إسرائيل تتصرف كميليشيا في جنوب لبنان: إقتلوهم كلهم! (41)

يتناول الكاتب رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية" ما أسميت "عملية جمال عبد الناصر" في نهاريا في شمال فلسطين المحتلة عام 1979 والتي شكّلت تبريراً إستندت إليه قيادة المنطقة الشمالية في الجيش "الإسرائيلي" لشن حرب سرية ضد لبنان.

قرابة منتصف ليل الثاني والعشرين من ابريل/ نيسان عام 1979، وصلت مجموعة فدائية فلسطينية تنتمي إلى تنظيم يقوده “أبو العباس” (جبهة التحرير الفلسطينية وهي جزء من منظمة التحرير الفلسطينية) على متن زورق مطاطي إلى شاطئ مستوطنة نهاريا على بعد 14 كيلومتراً جنوبي الحدود اللبنانية، وكان احد عناصرها الأربعة سمير القنطار الذي كان يبلغ حينها من العمر ستة عشر عاماً ونصف العام. حاولت المجموعة اقتحام احد المنازل فجوبهت بالنيران، فقررت ترك المكان لتصطدم بشرطي دار إشتباك معه وإنتهى إلى قتله وقررت المجموعة إقتحام شقة لعائلة “هاران” حيث اخذت رب الاسرة داني وابنته إينات (4 سنوات) كرهائن، وتوجهت بهما الى الشاطىء ليفاجأ عناصر المجموعة بانتشار كثيف للجيش والشرطة هناك حيث جرى تبادل اطلاق النار معهم. يقول بيرغمان إن القنطار أطلق النار على داني وقتله كما قتل ابنته الصغيرة (يصف الكاتب عملية قتل الطفلة بطريقة بشعة ويتجاهل احتمال ان تكون الطفلة ووالدها قد قتلا بتبادل اطلاق النار).

في هذه الأثناء، وصل قائد المنطقة الشمالية في الجيش “الإسرائيلي” اللواء يانوش بن غال الى مكان الحادث، ورأى جثة الطفلة يائيل (إبنة السنتين التي يقول الكاتب رونين بيرغمان إنها قتلت خنقاً على يد والدتها سمادار التي إختبأت عندما شاهدت المجموعة تخطف زوجها وإبنتها إينات) وسمع صراخ وعويل سمادار التي اكتشفت فجأة انها خسرت كل افراد عائلتها. أعطى رئيس الأركان رافائيل ايتان “امراً بسيطاً” إلى يانوش بن غال “اقتلوهم كلهم” قاصداً بذلك كل افراد منظمة التحرير الفلسطينية واي شخص يرتبط بالمنظمة في لبنان.

يقول الكاتب ان الحكومة “الإسرائيلية” لم تقر أبداً هكذا سياسة، كما أنه لم يكن من وسيلة لمعرفة ما إذا كان وزير الدفاع حينها عازر وايزمان على معرفة بهذا الأمر. أحضر بن غال بمباركة من إيتان الرجل الذي كان يسميه “اهم اختصاصي في العمليات الخاصة في الجيش الإسرائيلي”، وهو مائير داغان وعيّنه رئيساً لوحدة عسكرية مستحدثة النشأة حملت اسم “منطقة جنوب لبنان” وكان داغان قد رقي الى رتبة عقيد فأخذه بن غال الى تلة مشرفة على جنوب لبنان، وقال له “من الآن فصاعداً انت الامبراطور هنا افعل في هذه المنطقة ما شئت”. شرح كل من ايتان وبن غال لداغان الأهداف التي ينبغي تحقيقها وتلخصت ببث الرعب وممارسة الردع وافهام العدو ان “إسرائيل” ستكون في موقع الهجوم العدواني وليس في موقع الدفاع الوقائي، وبتحديد ادق كان الهدف في المرحلة الأولى هو ضرب قواعد منظمة التحرير في كل انحاء جنوب لبنان ومنازل السكان الذين يتعاونون مع مقاتليها وكل الأماكن التي ينطلقون منها لشن هجمات على “إسرائيل”.

