لم تتردد القوات الأمنية المغربية في التنكيل بالباعة المتجولين وغيرهم من فئات المجتمع الذين اضطرتهم أحوالهم الخاصة إلى خرق قرارات حظر التجول والحجر الصحي، وهو ما يلخص أن السلطات لم تستطع إدارة الأزمة بشكل يحترم حقوق الإنسان، كما تزعم وتدعي. ما حصل “هو استغلال أزمة كورونا للتمادي في انتهاك حقوق الإنسان” كما تقول (خديجة. س) عضو “الجبهة الاجتماعية للهيئات الديموقراطية والتقدمية”، ذلك أن قلة ممن تلقوا دعماً مادياً ومساعدة لمرة واحدة، بأقل عن مائة دولار، “فوجئوا بعدها بارتفاع فاتورة الماء والكهرباء، الشيء الذي أغضب الناس وأدى بهم إلى الاستنكار بالقول: إن الدولة استرجعت ما قدمته باليمنى، بأكثر منه باليسرى”، على حد تعبير الناشطة في الجبهة. لذلك يظل أي حديث عن تقديم السلطات المغربية الدعم النفسي – الاجتماعي، وتوفير خدمات تخفف من العبء النفسي والتصدي لتزايد معدلات العنف الأسري، والآثار الاقتصادية وهلاك الأهل والأقرباء بسبب الإصابة بالفيروس، “موضع هزء وسخرية سوداء عند الناس”!
وقد حذرت المنظمات والهيئات الحقوقية في المغرب بأن حالة الطوارئ الصحية تتحول إلى كارثة على حقوق الإنسان، معتبرة أن “السلطات تستغل الأزمة الصحية وما رافقها من أجواء الرعب السارية لدى المواطنين، بسن وفرض تدابير طارئة لا تراعي مبادئ حقوق الإنسان، بل تحد من الحريات الفردية والعامة، وتلاحق الصحفيين وفاضحي الفساد”.
وعلق ناشط حقوقي من الرباط بالقول إن إفتقاد المغرب وباقي دولنا العربية للإبتكارات العلمية للمساهمة في التصدي للفيروس “يجري التعويض عنه بإبتكار ما يساهم في ضرب حقوق الإنسان، وتقييد حرية التجول ومنع التجمع والحركة وإغلاق المحلات التجارية ومطاردة الباعة المتجولين، وتضييق الخناق على الخصوم السياسيين، ونشر المعلومات المضلّلة”، مُشككاً بالإحصائيات اليومية حول انتشار الوباء وأعداد الوفيات واصفاً أرقامها “بعدم الشفافية”، ويقول إن الحصيلة “أفظع مما تنشر الجهات الرسمية”.
كل ذلك يؤدي إلى فقدان إيمان المواطن المغربي بالسياسة والانتخابات والمؤسسات الديمقراطية، ويزيد من إضعاف ثقة الناس بجهاز الأمن والشرطة، بعد أن وجدوا أنفسهم مطالبين بتقديم رشاوى إلى شرطة المراقبة، عندما لا تكون بحوزة بعضهم تراخيص السماح بمغادرة بيوتهم والتجول، ما حوّل عدداً من رجال الشرطة إلى فاسدين ومرتشين يسيئون استخدام السلطة.
تجسس وتطبيع وما بينهما
في مقلب آخر لتداعيات كورونا على ملف حقوق الانسان، ترددت على مواقع التواصل الاجتماعي عبارة تم تداولها إعلاميا على مستوى واسع في الأيام الأخيرة، تقول الآتي: “بدأ المغرب سنة 2020 بإسرائيل وختمها كذلك بإسرائيل”، في إشارة إلى ما عرف بـ”قضية تجسس” على الصحافيين والنشطاء باستعمال برامج تجسس إسرائيلية. وانتهاء بإعلان التطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء الغربية.
وسبق أن تحدثت تقارير إعلامية مختلفة عن إقدام المخابرات في المغرب على استخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” الإسرائيلي، للتجسس على عشرات الناشطين والمعارضين المغربيين، من خلال اختراق هواتفهم ومن خلالهم التنصت على مئات المعارضين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين في البلاد العربية ومناطق أخرى من العالم.
وكان من أبرز من اتهموا بالتجسس في هذا الإطار الصحفي عمر الراضي، الحقوقي فؤاد عبد المومني، الصحفي أبو بكر الجامعي، الصحفي والباحث الجامعي عبد اللطيف الحماموشي، المؤرخ المعطي منجب، إلى جانب مسؤولين في جماعة “العدل والإحسان” المحظورة، وهم حسن بناجح، محمد حمداوي، عبد الواحد متوكل، وأبو الشتاء مساعف. ورفض جميع هؤلاء النشطاء “الانتهاك الصارخ لخصوصياتهم والاعتداء على حقوقهم الأساسية”.
