وقال البيان السعودي الصادر عن وزارة الخارجية إن ما تضمنه التقرير الأميركي “هو استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة لا يمكن قبولها بأي حال من الاحوال ونرفضها رفضاً قاطعاً”.
وكان الخاشقجي قد قتل في القنصلية السعودية في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وتمكن الأميركيون من إجراء تحقيق إستخباراتي لكنهم إحتفظوا به لمدة سنتين، إلى أن قرروا الإفراج عن جزء منه أمس (الجمعة).
ويعبّر الغضب السعودي من التقرير عن “قلق شديد” إزاء إجراءات قانونية قد تتخذها ادارة الرئيس جو بايدن مستقبلاً ضد ولي العهد الامير محمد بن سلمان الذي اتهمه التقرير الإستخباراتي الاميركي بانه وافق على عملية اختطاف وقتل الخاشقجي.
ويأمل السعوديون ان تبقى الاجراءات الاميركية العقابية عند حد فرض اجراءات عقابية ضد 76 شخصا هم الذين يتهمهم التقرير بان لهم علاقة بالجريمة والذين قررت وزارتا العدل والخزانة في الولايات المتحدة معاقبتهم.
ويراهن المسؤولون السعوديون على ان للولايات المتحدة في السعودية مصالح استراتيجية عسكرية (قواعد وتسهيلات)، واقتصادية (عقود وصفقات دفاعية وغير دفاعية بمئات مليارات الدولارات) وسندات مالية واستثمارات تقدّر بمئات المليارات من الدولارات، ويؤكدون ان هذه المصالح تجعل من السعودية حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة وليس شريكاً وصديقاً فقط.
هذا المناخ عبّر عنه بيان وزارة الخارجية السعودية بتأكيده على “متانة علاقات الشراكة القوية مع الولايات المتحدة”، متمنياً استمرار”الاسس الراسخة التي شكلت اطارا قويا لشراكة البلدين الاستراتيجية”.
ونشط المعلقون السياسيون السعوديون – الذين بالعادة يعبرون عن موقف ولي العهد ويأمرهم بها مستشاره سعود القحطاني الذي لازال محتفظا بنفوذه في الديوان الملكي- للظهور على الفضائيات العربية والأجنبية للإدلاء بدلوهم والتشديد على أن التقرير لن يؤثر على متانة علاقات الشراكة الاستراتيجية، وأشار العديد من المعلقين إلى أن تاريخ العلاقات السعودية الأميركية مر بأزمات كانت آخرها الازمة مع ادارة الرئيس الاميركي الاسبق باراك اوباما عام 2014، وتم تجاوزها حين حضر اوباما إلى الرياض في شهر آذار/ مارس عام 2014 خلال حقبة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز.
متحفظون على إدارة ملف العلاقات بين واشنطن والرياض، يرون أن المملكة “رهنت نفسها للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”. ويرى هؤلاء ان المملكة “لم يعد لديها النفوذ السياسي الوازن” في الولايات المتحدة او غيرها، بقدر ما لديها من نفوذ مالي لن يكون له أي تأثير سياسي قوي
في تلك الازمات، كانت الرياض تسعى للتعامل مع واشنطن من موقع متوازن، وكانت تستفيد من وجود شخصيات سعودية لها ثقلها الوازن عربياً وإسلامياً ودولياً يجعل اية ادارة اميركية “تحسب لها حساباً”، وهذا الأمر يطرح السؤال الآتي: أين القيادة السعودية الحالية من تلك الوجوه والشخصيات الكاريزماتية ولا سيما في الحقل الديبلوماسي؟
سؤال يطرحه متحفظون على إدارة ملف العلاقات بين واشنطن والرياض، وهم يرون أن المملكة “رهنت نفسها للولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”. ويرى هؤلاء ان المملكة “لم يعد لديها النفوذ السياسي الوازن” في الولايات المتحدة او غيرها، بقدر ما لديها من نفوذ مالي لن يكون له أي تأثير سياسي قوي لا في الولايات المتحدة ولا في غيرها من الدول.
