لقاحات كورونا: أين لبنان من عدوه.. “إسرائيل نموذجًا”!

بنيامين نتنياهو الطامح لرئاسة الحكومة بديلاً لإحتمال السجن، إعتمد في حملته الانتخابية على سلاح كورونا، مؤكداً أنّ "إسرائيل" ستعطي دروسًا للعالم بكيفية التلقيح والتخلّص من المرض بسرعة قياسية، قبل إنتقالها إلى مرحلة تصدير اللقاحات شرقاً وغرباً.

منذ أن بدأت الشركات والمختبرات الدوائية والعلمية العالمية بتطوير اللقاحات المفترضة أو الأدوية، عقدت سلطات الاحتلال معها إتفاقيات أولية ودفعت أموالًا أكبر على الدراسات، بل وأثماناً أعلى للقاحات (28 $ للجرعة مقابل 15 $ للجرعة في الاتحاد الأوروبي)، ما دفع بهذه الشركات لتوفير الجرعات اللازمة لـ”إسرائيل” وعقد ما هو أهم وأكبر وهي عقود الدراسات، وهو ما سيأتي لاحقًا.

فقد طلبت الشركات المطوّرة للقاحات من دول العالم صاحبة المكانة العلميّة الجيّدة (للمناسبة، لبنان منها) المشاركة في أبحاث تطوير اللقاحات بإتاحة إجراء التجارب على أراضيها، فوافقت سلطات الاحتلال على منحها أفضلية كبيرة بعكس معظم دول منطقتنا (ومنها لبنان الذي لم يوافق). وقد تمثلت هذه الأفضلية بفتح خطوط إيصال اللقاحات منذ شهر أيار/ مايو 2020 (موعد انطلاق الأبحاث الأولى)، كما أنّهم لم يعقدوا الاتفاقيات مع جهة واحدة كحالتنا، بل تعدّدت مع الشرق والغرب وأثمر هذا بأنّ “إسرائيل” سوف تصل بعد 35 يومًا فقط إلى تلقيح نسبة تقارب الـ100% بالجرعة الثانية للمقيمين على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولكن طبعًا ما سبق لا يعني أبدًا التعامل مع الشعب الفلسطيني بالطريقة نفسها، لناحية توزيع اللقاحات، فدولة الاحتلال تمتلك، اليوم، ما يفيض عن حاجتها من أعداد الجرعات ولكنّها وبرغم كلّ الاتفاقيات مع السلطة الفلسطينية في رام الله لا تقوم بتسليمها ما يكفي من اللقاحات، حيث قامت في بداية شهر شباط/ فبراير الفائت بتسليم 2000 جرعة من لقاح “موديرنا” فقط إلى السلطة الفلسطينية، وهنا يبقى الشعب الفلسطيني متروكًا أمام الوباء للمنظمات والمنصات الدولية COVAX التي سيتمّ تأمين اللقاحات في الآتي من الأيام عبرها، مع ما يعتري هذه العملية من لا عدالة.

أمّا لناحية الدراسات، فلا بدّ من أخذ العلم أنّها تجري معظمها في الأراضي المحتلة، ومنها على سبيل المثال: فعالية الجرعة الواحدة من لقاح “فايزرـ بيونتك”؛ إمكانية تلقيح من هم دون الـ 16 عامًا؛ دراسة نسب انتشار المرض كما فعالية اللقاحات على الفيروسات المتغيّرة من فيروس كورونا المستجد.

ما سبق ما كان من الممكن أن يتمّ لولا أن “إسرائيل” استطاعت تلقيح نسبة عالية توشك أن تقارب الـ 100% من شعب متعدّد الأعراق والأجناس. كما أبرمت “إسرائيل” إتفاقاً مع شركة “بفايزر ـ بيونتيك” يقضي بأن تزودها ببيانات حول التطعيم الأسبوعي: أرقام العدوى، التطعيم باللقاحات، المعلومات الديموغرافية (العمر والجنس تحديدًا)، من دون ذكر هوية الشخص، وهذه “الداتا” تعتبرها شركات الأدوية أثمن من المال نفسه، وتعهدت بموجبها أن تزود “إسرائيل” باللقاحات حتى تحقيق مناعة القطيع مع تلقيح حوالي 95% من “الإسرائيليين”.