تحدثت تقارير إعلامية مختلفة عن إقدام المخابرات في المغرب على استخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” الإسرائيلي، للتجسس على عشرات الناشطين والمعارضين المغربيين، من خلال اختراق هواتفهم ومن خلالهم التنصت على مئات المعارضين والنشطاء الحقوقيين والصحفيين في البلاد العربية
الراضي.. وأمنستي
وكان من بين تداعيات هذه الوقائع، هجوم السلطات المغربية على منظمة العفو الدولية (أمنستي)، التي بادرت إلى تعميم تقرير جاء فيه أن المغرب “تجسس” على هاتف الصحفي الاستقصائي المغربي عمر الراضي الذي اشتهر بانتقاده لسجل حقوق الإنسان في المغرب. ولم تتأخر الحكومة المغربية في نفي مضمون تقرير منظمة العفو الدولية وطالبتها بالأدلة. وزادت باتهام المنظمة الحقوقية “بالتحامل الممنهج والمتواصل منذ سنوات ضد مصالح المغرب”.
وعاد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني لتأكيد رفضه لما ورد في تقرير منظمة “أمنستي” من خلال تغريدة نشرها على صفحته الرسمية.
بعد توقيف عمر الراضي وتقديمه للمحاكمة، تم الإفراج عنه في المرحلة الاستئنافية ليتابع في حالة سراح، قبل أن يعتقل مجددا بتهمة “الاغتصاب”، وهذه التهمة، يقول نشطاء حقوق الإنسان “أضحت جاهزة لكي تُشهر بوجه الخصوم السياسيين بالمملكة”. ولا يزال الراضي في سجن عكاشة بالدار البيضاء، ومحاكمته لم تنته بعد.
أيضاً تم اعتقال الصحفي سليمان الريسوني بتهمة جنسية، وللتذكير فإن صاحب “أخبار اليوم” توفيق بوعشرين، التي يرأس تحريرها الريسوني، أدين، بعد محاكمة طويلة، باثنتي عشرة سنة لاتهامه بتهم جنسية تضمنت “جريمة الاتجار في البشر”.
سياسة وجنس وفيديو
في الأشهر الأخيرة من سنة 2020، طفت على السطح “فضيحة إعلامية جديدة، لمّا أقدم موقع “شوف تي في” على نشر فيديو فاضح ظهر فيه المحامي محمد زيان وهو رئيس الحزب المغربي الحر، ومعه ضابطة شرطة معزولة، اسمها وهيبة خرشيش تجفف جسده العاري بالكامل وهو يحثها أن “تمسح مزيان” (أي جيداً). وقال الموقع أن الفيديو التقط بفيلا مخصصة للدعارة معروفة بالرباط، ما أثار ضجة كبيرة، واتضح أن الفيديو صور بغرفة فندق على ضفاف نهر أبي رقراق الذي يفصل العاصمة عن مدينة سلا، وظهرت الضابطة وهيبة التي اضطرت بعد إغلاق الحدود في وجهها، إلى مغادرة المغرب عبر مليلية المحتلة سيرا على الأقدام برفقة صغيرتها، ومنها إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة لتؤكد أن الفيديو مفبرك وأنه تم اختراق حريتها الخاصة وتصويرها داخل غرفة فندق “الدوليز” هي وابنتها الصغيرة. وتم التساؤل عمن صور الفيديو وسلمه لموقع “شوف تي في”.
وفي الأسبوع الأخير، قررت وزارة الداخلية متابعة محمد زيان قضائيا، تبعا “للاتهامات الخطيرة التي أدلى بها في حق مؤسسة وطنية”. التهم الموجهة إليه لخصها بلاغ الوزارة الذي بثته وكالة الأنباء الرسمية وهي: “الترويج لاتهامات وادعاءات باطلة، وإهانة موظفين عموميين بسبب قيامهم بوظائفهم وإهانة هيئة منظمة، وبث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة والتشهير”. ويقول أحد وكلاء الدفاع عن زيان إن التهم “مدبرة وموجهة” لعزله وطرده من صفوف “الحزب المغربي الحر” الذي هو مؤسسه وأمينه العام.
يذكر أن زيان سبق له أن تحمل حقيبة أول وزارة لحقوق الإنسان في المغرب في عهد الحسن الثاني وكان مقربا من وزير الداخلية القوي إدريس البصري، واشتهر بلقب “محامي الدولة” لما وكلته الحكومة للترافع ضد المناضل النقابي البارز محمد نوبير الأموي عام 1993. لكنه انقلب إلى الضفة الأخرى وأصبح يلاحق السلطة عن تبديد وسرقة ثروات الشعب المغربي، وعن مآلات مداخيل الصيد البحري ومناجم الفوسفات والذهب وغيرها من الثروات.
