نستطيعُ أن نتسلى بالكثير من السّجع السمج لنجعل الحديث عن أغلب خصوم حزب الله ملحّناً ومسلياً في آن. ذلك أنّ المسألة تحتاجُ إلى التّخفف من الجديّة لمقاربة المهزلة بالكيفية الملائمة.
كتابة مقالة عن هؤلاء لا تحتاج إلى ذكاء أو جهد. هي فقط تتطلّب أن يكون كَيفُ الكاتب متحضّراً لتسجيل نكتة، والضّحك منها وعليها.
صحيحٌ أن الحاقد يضرّ، والجاهل يُغلّب، لكن مع حزب الله، يكاد الحاقدون من أخصامهم في الداخل أن يكونوا هدية الله إلى “حزبه”. كلماتهم تسديدٌ ماهرٌ للأهداف، لكنه تسديدٌ في مرماهم هم. وكلما دخل هدف في مرماهم، كلّما شحنوا أنفسهم بمزيد من الطاقة لأجل التعويض، فيأتي التعويض تحريضاً. تحريضٌ منهم وعليهم، ثمّ تتوالى حلقات المسلسل بالشكل الرتيب نفسه، وليس من يكسب في المشهد الداخلي عملياً أكثر من حزب الله.
ليس حزب الله حالةً طوباويّة فوق النّقد. لم يخلُ من نقاط الضعف منذ نشأته، ولن يخلو منها، شأنه في ذلك شأن كلّ الحركات السياسية وغير السياسية. ونقاط ضعف الحزب المعنلة ليست بالقليلة. وهو طوّر بعض الشيء أدبياته ونهجه على مدار السنين الفائتة وفقاً لمتطلّبات التّفاعل مع المحيط، ووفقاً لقواعد المصلحة. كما أنه، وعلى لسان أمينه العام بالتحديد، دائماً ما يلجأ إلى خطاب إلقاء الحجج حسب منطق الحزب وتعبئته، وإعطاء البراهين، وضبط الأقيسة الملائمة. عدا عن حرصه ـ المتزايد مؤخراً ـ بوصفه حزباً إسلامياً بالدرجة الأولى على أن تُشحن الخطابات بالبعد الأخلاقيّ الوازن، لكي لا يخسر أكثر من رأسماله الرمزي الأبرز الذي يقوم عليه، أي الرأسمال القيمي الأخلاقي.
يريد حزب الله في ظل التحدّيات الداخلية التي يمر بها، والمصحوبة بممارسات وضغوطات تُمارسُ عليه بوصفه حزباً مقاوماً، أن ينتصر لمبادئه بكلّيتها؛ حتّى أضحى للسيد حسن نصرالله مؤخراً دور إضافي في التربية على كيفية ردّ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي على الخصوم. تلك مرحلة فارقة في القيادة السياسية التي باتت مضطرة لأن تتدخّل حتى في هذه التّفاصيل وتسعى لضبطها. ضبطها يعني مجهوداً مضاعفاً لأجل الحفاظ على اللُّحمة وقوة الرسالة.
ليس حزب الله حالةً طوباويّة فوق النّقد. لم يخلُ من نقاط الضعف منذ نشأته، ولن يخلو منها، شأنه في ذلك شأن كلّ الحركات السياسية وغير السياسية. ونقاط ضعف الحزب المعنلة ليست بالقليلة. وهو طوّر بعض الشيء أدبياته ونهجه على مدار السنين الفائتة وفقاً لمتطلّبات التّفاعل مع المحيط، ووفقاً لقواعد المصلحة
لكنّ هذه اللّحمة التي يرتاب المسؤولون في حزب الله من اهتزازها، تُهدى لناسه بأقلّ التكاليف الممكنة. إذ عدا عن أنّ عنوان المقاومة بحدّ ذاته هو عنوان لاحم وجامع، فإن ما يفعله الخصوم لصالح تمتين وتماسك بيئة حزب الله هو أمرٌ غريبٌ عجيبٌ. يعطونه ممحاةً تمحي التعثرات والهنات الداخلية، وقلما يحوّر العناوين من المسألة الداخلية إلى حلبة الصراع الإقليمية، وهنا نقطة قوة حزب لبناني يحاول أعداؤه في الخارج إغراقه في وحول الداخل اللبناني.
يحرص الأعداء في الخارج أن يكون تآكل الحزب ذاتيّا داخليّا، ويحرص الخصوم في الداخل أن يفشلوا خطط الأعداء في الوقت نفسه الذي يريدون لها أن تنجح. والمعضلة أنهم لم يتعلّموا. بل أنهم كادوا أن “يرتقوا” ليصبحوا حاجة لحزب الله، بحيث أنهم متى نطقوا خدموا ولم يُؤلموا.
لا يرى خصوم حزب الله من المشهد اللبناني سوى الحزب نفسه. يلحّنون اسمه “قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم يتفكرون” كيف يقلبون المشهد السياسي ضده ليكسبوا، وكأنهم ما أدركوا أن كثيراً من اللوم إغراء، وأنهم قلبوا المثل حتى أصبح “كثر الدق بيقوي اللحام”. هذا واقع. لحمة الحزب الذاتية والداخلية وبمساهمة منهم هي في طريقها نحو مزيد من التماسك، ومزيد من استمالة من يتململون من ضغط الواقع المر، ومن كانوا قبل عام وعامين مستائين من السياسات التي انتهجها هذا الحزب.
هكذا تعمل خطاباتهم الانتخابية بطريقةٍ عكسية. خطابات الدعاية الانتخابية خطابات رخيصة. ما لم تُستبدل البروباغندا المضلّلة بخطاب العقل، لن يقوم لفكرة التأسيس والإصلاح التي يدّعون قائمة، وكلّ دعاية – لا سيما إذا ما استعارت العناوين الإصلاحية – تُنسج من فكرةٍ قد تكون في بعض جزئياتها معقولة ومقبولة، لكنّ مشكلة البروباغندا أنها رديف لتضخيم الأحداث تضخيماً مرضياً والتركيز على بعض التفصيلات تركيزاً عجائبياً من أجل تحقيق مصلحة فئوية. خطاب “المصلحة الوطنية” عند خصوم حزب الله ومن يرون فيه شراً مطلقاً وسبباً أوحداً للأزمة اللبنانية أضحى شمّاعةً يفهمها حتى غير العاقل. لكنه خطاب دارج ومغرٍ في أوقات الأزمات. هكذا تدوم المهزلة، وهكذا تختفي الأصوات المحترمة المُعارِضة من المشهد. وبهذا، سيظل حزب الله بما يملك من رصيدٍ ثمين في تحرير الجنوب اللبناني وتحقيق توازن الرعب مع العدو.. سيظلّ ضامناً لانصهار مجتمعه المقاوم وتماسكه أكثر وأكثر برغم قساوة الواقع الإجتماعي الضاغط!