كان داغان قد رقي الى رتبة عقيد فأخذه بن غال الى تلة مشرفة على جنوب لبنان، وقال له “من الآن فصاعداً انت الامبراطور هنا افعل في هذه المنطقة ما شئت”

بناء على هذه التوجيهات، فعل داغان كل ما كان يحلو له، فاتخذ من بلدة مرجعيون الجنوبية مقراً لوحدته الجديدة وانشأ مع عدد من ضباط العلميات والاستخبارات لديه تنظيماً سرياً يخضع لامرته وحده فقط. يقول بن غال “كان داغان يهوى الاعمال السرية والحربية الصغيرة وحروب الظل والظلام ونشاطات التجسس وحياكة المؤامرات أكانت صغيرة ام كبيرة، فقد كانت تلك الأمور حصنه، وهو رجل شجاع ومبدع وصاحب رأي وعلى استعداد لركوب المخاطر، لقد كنت اعرف ماذا كان يفعل واتجاهل افعاله ففي بعض الأحيان عليك ان تغمض عينيك”.

وينقل المؤلف بيرغمان عن ديفيد اغمون، رئيس اركان المنطقة الشمالية وأحد قلة عرفت بعمليات داغان السرية، قوله “كان الهدف هو خلق حالة من الفوضى بين الفلسطينيين والسوريين في لبنان من دون ان نترك أي اثر او بصمة، وان نرسخ عندهم الشعور انهم تحت الهجوم المتواصل وان نثبت عندهم الشعور بعدم الأمان”. جنّد داغان وفريقه “لبنانيين من المسيحيين والمسلمين الشيعة المستائين من عرفات ومن الطريقة التي كان الفلسطينيون يتعاملون فيها مع لبنان وشعبه”. أخذ داغان يستخدم “فرق العمليات” كما كان يسميها لتنفيذ عمليات قتل متعمد وتخريب في جنوب لبنان. وينقل الكاتب عن بن غال قوله “كنا انا وايتان نعطي الموافقة على المهمات برمشة عين، كنت أقول لرافائيل (ايتان) لدينا عملية للتنفيذ فيقول على الفور اوكي ولكن لا اريد أي شيء مكتوب فالامر بيني وبينك.. لا اريد لهذا الامر ان يعرفه أحد. كنا نرسخ لديهم (الشيعة والسنة والمسيحيون) أهدافا ونلعب عليهم جميعهم لتأليبهم على بعضهم البعض”.

يقول بيرغمان ان الطريقة الأولية للهجمات كانت استخدام المتفجرات في حاويات معدنية مغلقة باحكام او في مستوعبات زيت. ونظرا لان عمليات حفظ المتفجرات بهذه الطريقة لم تكن رسميا محظورة في الجيش وكان يجب ان تبقى بعيدة عن الاعين، فقد طلب بن غال من إدارة كيبوتز مهاناييم، حيث كان يعيش في ذلك الوقت، الاذن باستخدام قسم الاعمال المعدنية لديهم، وينقل الكاتب عن احد أعضاء إدارة الكيبوتز قوله “بالطبع اعطيناه مفاتيح القسم مع دعمنا الكامل ففي النهاية كان قائد المنطقة وهو بمثابة الملك عندنا”. كان يتم تأمين المتفجرات من قسم التخلص من المتفجرات المعدة للتلف في الجيش “الإسرائيلي” حيث طلب ايتان من رئيس القسم التعاون من دون اعلامه بهدف استخدام تلك المتفجرات. كان هذا القسم متخصصاً بتفكيك الاجسام القديمة غير المنفجرة من صواريخ والغام وقنابل يدوية ومن ضمنها تلك التي كانت من تصنيع “إسرائيلي”، وباستخدام تلك المواد المتفجرة كان الجيش “الإسرائيلي” يقلل الى درجة كبيرة جداً احتمال ربط “إسرائيل” باي عبوة قد يكتشفها العدو.

ويتابع بيرغمان نقلا عن بن غال قوله: كنا نذهب الى هناك ليلا، مائير (داغان) وانا وباقي الرجال ورئيس وحدة الهندسة في المنطقة الشمالية الذي كان يحضر المتفجرات حيث نملأها في براميل صغيرة ونوصلها بصواعق، وكانت هذه البراميل الصغيرة ترسل في حقائب ظهر واذا كان حجمها كبيرا على دراجات نارية او هوائية او على ظهور الحمير. وهكذا سرعان ما بدأت تحصل الانفجارات في منازل المتعاونين مع منظمة التحرير في جنوب لبنان وفي مكاتبهم فتقتل الجميع بلا تمييز وكانت هذه الانفجارات تحصل بصورة رئيسية في صور وصيدا وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين حول المدينتين متسببة بأضرار جسيمة وبعدد كبير من الضحايا.

