لا نريد التقليل من أهميّة لقاح وعمل “فايزر” و”بيونتيك”، ولكنّ وكما أسلفنا في مقالات سابقة، هو اللقاح الأصعب لوجستيًا لناحية التعامل معه (تحديداً الحفاظ على درجة حرارته في مرحلتي النقل والتخزين)، ونحن في بلد يعيش على حافة الهاوية في كلّ شيء تقريبًا، ولا نفتّش أبدًا على الخيارات الأنسب لنا، أقلّه لاستعادة جزء من الحياة المتوقفة في البلاد.
ولأجل إستعادة جزء من هذه الحياة ومن الدورة الاقتصادية، لا بدّ من التفتيش، بالفعل لا بالقول فقط، عن بدائل للقاح “فايزر” المنتظر، فالدولة أبرمت عقدًا بقيمة 22 مليون دولار (4 ملايين من البنك الدولي و18 من الخزينة اللبنانية) لشراء حوالي 1،570،000 (مليون وخمسماية وسبعون ألف) جرعة لقاح “فايزر” على أن تقدّم الشركة حوالي الـ 600،000 ألف (ستماية ألف) جرعة إضافية مجانية للنازحين السّوريين في لبنان، ما يعني بالتالي تلقيح حوالي 1،085،000 شخص بين مواطن ومقيم (جرعتان/شخص). وإذا نجحت مبادرة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بالحصول مجانًا على مليون لقاح صيني (تلقيح نصف مليون لبناني)، ماذا عن بقية أفراد الشعب للوصول إلى نسبة 60% من أجل تحقيق جزء جيّد من المناعة المجتمعية؟
المطلوب أولًا من الحكومة أن تغادر حالة الإنتظار والإفتقاد إلى المبادرة. يمكننا تنويع الخيارات والخروج من صندوق العجائب الخاص بتجار الدواء في لبنان، فلقاح “فايزر” له وكيل في لبنان وهي شركة الأغذية والأدوية FDC التي تستحوذ أصلًا على 5% من سوق الدواء اللبناني (ثمة حديث رسمي عن وصول عشرة آلاف لقاح من “فايزر” إلى لبنان خلال الأسبوع الطالع، وستكون مخصصة لموظفي هذه الشركة وعائلاتهم).
لم تعد المشكلة في إيجاد تركيبة اللقاح بل في الإنتاج المكثف وآليات النقل والتخزين، ويمكن الاستنتاج إذًا منذ الآن أنّ اللقاحات لن تصل إلى لبنان في المواعيد المضروبة أي في الأسبوع الأول من شباط/ فبراير أو ربما حتى في كلّ شهر شباط/ فبراير المقبل
إذًا من يخاف من دخول شركات منافسة على سوق الدواء المُحتَكر ومن يريد تحقيق الأرباح في عزّ الجائحة وحاجة الناس للقاح وعلاج يقيهم شرّ انقطاع الأنفاس؟
إنها الشركات التي تحتكر سوق الدواء والتي ستحاول إقفال كل المنافذ بوجه الشركات المنافسة وتحديدًا الصينية والروسية والآسيوية (الهندية).
وإذا كانت وزارة الصحة تأمل بوصول لقاح “فايزر” في شهر شباط/ فبراير المقبل، بالحد الأقصى، فإن الأخبار الآتية من مصانع شركة “فايزر” في أوروبا (بلجيكا) تشي بتأخير تسليم اللقاح إلى أوروبا لمدة أسبوع واحد على الأقل، وذلك بسبب “تعديلات على آليات الإنتاج” في مصنع “بورس” البلجيكي، ستسمح برفع قدرات التسليم اعتبارا من 15 شباط/ فبراير، كما جاء في بيان الشركة اليوم (الأحد)، وهذا ما كان واضحًا في الأيام الماضية فلم تعد المشكلة في إيجاد تركيبة اللقاح بل في الإنتاج المكثف وآليات النقل والتخزين، ويمكن الاستنتاج إذًا منذ الآن أنّ اللقاحات لن تصل إلى لبنان في المواعيد المضروبة أي في الأسبوع الأول من شباط/ فبراير أو ربما حتى في كلّ شهر شباط/ فبراير المقبل.
ولا بدّ من الذكر أنّ الهند أطلقت اليوم (الأحد) حملة التلقيح الأكبر في العالم بالاعتماد على ثلاثة لقاحات، لقاحان محلّيان وثالث من الصين وتهدف منها تحصين 300 مليون إنسان، كما يتمّ في العالم يوميًا تلقيح 2،41 مليون شخص يوميًا ووصل العدد الكلّي إلى حوالي 40 مليون محصّن، وبلغت نسبة السكان الحاصلين على اللقاح حوالي 18%، بعد أن كانت 13% قبل حوالي الأسبوع.
يستوجب ذلك من لبنان الإسراع أكثر وأكثر، فلقد تأخرنا كثيرًا، وانطلاق عملية التلقيح اليوم لن يتيح فتح البلاد في اليوم التالي، فأقلّه جسمنا بحاجة إلى حوالي الشهر لإنتاج ما يكفي من الأجسام المضادة، ما يعني أن أخذ الجرعة الأولى والثانية لن يتيح خلع الكمامة قبل انقضاء الشهر ولكن سيتيح تحصين المجتمع في الفترة المقبلة بشكل أكيد، وهنا يجب أن نعرف أنّ جرعات اللقاح ليست عصا سحرية بل هي تحفز الجسم على بناء مناعته الخاصة وهذا ما يحتاج بعض الوقت.
وعليه، علينا التفكير في كيفية تنويع الخيارات والخروج من دائرة المراوحة والتراتبية البيروقراطية القاتلة والمملة. نعم لقد قتلتنا، فعلًا لا تشبيهًا، هذه البيروقراطية مرات ومرات، وآخرها في الرابع من آب/ أغسطس 2020، والآن هناك العشرات من أجهزة التنفس قابعة بين المرفأ والمطار بانتظار المعاملات الإدارية اللازمة لإخراجها والتي طبعًا لن تنتهي قبل يوم غدٍ الإثنين، فلا دوام إداريًا ولا حالة طوارئ ولا شيء يدفع هذه السلحفاة اللبنانية للتحرّك أسرع.
ما سبق مخيف حقًا، ولكن لا نبتغي التخويف ولا العدمية بل الدفع نحو التفكير أبعد من الخيارات المطروحة على الطاولة وكأنّها قدر أو كتاب سماوي حرام المس بحروفه وكلماته، “موديرنا”، “أسترا زينيكا” (أوكسفورد)، “سينوفارم”، “سينوفاك”، و”سبوتنيك 5”. لما لا، ما الذي يمنع؟ من هي شركات الدواء الأقوى من الدولة؟ ولماذا البيروقراطية أقوى من مصالح الشعب ومن صحة الناس؟
الجدير ذكره أن لبنان تخطى اليوم (الأحد) عتبة الربع مليون إصابة في كورونا، وبلغ عتبة الألفي حالة وفاة.