مازن السيد27/07/2021
لم أحسبك قابلاً للموت يا رفيق. أعتقد أنني ما زلت عند هذه الحسبة. لطالما كانت تحيط بك قداسةٌ ما، ظاهرها سخرية الربّانيين الذين يحجبون بالنكتة علوّ مراتبهم عن أنفسهم كي لا يضلّوا. ولكنني يا صاحبي ناقمٌ، ولا أستطيع إلّا أن أرى شيئاً من القَتل في رحيلك.
لأنك ظُلمت ظُلم الصادق في مجتمعات الكذّابين، وظُلم الخلوق في أوساط الانتهازيين، وظُلم الصبور بين الاستغلاليين. نعم، كانت قدرتك على امتصاص كلّ هذا وتحويله إلى مزيد من التفاني والمزاح، كانت عجيبةً يا وسام، كانت لي في أعوام عشرتنا الكثيفة قوةً روحيةً هائلة. قوةٌ مع العمل، قوةٌ ضد المظلومية.
اللقمةُ معك كانت طيّبة، حتى ونحن نستلف من بعضنا ثمن الدليفري أواخر الشهر. أما العمل معك فكان مشرّفاً، حتى في قلب المستنقع كان صفاؤك مضيئاً وصمّام أمان نعود إليه لنقول: لا بأس، طالما وسام هنا. كأجمل من عليها، كثير العلم قليل التباهي به. تشغفه المعرفة كما التقنية ويكره أن يتخلف عن معلومة أو برنامج كمبيوتر، ملمٌ بكل جوانب عمله. فهل اكتفيت يا رفيق؟ هل أتممت تركتك في قلوب كل الذين عرفوك وعقولهم؟
النقمة لا تفارقني. أعلم أنك ستتفادى إجابتي كما كلّ مرة، ربما تقتبس جملةً عبثية من اللمبي. لكنه من غير المقبول أن تكون قد قدّمت كلّ هذا العمل بكلّ هذه المهنية والإخلاص، كلّ هذا الارتباط بالمصلحة العامة، وأن تُترك إلى كلّ هذا التعب.
خلص، سأقلّدك وسأخرجنا من هذه اللحظة بالضحك. أتذكر حين ذهبنا لنغطي مؤتمراً في فندق الكومودور؟ وقفنا في الصفّ أمام البوفيه وكان أمامنا الشاعر المصري سيد حجاب مؤلف أغنية مسلسل “ليالي الحلمية”، فاتخذتَ وضعية الإلقاء الشعري وأنشدتَ بصوت عالٍ: ومنين بييجي الشجن؟.. من اختلاف الزمن.