لمن كرسي أيمن الظواهري بعد رحيله؟

قبل حلول شهر رمضان من عام 2014، وبعد مضيّ ما يقارب ثلاثة أعوام من خلافة سلفه أسامة بن لادن، كثّف أيمن الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" جهوده لرسم خارطة طريق تضمن انتقال زعامة التنظيم بعد وفاته بسلاسة ومن دون خلافات داخل مجلس الشورى.

وقد انتهت جهود “ابو النصر”، الاسم الحركي لإيمن الظواهري، إلى ترشيح أربع شخصيات قيادية في التنظيم لتولي منصب الزعامة وفق تسلسل معين. ولأجل تكريس خارطة الطريق وتحويلها إلى قاعدة ملزمة في انتقال السلطة داخل التنظيم، سعى الظواهري إلى الاستحصال على تعهدات خطية من أعضاء مجلس الشورى بالالتزام بها وفق شروط معينة، وهو ما توافر له خلال اشهر قليلة بين آذار/مارس وحزيران/يونيو من ذلك العام.

وينص التعهد الذي وقّع عليه أعضاء مجلس الشورى في ذلك الوقت، وبينهم صهر الظواهري أبو دجانة الباشا، حمزة الغامدي، أبو همام الصعيدي، أبو عمر المصري، عبدالرحمن المغربي، وأبو زياد العراقي، على أنه في حالة وفاة الظواهري أو وقوعه في الأسر أو ألمّ به مرض يمنعه من القيام بمهامه، فإن العضو الموقع يلتزم أن يبايع من بعده لإمارة جماعة قاعدة الجهاد الأخوة التالية اسماؤهم على الترتيب التالي: أبو الخير المصري، أبو محمد المصري، سيف العدل المصري، أبو بصير الوحيشي.

والمانع الوحيد الذي يعفي العضو الموقّع من الالتزام بهذا التعهد هو أن يكون المرشح لخلافة الظواهري غير متواجد في خراسان أو في أحد أفرع “القاعدة”، فإذا تحقق هذا المانع في أحد المرشحين ينبغي حينها الانتقال إلى المرشح الذي بعده وفق التسلسل السابق.

وجاءت خارطة طريق الظواهري متناغمة إلى حدّ كبير مع ميله المعروف نحو مصرنة قيادة “القاعدة”، حيث كان أحد الهواجس التي تسكنه هو كيفية ضمان إنتقال القيادة بعد وفاته إلى إحدى الشخصيات القيادية المصرية، وفي سبيل ذلك كان المرشحون الثلاثة الأوائل في التعهد المأخوذ على أعضاء مجلس الشورى من حملة الجنسية المصرية، أما الرابع، وهو الوحيشي، فكان يحمل الجنسية اليمنية.

هكذا لم يبق أمام أعضاء مجلس الشورى إلا خيار واحد هو سيف العدل المصري لمبايعته زعيماً للتنظيم في حال وفاة الظواهري أو أسره أو مرضه

غير أن جهود الظواهري بعثرتها رياح التطورات وغارات طائرات الدرونز والمسدسات الكاتمة للصوت التي أودت بحياة ثلاثة من مرشحيه وحوّلت خارطة الطريق إلى مسار أحادي شبه إلزامي.

فقد نالت طائرة أميركية من دون طيار من أبو بصير الوحيشي رابع المرشحين في وقت مبكر من عام 2015 حيث لم يكن قد مضى عام على وضع قواعد الاستخلاف في التنظيم. كما اغتالت طائرة أميركية أخرى المرشح رقم واحد، أبو الخير المصري، في محافظة إدلب شمال سوريا عام 2017، بعد ايام فقط من إعطائه الضوء الأخضر لفك ارتباط “جبهة النصرة” مع تنظيم “القاعدة”. وقبل بضعة ايام أكدت وسائل إعلام أميركية أن المرشح الثاني، أبو محمد المصري، لقي مصرعه جراء عملية اغتيال نوعية قام بها عملاء لجهاز “الموساد” الاسرائيلي في طهران، بتكليف من الإستخبارات الأميركية، في السابع من شهر آب/أغسطس الماضي الذي يصادف ذكرى تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 اللتين اشارت إليه اصابع الاتهام الأميركي بكونه العقل المدبر وراء استهدافهما.

هكذا لم يبق أمام أعضاء مجلس الشورى إلا خيار واحد هو سيف العدل المصري لمبايعته زعيماً للتنظيم في حال وفاة الظواهري أو أسره أو مرضه. لكن هذا الخيار لم يكن مطروحاً على أرض الواقع حيث كان قادة أفرع “القاعدة” بالإضافة إلى أعضاء مجلس الشورى المركزي للتنظيم يتعاملون مع أبي بصير الوحيشي باعتباره الخليفة المحتمل للظواهري لأن بقية المرشحين تراجعت حظوظهم لتوافر المانع المنصوص عليه في التعهد السابق والذي يشترط أن يكون المرشح المؤهل للمبايعة متواجداً في خراسان أو في أحد أفرع “القاعدة”، حيث كان المصريون الثلاثة معتقلين في إيران وبالتالي لم يكونوا متواجدين في أحد أفرع “القاعدة” على حسبان أن إيران أو أجزاء منها تدخل تحت تسمية “أرض خراسان” التاريخية.