قاموس “الوضع الكوروني” مستمد من لغة القمع والاستبداد، مثل: القيود الاحترازية، حالة الطوارئ، الحجر، إغلاق المؤسسات، التعقيم، الترخيص، تشديد إجراءات محاصرة تفشي الفيروس، وغيرها من العبارات الدالة
غسيل أموال لتبييض وجه القمع
وحتى آخر أيام السنة الفائتة، توالت الانتهاكات المسجلة في حقوق الإنسان بالمغرب. لكن آخرها الذي يتابعه الرأي العام المحلي والدولي، هو توقيف المؤرخ والأستاذ الجامعي المعطي منجب من وسط مطعم بالعاصمة يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2020. والتهمة هي “غسيل أموال” حسب مصدر قضائي. وقصة المعطي منجب (60 سنة) قصة قديمة تعود إلى سنة 2015، إذ يلاحق المعطي منجب في ملف مفتوح منذ 2015، حينما توبع صحبة ستة نشطاء حقوقيين وصحفيين (لجأ اثنان منهما إلى الخارج)، ولا تزال محاكمتهم مفتوحة منذ ذلك الحين، بتهم “المساس بأمن الدولة”، وارتكاب مخالفات مالية، على صلة بمركز الأبحاث “ابن رشد”، الذي كان يديره المعطي منجب.
وقد سارع المؤرّخ المعروف بدفاعه عن قضايا حرية التعبير إلى تأكيد براءته من التهم المالية، معتبرا أن الهدف من هذه الملاحقة يتمثل في “معاقبتي” على مقال صحفي “أشرت فيه إلى دور المخابرات الداخلية في قمع المعارضين وتدبير الشأن السياسي والإعلامي بالمغرب”.
استبعاد الأمل
“لقد عرى الوباء هشاشة النظام الصحي والاجتماعي في المغرب، وكشف في الوقت نفسه أن الدولة التي اتبعت إجراءات الحجر الصحي بشأن كوفيد 19، تعمل للحد من الحريات العامة وخنقها، وتنتهج أسلوب “مناعة القطيع”، فمن يفلت من قمعها يكون قد نجا”، كما صرح ناشط سياسي من فيدرالية اليسار الديمقراطي المعارضة.
لا يبدو في الأفق القريب أن المغرب سيتجاوز أزمته الحقوقية، خصوصا وأن معتقلي “حراك الريف” لا يزالون يقبعون في السجون بأحكام قاسية تصل إلى 20 عاما، على خلفية حراك الحسيمة شمال المملكة، وحراك جرادة في شرقها.
ويؤكد نشطاء حقوقيون ان استهداف حرية التجمع والتظاهر السلمي، بمنع الاحتجاج ضد التطبيع مع إسرائيل. وتبني المقاربة الأمنية والقمعية في مواجهة مختلف الحركات الاحتجاجية للمواطنات والمواطنين المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية مستمر ويشكل خطراً على الديموقراطية.
ووفق تصريح للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن الحركة الحقوقية تعاني بدورها من التضييق، حيث يتعرض عدد كبير من أعضائها للمتابعات القضائية والاعتقال والاعتداءات الجسدية من طرف القوات العمومية والتشهير بهم في الإعلام الموالي للسلطة.
قاموس استبدادي لكورونا
إن تطبيق “الحجر الصحي” بسبب كورونا، لا يمكن موازاته، مهما كان، بفرض تطبيق حجر على الديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصا أن العالم بات يعيش تحت سماء مكشوفة، لا تمنح كل أطراف المجتمع الدولي سوى أن عليها واجب الالتزام بحقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية والمبادئ الديمقراطية، والسماح للمجتمع المدني ووسائل الإعلام والمعارضة بلعب أدوارها الحاسمة في المجتمع.
لكن قاموس “الوضع الكوروني” مستمد من لغة القمع والاستبداد، مثل: القيود الاحترازية، حالة الطوارئ، الحجر، إغلاق المؤسسات، التعقيم، الترخيص، تشديد إجراءات محاصرة تفشي الفيروس، وغيرها من العبارات الدالة.
ما يخشى منه، أن “تنزع الخطابات السياسية إلى تأكيد الطابع الاستثنائي لحالة الطوارئ. لأن ما يجري في المقابل هو إدخال تغييرات في القانون ليست مؤقتة”، كما أكدت ذلك أستاذة القانون العام والدستوري في جامعة السوربون الدكتورة لورولين فونتين، ضاربة لنا المثل من فرنسا التي تمضي حالة الطوارئ بها “لتشبه إلى حد كبير حالة الطوارئ الأمنية”، التي أسست لتغييرات “مستدامة وثابتة”.
ما شاهدناه يوم الجمعة الماضي في البيت الابيض من تقليد وسام الاستحقاق المغربي برتبة “القادة العظام” قلّدته سفيرة المغرب في واشنطن الاميرة لالا جمالة العلوي إلى دونالد ترامب، باسم ملك المغرب، أعطى الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته شهادة في حقوق الإنسان فيما يتمنى معظم العالم دخوله السجن