لحظة إستثنائية وتنتهي.. هذه أميركا
MILWAUKEE, WI - NOVEMBER 10: Presidential candidate Donald Trump gestures after Carly Fiorina says she met with Russian President Putin at a one on one meeting, during the Republican Presidential Debate sponsored by Fox Business and the Wall Street Journal at the Milwaukee Theatre November 10, 2015 in Milwaukee, Wisconsin. The fourth Republican debate is held in two parts, one main debate for the top eight candidates, and another for four other candidates lower in the current polls. (Photo by Scott Olson/Getty Images)

يحبس العالم أنفاسه. ساعات وربما أيام ثقيلة، تعبر بعدها أميركا وربما العالم إلى ضفة جديدة. ضفة ساكن البيت الأبيض الجديد، في ولاية تبدأ في العشرين من كانون الثاني/يناير 2021 وتنتهي في الشهر نفسه عام 2025.

سيكون للولايات المتحدة رئيسها الجديد سواء أكان إسمه دونالد ترامب أو جو بايدن. التحذير من حرب أهلية، إذا نجح بايدن أو ترامب، أمر مبالغ فيه، برغم إحتدام المعركة الإنتخابية والإستقطابات. هذا التحذير من الحرب سبق أن أطلقه الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان، صاحب كتاب “من بيروت الى القدس”، كما شخصيات هوليوودية، وصرنا نسمعه حتى ضمن البيت الواحد.

صحيح أن أميركا ليست على ما يرام. تمر في وقت عصيب لا مثيل له منذ الحرب الأهلية الأميركية قبل 250 عاما. لكن أن تصل الأمور الى حد الحرب الأهلية، فهذا أمر يحتاج الى ظروف وشروط بعيدة المنال عن نظام ديمقراطي متجذر، كما هو الحال في الولايات المتحدة، يستطيع أن يوفر المناعة من خلال آلياته وتقاليده العريقة.

صحيح أن الكثير من المحلات التجارية والمؤسسات أقفلت واجهاتها في هذه الأيام، كما أن الكثير من الجامعات طلبت من تلامذتها ملازمة غرف سكنهم الجامعية أو منازلهم، وهذا أمر لم يحدث من قبل، لكن الشرطة وضعت في حالة تأهب قصوى في العديد من المدن والولايات ولا سيما الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن، كارولينا الشمالية، جورجيا، أريزونا وتكساس. الولايات الثلاث الأخيرة لم تكن موضوعة في حسبان الديمقراطيين منذ زمن بعيد، ولكن وبسبب التغيرات الديموغرافية، صارت ولايات متنازع عليها. لم تكن هيلاري كلينتون لتحلم في أحسن الأحوال بأن تكسب أي واحدة منها قبل أربع سنوات!

كل ذلك لا يلغي حقيقة أن الولايات المتحدة لديها مؤسسات متجذرة ومترسخة وعميقة. الحروب الأهلية بحاجة الى شروط كثيرة لتصبح واقعاً وهذا ما لا ليس متوافرا.

قبل كل شيء، هناك دستور يُحتكم اليه، وهو أهم ما لدى هذه البلاد من قوة بوجه كل من يحاول العبث بحقوق الناس منذ أن أُقر عام 1789، مشفوعاً بتعديلات أبرزها الآتي:”إن الكونغرس لن يمرر أي قانون يحترم أو يحدد أي ديانة أو منع أي كان من ممارسة إعتقاده أو الحد من حرية التعبير للناس، أو للصحافة، وللناس الحق في التجمع وحتى التعبير عن عدم رضاهم عن الدولة”). وهذه المادة أصبحت من المقدسات منذ إنشاء الجمهورية وخاصة بعد سنة 1865 وإنتهاء الحرب الأهلية.

النقطة الثانية التي لا بد من التذكير بها أن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات. ولعل النموذج الأسطع دور المحاكم الفيدرالية. قبل يوم واحد من الإنتخابات العامة، تقدم الحزب الجمهوري بطلب وقف تعداد التصويت ليلة الإنتخابات في هيوستن بتكساس، وكان الرد سريعا من قاض فيدرالي برد الطلب (رفض عدم قبول تصويت 127 ألف صوت بالبريد)، وأصر على إستكمال التعداد كما هو مقرر في قانون الولاية (تكساس).

على صعيد مجلس النواب أيضاً، هناك تقاليد ويجري الإحتكام للدستور الأميركي منذ 1789. نموذج إستدعاء مسؤولي شركات التكنولوجيا وتوبيخهم على عدم سيطرتهم على المعلومات المغلوطة أو الغير دقيقة، أو عندما وصل الأمر الى المحكمة العليا، حيث أصبحت تميل بقضاتها التسعة الى المحافظين بنسبة 6 إلى 3 ولكن حتى بهكذا وضعية، إتخذت قرارات لغير مصلحة الجمهوريين.

وينسحب وجود مؤسسات مركزية ضامنة على مؤسسات الولايات. قرارات حكام الولايات واضحة وصريحة ولديهم الصلاحيات لتحريك الكثير من المؤسسات المحلية من شرطة في المدن، وبوليس على مستوى المقاطعة (“الشريف”)، علماً أن سلطة هؤلاء تصل الى حد إستدعاء المطلوبين والتعامل مع المحاكم المحلية والتحقيقات الجنائية. هناك  شرطة على مستوى الولاية وصولا الى الحرس الوطني الذي هو مؤسسة عسكرية تُحرك بقرار من حاكم الولاية حسب الضرورة لكي تبسط سلطة القانون على المواطنين.

هناك أيضاً مؤسسات فيدرالية ولا سيما الأمنية منها التي تهتم بمكافحة الجريمة ومكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس والتجسس المضاد، فجهاز الـ”أف بي أي” يحظى بإحترام المجتمع الأميركي لدوره في مواجهة عصابات الجريمة المنظمة وآخرها وضع مجموعة “كيو أنون” اليمينية المتطرفة ذات الأفكار المؤامراتية على لائحة الإرهاب.

صحيح أن دولاً مثل روسيا والصين وإيران من مصلحتها العبث بالعملية الإنتخابية ولكن آلية الإنتخابات في أميركا معقدة وصعبة جداً ولا يسهل إختراقها. مثلا في أريزونا بدأ فرز الأصوات منذ خمسة عشر يوماً وقد وُضعت كافة الأرقام والنتائج في كومبيوترات غير موصولة الى الانترنت بتاتاً. وفي كل الولايات، هناك إضافةً الى العملية الإلكترونية عملية ورقية تُبقي على ما وضع في صندوق الإقتراع، وذلك في حال حصول خطأ في العملية الإلكترونية، كما حصل في سنة 2000 إبان الإنتخابات في فلوريدا بين آل غور وجورج دبليو بوش. ثمة قناعة أن آليات التصويت والفرز وعمل المؤسسات من شأنه أن يحول دون محاولات العابثين، من دون إغفال دور المحكمة العليا.

خلاصة القول أن اللحظة الأميركية إستثنائية، لكن الضمانات موجودة. بالدستور والمؤسسات المركزية والفيدرالية. هي الخلطة الأميركية التي ستخضع للإختبار في هذه الساعات والأيام التاريخية، وبالتالي ليس سهلاً لا الإستنتاج ولا التخويف بالحرب الأهلية.

إقرأ على موقع 180  فريدمان: المجازفة الأميركية.. نسخة كوفيد ـ 19!

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  تركي الفيصل.. وما حدث في "حوار المنامة"