لذلك لا يمكن استبعاد أن يكون مقتل الوحيشي منتصف عام 2015 هو الدافع الرئيسي الذي قاد تنظيم “القاعدة” إلى الاقرار باختطاف الدبلوماسي الايراني نور أحمد نكبخت الذي اختفى منذ العام 2013، وذلك بهدف إجراء مبادلة تضمن خروج المرشحين الباقين أو بعضهم من إيران باتجاه منطقة يتواجد فيها فرع لتنظيم “القاعدة”. وقد فرض ذلك ضرورة الالتفاف على ورطة اغتيال الوحيشي التي جعلت التنظيم من دون خليفة محتمل متوافق عليه.

ما سبق جرى تنفيذه بحذافيره على أرض الواقع عبر صفقة بين “القاعدة” وإيران تم خلالها إطلاق سراح الدبلوماسي الايراني مقابل الافراج عن خمسة من قيادات “القاعدة” المعتقلين في إيران، وبينهم المرشحون المصريون الثلاثة لخلافة الظواهري: أبو محمد المصري، سيف العدل، وأبو الخير المصري المرشح رقم واحد الذي لم يطل به الوقت حتى وصل إلى الشمال السوري حيث كان الفرع السوري لـ”القاعدة” ما زال متواجداً هناك بقيادة أبي محمد الجولاني.

مع ترجيح بقاء سيف العدل في إيران سواء في المعتقل أو في الاقامة الجبرية، ينتفي الشرط المُلزِم لأعضاء الشورى الموقعين على التعهد بمبايعته خلفاً للظواهري، فهو ليس متواجداً في أحد أفرع التنظيم

وقد تداول نشطاء سوريون متخصصون في متابعة الحركات الجهادية معلومات عن وصول أبي محمد المصري وسيف العدل إلى سوريا بصحبة أبي الخير، غير أن هذه المعلومات ظلت من دون تأكيد أو إثبات.

إقرأ على موقع 180       السودان يُدفع نحو التطبيع مع إسرائيل

بالنسبة لأبي محمد المصري، يبدو من المؤكد إذا صح خبر مقتله في طهران أنه لم يغادر إيران وبالتالي لم يدخل إلى سوريا لأنه لا يعقل أن يكون قد عاد إلى طهران بعد الافراج عنه بموجب الصفقة السابقة. أما سيف العدل، فقد تضاربت الأنباء حول مصيره بعد صفقة التبادل، ففي حين أكدت بعض المصادر خبر الافراج عنه وخروجه من إيران، أكدت مصادر أخرى أن الصفقة لم تشمل الافراج عنه وإنما فقط نقله من المعتقل إلى الاقامة الجبرية لتحسين شروط معيشته.

وما يعزز من صحة فرضية أن سيف العدل لم ينتقل إلى سوريا، ما أقرت به مصادر قيادية في تنظيم “حراس الدين” وهو الفرع السوري لتنظيم “القاعدة” بعد أن تخلى الجولاني عن بيعته للظواهري وقام بفك الارتباط بتنظيمه، من أن التواصل مع أبي محمد المصري وسيف العدل كان يجري بواسطة بعض الأخوة عبر مراسلات بريدية. وحتى عندما تأزمت العلاقة بين “حراس الدين” و”هيئة فتح الشام” منذ أواخر عام 2018 فإن سامي العريدي الأمير الشرعي العام لـ”الحرّاس” ذكر في إحدى مقالاته رأي أبي محمد المصري وسيف العدل بمواضيع الخلاف وكيفية حلها نقلاً عن مراسلات أجراها “بعض الأخوة”، وبالتالي لو كان أحد هذين الشخصين متواجداً في إدلب بالشمال السوري لكان السعي لحل الخلاف بين “الهيئة” و”الحراس” هو الوقت المناسب للتواصل شخصياً مع قيادات الطرفين، كما فعل أبو الخير المصري قبل مقتله حيث أقر بوجوده في سوريا قبل إعلان الجولاني فك الارتباط مع “القاعدة”.

ومع ترجيح بقاء سيف العدل في إيران سواء في المعتقل أو في الاقامة الجبرية، ينتفي الشرط المُلزِم لأعضاء الشورى الموقعين على التعهد بمبايعته خلفاً للظواهري، فهو ليس متواجداً في أحد أفرع التنظيم. وبالتالي فإنه مشمول بالمانع الوحيد الذي وضعه الظواهري لإعفاء أعضاء مجلس الشورى من الالتزام بتعهدهم أمامه بمبايعة واحد من المرشحين الأربعة وفق التسلسل السابق.

هذه ليست وحدها الضربة القاضية التي يمكن أن تطيح بخارطة الظواهري، إذ أن معظم أعضاء مجلس الشورى الذين وقعوا على وثيقة التعهد اختلفت مصائرهم بين القتل والاغتيال كحال أبي دجانة الباشا، أو الاعتقال في إيران كأبي همام الصعيدي وحمزة الغامدي، وهو ما من شأنه أن يعيد موضوع خلافة الظواهري إلى نقطة الصفر وسط سؤال مفتوح لماذا التركيز على اغتيال المصريين من قادة “القاعدة” وهل هي مجرد مصادفة أم ثمة صراع بين أجنحة متباينة ضمن “القاعدة” للفوز بالجلوس على كرسي الظواهري بعد رحيله؟.

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  شحذ سيوف في المنطقة.. وحفلة عناد في لبنان