قال بيغن للجنرال بن غال:”بشرفك العسكري هل حصلت على موافقة على العمليات التي تنفذها من أي جهة اعلى منك؟” فرد بن غال “نعم حضرة رئيس الوزراء حصلت على موافقة”. عندها قال بيغن “اعتقد ان قائد المنطقة الشمالية وبصفته جنرالاً في الجيش لا يمكن ان يكذب، لذلك اعلن اغلاق القضية”

بالنسبة إلى بن غال وداغان كانت التدابير الشبحية المتخذة – تصنيع القنابل في الكيبوتز في عتمة الليل ونشر المجندين اللبنانيين مع هذه القنابل – كانت ضرورية ليس فقط للحفاظ على سرية العمليات بعيداً عن اعين منظمة التحرير الفلسطينية بل أيضا بعيدا عن اعين حكومتهم وحتى عن اعين زملائهم في الجيش. فقد كانت تلك حملة غير مصرح بها على ارض عدوة. وقد أفادت المنطقة الشمالية جهاز “أمان” بشأن تلك العمليات لأنه كان من المفترض ان يكون على علم بهكذا أمور، كذلك الامر مع مديرية العمليات في رئاسة الأركان. كان رئيس “أمان” حينها اللواء يوشوا ساغوي حذرا ومشككا في فعالية هذا النوع من العمليات التي كان يقودها داغان وحذر مراراً من ان “إسرائيل” قد تجد نفسها متورطة في امر اكبر من قدرتها على مواجهته، وينقل بيرغمان عن اموس جيلبوا، احد المسؤولين في “أمان”، قوله “كان بن غال يكذب علينا طوال الوقت ولم نكن نصدق أيا من تقاريره، وكان مدعاة للحزن ان أعمالهم كانت تتم بموافقة رئيس اركان المنطقة الذي حافظ على إبقاء كل نشاطات تلك العمليات سرا بعيدا عن قيادة الأركان العامة للجيش. لقد كانت تلك ابشع مرحلة في تاريخ بلدنا”.

إقرأ على موقع 180  قرار إسرائيلي بتصفية "الفرسان الـ 12": اللقيس، صالح، عوالي، نهرا.. (116)

وفقاً لبن غال، فان رئيس “أمان” يوشوا ساغوي “شعر ان شيئا ما غير قانوني يحصل” وحاول ان يصطاد الحقيقة عبر إعطاء أوامر لوحدته الأمنية في الميدان، (النسر)، ان تضع أجهزة مراقبة على خطوط الهاتف لقيادة المنطقة الشمالية علما ان وحدة النسر كانت وظيفتها التأكد ان الجنود لا يسربون اية اسرار عسكرية عبر خطوط هاتفية غير امنة. وينقل الكاتب عن بن غال قوله “ولكن ضابط الاتصالات لدي اكتشف الية التنصت الموصولة بسنترال الهاتف لقيادتي فاعطيته الامر بتعطيلها، لقد شعرت بالفخر لتعطيل مؤامرة جهاز أمان”. لقد كان لبن غال شبكة اتصالات مشفرة بين مكتبه في الناصرة ومواقع داغان على الحدود الشمالية وداخل لبنان، وينقل الكاتب عن افراييم سنيه، الضابط الرفيع في قيادة المنطقة الشمالية قوله ان اول شيء اراني إياه بن غال كان شبكة الهاتف المتنصت عليها وقال لي بعد قطع التنصت”، مشيرا باصبعه الى الهاتف هكذا اذا يا يوشوا (ساغوي) الان لن تستطيع ان تتنصت وبإمكان جهاز أمان الان القفز في البحر (المثل العامي هو ان يبلطوا البحر)”.

لم يمر وقت طويل حتى ذهب ساغوي الى مكتب رئيس الوزراء مناحيم بيغن ليشكو له اعمال بن غال وداغان في تفخيخ جثث “الإرهابيين” الذين يقتلون خلال المعارك وذلك بهدف قتل رفاقهم عندما يأتون لسحب جثثهم. هذه الشكوى جعلت بن غال يستنتج ان جهاز أمان يتجسس على شبكة اتصالاته المشفرة. يقول المؤلف: كان ايتان يقود سيارته مرة في الأسبوع من قرية زراعية اسمها تل اداشيم حيث كان يعيش الى منطقة قرب الناصرة حيث مقر القيادة الشمالية للقاء بن غال ويخططوا لخطواتهم التالية في حربهم السرية.

