزب إنكم صعدتم إلى السلم العالي بالتوعد بالرد وطالما لا مصلحة لكم بالحرب، أنا مستعد لمساعدتكم، عبر القول إن حزب الله رد ولكن النتيجة صفرية للطرفين. كان السيناريو الإسرائيلي هوليودياً بكل معنى الكلمة، لم يصدقه الرأي العام الإسرائيلي وحسب، بل صدقه العديدون في بيئة حزب الله إلى حد توزيع الحلوى في بعض القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية!

ثانيهما، إستدراج حزب الله إلى الرد، خصوصاً وأن القصف طاول للمرة الأولى أهدافاً مدنية في بلدة الهبارية من دون وقوع إصابات بشرية. كان المطلوب من حزب الله أن ينخرط في السيناريو الهوليودي وأن يصدر بياناً يعلن فيه أنه نفذ رده ونقطة على السطر.

سادساً، المعضلة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي وتحديداً رئيس أركانه الجنرال أفيف كوخافي الذي ظل طوال أقل من سنتين على توليه منصبه يتحدث عن “كسر القواعد”، فإذا به يواجه إخفاقاً عسكرياً وإستخباراتياً، وفي المقابل، كسب حزب الله، ومن دون إطلاق رصاصة واحدة، جولة أولى في معركة الرد على غارة دمشق من دون أن يكون قد رد حتى الآن، بل أضاف إلى رصيد رده “الآتي حتماً”، حسب بيانه، حساباً إضافياً وهو الرد على إستهداف منزل أحد المدنيين في بلدة الهبارية في منقطة العرقوب في جنوب لبنان المحرر..

في المحصلة يمكن إستنتاج الآتي:

1-رد حزب الله على غارة دمشق وإستهداف المنزل المدني في الهبارية سيكون مركباً ومتوازناً ومتوازياً بحيث يستطيع أن يلبي هاتين الحساسيتين في آن معاً، وهذا الأمر من شأنه أن يقلق الإسرائيلي، لا سيما إذا كان الهدف مدنياً، اي في إحدى المستوطنات الشمالية.

2-لا مصلحة لحزب الله وإسرائيل بتحويل المعركة بين الحروب إلى حرب واسعة، خصوصاً في ضوء وضع نتنياهو وإحتمالات إنهيار إئتلافه وتصاعد مناخ الإعتراض الداخلي في إسرائيل وبدء الحديث عن إحتمال إنتخابات تشريعية رابعة، وكذلك في ضوء أوضاع لبنان الداخلية، ولا سيما الإقتصادية منها، فضلاً عن تداعيات فيروس “كورونا” في المشهدين اللبناني والإسرائيلي.

“لقد أثبت حسن نصرالله، مع الأسف، أن الكلمة عنده كلمة، والعين بالعين، والسن بالسن، قتل عنصر واحد من حزب الله في دمشق والآن الشمال كله مشلول”، على حد تعبير وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان. أما زميله الأسبق وزير الحرب نفتالي بينيت، فقد قال إن الحكومة الإسرائيلية الحالية “واحدة من أسوأ الحكومات في تاريخ إسرائيل على جميع الجبهات”. بدوره، قال المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، إن “الجيش الإسرائيلي يدعى أن نقاط الرصد نجحت برصد خلية حزب الله، إذا كان ذلك صحيحا، فلا بد أن يكون هناك تسجيل يوثق العملية”. وكتب المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل أن تقديرات الأجهزة الأمنية تؤكد أن “المسألة لم تنته بعد، حزب الله سيحاول مجدداً”. ووفقا للمحلل العسكري في “معاريف”، طال ليف رام، فإن “الجيش الإسرائيلي يأخذ بيان حزب الله على محمل الجد، وبالتالي، يعتبر أن الحساب معه لا يزال مفتوحًا”. ونقل ليف رام عن مصدر عسكري في الجيش الإسرائيلي أنه “برغم العودة إلى الروتين، إلا أن الجيش الإسرائيلي سيحافظ على مستوى عال من التأهب على طول الحدود في الأيام القادمة وسيواصل نشر أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة”.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ماهيّة الإسلام.. نشأة الشهادة بين السرديات والنقود (16)