وحقيقة أن “إسرائيل” تملك فائضًا من اللقاحات (معظم لقاحات موديرنا لم تستخدم وتنتهي صلاحيتها مع نهاية شهر أيار/ مايو المقبل) جعلها تعتمد ما أسمتها “دبلوماسية اللقاحات”، وتتمثل بتقديم آلاف اللقاحات من “موديرنا” إلى نحو 19 دولة بينها هندوراس، غواتيمالا، تشيكيا، قبرص، المجر، سان مارينو، المالديف، إثيوبيا، تشاد، كينيا، أوغندا، غينيا وموريتانيا التي تنتمي إلى جامعة الدول العربية!

المطلوب الآن المصارحة، لا الوعود الفارغة. هناك قطاعات تريد العودة إلى الحياة ولكنّها تقمع وتمنع، هناك من يريد تلقيح موظفيه بالمتاح ولكن الوزارة تصر على سعر ومسار معيّنين، هناك من يريد الاستيراد والبيع في لبنان والوزارة أيضًا لا تريد إخراج الملف من يدها، ربما حتى العام 2029

في لبنان.. مصيبة!

لا زالت الأرقام اللبنانية في الإصابات والوفيات على ثبات مخيف حتى الآن، فهي لا تنخفض لناحية التعداد أو النسب ولا زالت السّياسات المعتمدة هي ذاتها فالسلطة السّياسية في البلاد يبدو وكأنّها تستأنس بالإغلاقات العامة ربما لتوفير الأجور وتخفيف الطلب على الدولار والعملات الأجنبية وكذلك استهلاك الوقود وكأنّ المطلوب إطفاء الأضواء وإغلاق باب هذا الوطن والمغادرة نحو المجهول.

وزارة الصحة اللبنانية لم تسمح حتى الآن للقطاع الخاص باستيراد اللقاحات بغية بيعها للعموم في لبنان (لمن لا يودّ إنتظار دوره)، بل جلّ ما جرى في الاجتماع الذي عقد مع ممثلي هذا القطاع الأسبوع الفائت أنّهم سمحوا لهم بشراء اللقاحات للموظفين لديهم عبر الوزارة بآلية معقّدة جدًا تدافع فيها الوزارة عن شركة فايزر بمنع أي استيراد للقاحات سعرها أغلى من سعر الشركة الأولى.

بالإضافة إلى ما سبق، لا بدّ من الإشارة إلى فوضى التلقيح غير الرسمي الذي يحصل في لبنان، فهناك من استطاع أن يدخل إلى البلاد جرعات من لقاحات أخرى يتمّ توزيعها على المشترين لا المستحقين، والأمر هنا ليس بالمهم فلو تصرّفنا منذ بداية الجائحة بمسؤولية أكبر وفتحنا الأبواب للدراسات، لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، بالوتيرة الحالية لن تنتهي عملية التلقيح الأولى قبل شهر كانون الأول/ ديسمبر 2029!

إقرأ على موقع 180  الإنفجار ـ الفخ: لبنان ساحة صفقات أم تصفية حسابات؟

أمّا المطلوب الآن فهي المصارحة، لا الوعود الفارغة، هناك قطاعات تريد العودة إلى الحياة ولكنّها تقمع وتمنع، هناك من يريد تلقيح موظفيه بالمتاح ولكن الوزارة تصر على سعر ومسار معيّنين، هناك من يريد الاستيراد والبيع في لبنان والوزارة أيضًا لا تريد إخراج الملف من يدها، ربما حتى العام 2029.. أما مافيا الدواء ودورها في هذه وتلك، فحدث ولا حرج!

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  "الإبراهيمية" أو الدين في خدمة المستعمر.. كيف النجاة؟