في أوائل الثمانينيات (1980-1981)، بدأ جنود في الجيش “الإسرائيلي” بقيادة ساغوي يعطون المعلومات لنائب وزير الدفاع تسيبوري بان بن غال ينفذ عمليات سرية مارقة داخل لبنان. وينقل الكاتب عن تسيبوري قوله “لقد اخبروني عن عمليات تفجير في لبنان وحتى ان بن غال كان يضع الألغام على طرقات يمر عليها جنودنا ليبدو الامر وكأن مقاتلي منظمة التحرير هم من فعل ذلك”. في شهر يونيو/ حزيران سمع تسيبوري ان امراة وعدداً من الأطفال قتلوا خلال احدى العمليات قبل شهرين عندما انفجرت سيارة مفخخة على احد الطرقات في القطاع الغربي في جنوب لبنان وكان الهدف قتل مقاتلين فلسطينيين. ينقل الكاتب عن بن غال قوله “لم يرسل ايتان تقريرا مسبقا الى الهيئات العليا للحصول على الموافقة على العملية لأننا شعرنا باننا لن نحصل على هذه الموافقة”. وهكذا فان التقارير الداخلية للجيش والتقارير التي نشرتها قيادة المنطقة الشمالية زعمت ان العملية نفذت من قبل مجموعة من ميليشيات محلية في جنوب لبنان، وهذا الامر كان يبدو ممكناً ولكنه لم يكن صحيحاً ابداً.

وينقل الكاتب عن تسيبوري قوله في وصفه لما حصل “اعتقد انه كان امرا مرعبا”، وطالب بيغن الذي كان رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع في الوقت نفسه (بعد ان استقال وايزمان من منصبه) بطرد بن غال وداغان من الجيش قائلا “مناحيم، نحن دولة ذات سيادة واي شيء يفعله الجيش يجب ان يحصل على موافقة مسبقة من الحكومة المصغرة، ولو كان هذا الامر قد طرح في الحكومة المصغرة لكنت ابديت رأيي فيه ولكنه لم يطرح ولم يعط احد الموافقة عليه”. اثر ذلك، يقول الكاتب، تم استدعاء بن غال الى مكتب وزير الدفاع في تل ابيب حيث كان بانتظاره بيغن وايتان وتسيبوري وساغوي، فبادره تسيبوري بالهجوم قائلا “انك تقوم باعمال غير مصرح بها في لبنان وفي هذه النشاطات يقتل نساء وأطفال”، فرد عليه بن غال قائلا “من يقود سيارة مرسيدس في طرقات لبنان عند الثانية فجرا؟ فقط الارهابيون يفعلون ذلك”. فاعترض تسيبوري بحدة وقال “ان قيادة المنطقة الشمالية التي تقوم باعمال غير مقرة من هيئة الأركان العامة يجب ان تطرد وانا كنائب لوزير الدفاع لا اعلم شيئا عن اعمالها وانت يا سيد بيغن كرئيس للوزراء وكوزير للدفاع لا تعلم شيئا وهيئة الأركان العامة لا تعلم شيئا”. عندها أصدر بن غال بضع حركات بيديه تطلب من ايتان ان يقف ويعلن ان كل شيء يحصل بموافقته ولكن ايتان لم يشأ ان يورط نفسه فتجاهل بن غال وتظاهر بانه مشغول بساعة يده التي كان قد نزعها واخذ يقلبها. أخيراً تكلم بيغن فقال “جنرال بن غال، اريد ان اسألك كضابط وبشرفك العسكري هل حصلت على موافقة على العمليات التي تنفذها من أي جهة اعلى منك؟” فرد بن غال “نعم حضرة رئيس الوزراء حصلت على موافقة”. عندها قال بيغن “اعتقد ان قائد المنطقة الشمالية وبصفته جنرالاً في الجيش لا يمكن ان يكذب، لذلك اعلن اغلاق القضية وانهي هذا الاجتماع”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "حوار شامي" مع مصطفى الفقي.. المعنى بعودة مصر