قال مصدر ديبلوماسي عربي إن العلاقات بين الرياض وأبو ظبي “فاترة” منذ نحو سنة، ويشير الديبلوماسي نفسه إلى أسباب عديدة، بينها إدارة ملف حرب اليمن، فالإمارات تدعم علناً المجلس السياسي الجنوبي، أحد أبرز رموز الحراك الجنوبي الداعي إلى فصل جنوب اليمن عن شماله ويشكل أكبر تحدٍ لحكومة الرئيس عبد ربه هادي وكان يسعى إلى منعها من الإستقرار في عدن.
ويضيف أن السعودية “لم تكن، في السابق، تبدي إمتعاضها من التأييد الإماراتي للإنفصاليين الجنوبيين إلا أحياناً، وذلك حرصاً على إستمرار مشاركة أبو ظبي في حرب اليمن، وكذلك حتى تبقي على “متانة” علاقتها بالرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الذي تربطه علاقات شخصية ودية مع ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد.
وعملت السعودية قبل شهرين على الضغط على المجلس السياسي الجنوبي من أجل تنفيذ إتفاق الرياض بينه وبين الحكومة الشرعية للرئيس هادي، فدفعت بإتجاه تشكيل الحكومة ومن ثم إنتقالها إلى عدن للإستقرار والعمل إنطلاقاً من العاصمة الثانية لليمن، غير أن هذه الخطوة السعودية لم تكن موضع ترحيب في أبو ظبي.
ويقول ديبلوماسيون خليجيون إن الإمارات إستاءت من قرار السعودية بمصالحة قطر وفك الحصار عنها وإعادة العلاقات الديبلوماسية معها، ولم تكتف الرياض بذلك، بل قررت أن ينسحب ذلك أيضاً على الإمارات ومصر والبحرين، وبرغم ذلك، قررت أبو ظبي مسايرة الرياض، علماً أن دولتي الإمارات والبحرين لم تعلنا رسمياً حتى الآن عن إعادة علاقاتهما مع قطر.
ويعتقد ديبلوماسيون خليجيون أن الأمر الأخير الذي “أغاظ” الإمارات، هو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي إستضاف وترأس “قمة العلا” الخليجية الشهر الماضي، خصّ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بترحيب مميز لم يحظ به رؤساء الوفود الآخرين، ومنهم رئيس وفد الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائي رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحاكم دبي.
تعمل السلطات السعودية حالياً على الإنتهاء من تجهيز مبنيين كبيرين في حي السفارات بالرياض من أجل أن تنقل إليهما استديوهات وإدارات الفضائيتين السعوديتين “العربية” و”الشرق” (بلومبرغ) اللتين تعملان حالياً من دبي
وجرت العادة في دول الخليج التدقيق في التفاصيل البروتوكولية، فأي تصرف لأي حاكم ومسؤول له دلالته ويندرج في هذه الخانة الترحيب الذي خصّ به ولي العهد السعودي ضيفه أمير قطر، في إشارة واضحة إلى أن الرياض مهتمة جداً بإستعادة علاقتها مع قطر في المرحلة المقبلة، وهذه المرة على حساب محمد بن زايد الذي لم يزر السعودية منذ عدة أشهر، حسب المراقبين لمسار العلاقات السعودية الإماراتية.
ومن مظاهر السعي السعودي للتمايز عن أبو ظبي، تعمل السلطات السعودية حالياً على الإنتهاء من تجهيز مبنيين كبيرين في حي السفارات بالرياض من أجل أن تنقل إليهما استديوهات وإدارات الفضائيتين السعوديتين “العربية” و”الشرق” (بلومبرغ) اللتين تعملان حالياً من دبي.
ويعترف إعلامي سعودي مخضرم أنه يتواجد في بعض أجهزة الإعلام المحسوبة على السعودية العاملة في الإمارات والخارج إعلاميون سعوديون يتبعون التوجهات السياسية للإمارات، لذلك كان هؤلاء أشد عداء من السعودية في مرحلة العداء لقطر.
ويقول ديبلوماسي سعودي سابق في الرياض إن الرياض تشعر أن الإمارات ذهبت بعيداً في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، صحيح أن المملكة – حين أبلغتها أبو ظبي بنيتها تطبيع العلاقات مع إسرائيل لم تعترض أو تتحفظ – إلا أنها متفاجئة من الإندفاع الإماراتي الشديد نحو إسرائيل.
واكتشفت السعودية أن عشرات الإسرائيليين يزورون الإمارات ثم يأتون إلى المملكة بجوزات سفر أميركية أو غير أميركية.
ويضيف الديبلوماسي السعودي السابق “صحيح أن هناك ميلاً عند البعض في إدارة الحكم بالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب الضغوط التي مارسها ترامب ومستشاره وصهره جاريد كوشنر إلا أن الرياض وجدت أن الإسرائيليين يسعون نحو تطبيع العلاقات مع المملكة من دون أي ثمن مقابل لمصلحة القضية الفلسطينية، الامر الذي جعلها تفرمل خطواتها في هذا الاتجاه”. زدْ على ذلك موقف الملك سلمان الذي يجاهر به علناً بتمسكه بقضية فلسطين.
ويلاحظ الديبلوماسي نفسه إختفاء أصوات بعض السعوديين الذين كانوا يروجون للعلاقات مع إسرائيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، مشيراً إلى وجود قرار بمنع أي سعودي من زيارة إسرائيل.
ويعتقد مراقبون سياسيون في الرياض أن الفرملة السعودية لخطوات التطبيع حصلت بعد فشل اللقاء الذي أعلنت إسرائيل أنه عقد بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منطقة نيوم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
والدليل على فشل اللقاء أن مكتب نتنياهو هو من سرب خبر اللقاء “لإحراج ولي العهد السعودي”، والأهم أنه بعد أسبوعين من اللقاء، هاجم تركي الفيصل رئيس الإستخبارات السعودية السابق – له رأيه الوازن برغم تقاعده – إسرائيل خلال مؤتمر إقليمي في المنامة، ووصفها بـأنها “قوة إستعمارية غربية”.
ويرى مسؤولون خليجيون أن دولة الإمارات حتى ولو إستاءت من بعض الخطوات السياسية السعودية لا تستطيع أن تختلف مع المملكة ولا تريد ذلك، لذا فهي ستعمل على إبقاء حبال الود ممدوة مع الرياض حتى ولو أرادت الأخيرة الافتراق سياسياً عنها.