“هآرتس”: مفاوضات الترسيم البحري بلغت طريقاً مسدوداً

Avatar18012/12/2020
كتب المحلل في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل مقالة عرض فيها لواقع الجمود الذي تراوح فيه المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية، والمرجح أن يستمر طويلاً، حسب تقديراته.

“تبدو المحادثات التي بدأت حول ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، قبل شهرين تقريباً، وكأنها تواجه طريقاً مسدوداً. تنسب إسرائيل ما أصابها إلى المقاربة المتصلبة للطرف اللبناني، وتعدّ سلسلة من التناقضات في المواقف التي طرحتها بيروت في السنوات الأخيرة. حكومة لبنان التي تمر في أزمة اقتصادية وسياسية شديدة، علقت آمالاً كبيرة على التوصل إلى اتفاق يمكنه تسريع بداية الإستكشاف بمخزون الغاز في البحر الأبيض المتوسط. ولكن يبدو أن الاتفاق ما يزال بعيداً، في هذه الأثناء.

تجري المحادثات التي بادرت إليها الولايات المتحدة، في مجمع للأمم المتحدة (اليونيفيل) في رأس الناقورة، في الجانب اللبناني من المعبر الحدودي. حتى الآن، تم عقد أربعة لقاءات، استمر كل واحد منها ثلاث إلى خمس ساعات. يترأس البعثة الإسرائيلية المدير العام لوزارة الطاقة أودي اديري، ويترأس البعثة اللبنانية نائب رئيس الأركان، العميد بسام ياسين. ويشارك في المحادثات أيضاً الوسطاء الأميركيون وممثلو الأمم المتحدة كجهة مستضيفة. تجري هذه المحادثات في خيمة كبيرة، تحت قيود التباعد بسبب وباء كورونا. خوف لبنان من أي مظهر بسيط للتطبيع ومن كورونا أيضاً، لا يسمح في هذه الأثناء بحوار غير رسمي من خارج طاولة المفاوضات.

تحوّلت مسألة الحدود البحرية إلى مسألة أكثر إلحاحاً مقابل الأزمة الداخلية التي تعمقت في لبنان هذه السنة، خاصة بعد الانفجار القاتل والتدميري في مرفأ بيروت في آب/أغسطس الماضي. اعتبرت إسرائيل الاتفاق موضوعاً بسيطاً نسبياً، فمساحة المنطقة المختلف عليها تبلغ 850 كيلومتراً مربعاً، أي 2 في المئة من مياه (منطقة) إسرائيل الاقتصادية. في هذه المنطقة المثلثة الشكل، خزان غازي يعنى به اللبنانيون، في حين سبق لإسرائيل أن بدأت قبل سنوات في استغلال مخزونات الغاز التي في منطقتها.

طريقة الاحتساب التي سيستند إليها ترسيم الحدود تبدو معقدة جداً ومعرّفة في مواثيق دولية. المشكلة الأساسية هي غياب حدود برية دولية متفق عليها، فالدولتان، تستندان فقط إلى اتفاقات هدنة العام 1949 وعلى خط رسّمه ضباط بريطانيون وفرنسيون في العام 1923 (خط بوليه ـ نيوكامب) استمراراً لاتفاقات سايكس بيكو. ولكن الضابطين اللذين حددا الخط في منطقة الشاطىء وضعا البرميل التأشيري الأخير على بعد 150 متراً شرق المياه، في منطقة هي الآن موقع لسلاح البحرية (الجيش اللبناني) في رأس الناقورة.

هذه الحقيقة تثير حتى الآن نقاشاً على مكان النقطة الثابتة على الشاطئ مع فجوة تبلغ 30 متراً بين موقف الطرفين. ولأن هناك خلافاً على تحديد زاوية الخط في ما بعد، وجد المثلث الذي يناقشونه الآن.

مشكلة لبنان أن الجمود في المفاوضات يعيق بدء التنقيب عن الغاز، خصوصاً وأنه وقع عقوداً مع شركات فرنسية (توتال) وإيطالية (إيني) وروسية (نوفاتيك). هذه الشركات لن تبدأ بالتنقيب طالما لا توافق عليه إسرائيل. هذه هي أيضاً الرسالة التي نقلت من القدس إلى الشركات المذكورة