ربما تستطيع السعودية ان تستبدل بعض صفقات وعقود شراء الاسلحة الاميركية، بعقود مع دول اخرى (اوروبية أو غيرها مثل روسيا والصين)، لكن اتباع ولي العهد السعودي سياسة أحادية بربط مصالح المملكة وسياساتها بالولايات المتحدة خلال حقبة ترامب، ستجعل الرياض غير قادرة على التأثير على القرار الاميركي حالياً لا سيما في ظل ادارة جديدة لا تكن الود للأمير محمد بن سلمان الذي ربط نفسه بعلاقة شخصية خاصة مع الرئيس السابق ترامب وصهره جاريد كوشنير.
طبعاً السعودية ليست قلقة إزاء إحتمال تخلي الولايات المتحدة عن تعهداتها بحماية أمن السعودية، براً وبحراً وجواً، من أية هجمات عسكرية او مخاطر تتهددها، وهذا ما أكدت عليه الادارة الاميركية الجديدة مراراً، وما يشير اليه اتصال وزير الدفاع الاميركي بولي العهد السعودي – بصفته وزيرا للدفاع في السعودية – ولو أن الإتصال يحمل في طياته إشارة إلى أن العلاقة مع ولي العهد ستقتصر فقط على الشأن العسكري من موقع الأخير على رأس وزارة الدفاع.
واعلان جو بايدن انه سيتكلم فقط مع العاهل السعودي الملك سلمان وليس مع ولي عهده يؤكد انه لن تكون العلاقات الاميركية ودية مع الامير بن سلمان، ولا شك ان هذا الأمر يزعج ولي العهد السعودي الذي يرى ان نشر تقرير المخابرات الاميركية الذي اتهمه بإعطاء الأمر باختطاف الخاشقجي وقتله هو موقف موجه ضده من الإدارة الديموقراطية الجديدة.
ولوحظ ان صحيفة “عكاظ” السعودية المحسوبة على ولي العهد، نشرت مقالاً لأحد معلقيها السياسيين (قبيل صدور التقرير الأميركي) يتهم بايدن وادارته بـ”التراخي في التعامل مع ايران”، وكتب المعلق السعودي فهيم الحامد “ان ادارة بايدن تتعامل مع الملف النووي الايراني بنفس تعامل ادارة الرئيس اوباما، ان لم يكن بتراخ اكثر”، وحذر من أن هذا المسار سيجعل إيران “الذراع الأقوى في المنطقة العربية”. وانتقدت الصحيفة قيام بايدن بتغيير استراتيجية الولايات المتحدة بشأن اليمن، سواء بإلغاء قرار ترامب بوضع الحوثيين على قائمة الارهاب أو لناحية سحب الدعم الاميركي للحرب في اليمن، وقالت ان هذا التغيير خلط الاوراق في اليمن”.
وبرغم ان الادارة الاميركية لم تعلن حتى الان عن اية عقوبات ستفرضها على ولي العهد السعودي الا ان الرياض تشعر ان تلك المواقف الاميركية “غير الودية” من بن سلمان “سترتد سلباً ليس على علاقته بالولايات المتحدة بل بكل المنظومة الغربية، إلا إذا كان المطلوب دفعه دفعاً بإتجاه المحور الروسي أو الصيني”، يقول مسؤول سعودي سابق.
ماذا على الصعيد الداخلي؟
يمكن القول إن الولايات المتحدة غير قادرة على التدخل في الشأن الداخلي السعودي بشكل يؤدي الى تغيير معادلة وراثة العرش لمصلحة ولي العهد السعودي، ولكن ادارة بايدن “لن تعمل على حماية الامير بن سلمان من اي محاولة لتغييره من داخل الاسرة الحاكمة، إذا إنبرى داخل الأسرة من يدعي القدرة على فعل ذلك”.
وقال ديبلوماسي عربي مخضرم في الرياض ان الامير محمد بن سلمان “يهمه الوضع الداخلي قبل اي شيء اخر”، ويضيف :”من تمكن من كسب المواطنين السعوديين لا سيما الشباب والنساء، سيجعل الداخل السعودي حصانة له في مواجهة التأثيرات الخارجية”.
الجدير ذكره أن ما يسمى “الذباب الالكتروني” عمد إلى نشر “هاشتاغات” متعددة تدافع عن بن سلمان، ولا سيما هاشتاغ “لهم الظن ولنا محمد بن سلمان”، وطبعا استخدام كلمة “الظنون” في العنوان كان متعمدا للقول “إن بعض الظن اثم”.