في العام 2007، قام لبنان وقبرص ببلورة اتفاق لترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بينهما. لبنان غير ملتزم بالاتفاق بالكامل لأن حكومته لم تصادق عليه بسبب ضغط تركيا (التي لها تطلعات خاصة بها، ولها نزاع مع قبرص اليونانية). النقطة التي تقع أقصى الجنوب في الاتفاق بين لبنان وقبرص تسمى النقطة رقم 1. أودعت إسرائيل لدى الأمم المتحدة بياناً عن هذه النقطة في العام 2010 وصادقت عليها بقرار حكومي. في السنة نفسها، ومن خلال تجاهل الاتفاق مع قبرص، أودع لبنان خطاً خاصاً به يبدأ في النقطة 23 الأكثر جنوباً. وعندما أقامت إسرائيل مناقصات لمكامن غازية في مياهها الاقتصادية، أخذت في الحسبان الخلاف ولم تتطرق في المناقصات إلى المنطقة الواقعة بين النقاط 1 و23.

في العام 2013، وأثناء مفاوضات غير مباشرة بين الدولتين، أزاح اللبنانيون طلباتهم بخصوص الخط إلى نقطة أكثر جنوباً، بصورة أضافت لمنطقة الخلاف 1450 كيلومتراً مربعاً أخرى، وطالب بملكية أيضاً على حوالي نصف خزان الغاز الإسرائيلي (كاريش). في الفترة نفسها، عرض الأميركيون اقتراحاً توافقياً تطرق إلى منطقة الخلاف الأصلية، 850 كيلومتراً مربعاً، وأرادوا تقسيمه بصورة متساوية تقريباً، 55 في المئة للبنان و45 في المئة لإسرائيل. فشلت الجهود الأميركية. عدّدت إسرائيل ما لا يقل عن سبع تغييرات في الخط الذي رسمه اللبنانيون طوال 13 سنة حتى المفاوضات الحالية.

تجد إسرائيل صعوبة في تفسير الخط المتصلب الذي يعرضه اللبنانيون الآن. أحد التفسيرات هو أن لبنان غير معني حقاً بالاتفاق، بل طلب فقط أن يظهر لإدارة دونالد ترامب بأنه مستعد للتفاوض كي لا يعرض نفسه لخطر التشاجر مع الأميركيين. تفسير آخر يزعم أن اللبنانيين جاءوا بأسلوب البازار الشرق أوسطي، الذي يقول “خذ بقدر ما تستطيع”: سنعرض خطاً متشدداً قدر الإمكان، وفي النهاية سنتنازل بطريقة ما. ربما تكمن أسباب التصلب في الدينامية الداخلية أمام حزب الله الذي اضطر إلى الموافقة على بدء المفاوضات، لكنه غير متحمس تماماً لها الآن. أما إيران فتحافظ على الصمت بصورة مثيرة للاهتمام.

إقرأ على موقع 180  بوتين يُنفّذ خطوته، العالم ينتظر بايدن.. الآن

مشكلة لبنان أن الجمود في المفاوضات يعيق بدء التنقيب عن الغاز، خصوصاً وأنه وقع عقوداً مع شركات فرنسية (توتال) وإيطالية (إيني) وروسية (نوفاتيك). هذه الشركات لن تبدأ بالتنقيب طالما لا توافق عليه إسرائيل. هذه هي أيضاً الرسالة التي نقلت من القدس إلى الشركات المذكورة. وتعتقد إسرائيل أن اللبنانيين قد اجتازوا العقبة الكأداء بمجرد موافقتهم على إجراء محادثات مباشرة حول ترسيم الخط. قرار السماح للغاز بالبقاء في باطن الأرض من دون استخدام لا يبدو منطقياً بنظرة من الجانب الإسرائيلي، خاصة عندما يدور الحديث عن إمكانية كامنة لضخ عشرات مليارات الدولارات في الاقتصاد اللبناني المتعثر.

في الأسبوع الماضي، مكث مندوب أميركي في بيروت، في محاولة لتحديد موعد لاستئناف المفاوضات. ألغى الأميركيون جولة مفاوضات خُطط لها في بداية كانون الأول/ديسمبر الحالي بعد أن تبين لهم حجم الفجوة بين مواقف الطرفين. الخوف الآن هو أنه على خلفية تبدل الإدارات في واشنطن سيتم تجميد المحادثات لفترة طويلة، وبالتالي سوف تتضاءل احتمالات حل الخلاف بصورة ملحوظة.

تقدر إسرائيل أن هناك إمكانية لربح الطرفين اتفاقاً يخدمهما، لكن احتمال ذلك في هذه الأثناء يبدو أقل مما كان يمكن أن يكون عليه في تشرين الأول/اكتوبر الماضي”(…).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مبادرة ماكرون اللبنانية.. أممية بإدارة فرنسية