في زيارة هي الثانية هذه السنة، استضافت إيران قبل عشرة أيام وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي لعب دورًا بارزًا في العديد من ملفات إيران خلال السنة الأخيرة؛ الملف الإيراني الأمريكي؛ ملف المحادثات الإقليمية وملف علاقة إيران بأفغانستان تحت إدارة طالبان.
وقبل يومين من زيارته إلى طهران في التاسع من أيلول/سبتمبر، إجتمع وزير خارجية قطر بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في الدوحة وأجريا مناقشة مفصلة حول ملفات عديدة أبرزها الملف النووي وأفغانستان ما بعد الإنسحاب الأميركي. هذا الإجتماع عزّز التكهنات في طهران بأن الضيف القطري قد جاء إليها مُحملاً بالأفكار والإقتراحات التي تصب في خانة تبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة من جهة وبين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة أخرى، تمهيداً لفتح مسارات تفاوضية لاحقة.
وبالفعل، أظهرت محادثات وزير خارجية قطر مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنه على الرغم من انتقال السلطة من الإصلاحيين إلى المحافظين في طهران، إلا أن قطر أكملت مسعاها الهادف لإعادة إحياء الاتفاق النووي في إطار الدور السابع من مفاوضات فيينا، فضلاً عن لعب دور قطري بناء بين إيران وأفغانستان.
وحسب مناخات طهران، فإن زيارة الوزير القطري “كانت ناجحة وبناءة”، وهذا الأمر يشير إلى أن التغيير الذي حصل في طهران لم يعطل دور قطر بل شجّعها على المضي في إغتنام لحظة إمساك المحافظين بالقرار الإيراني من رأس الهرم إلى أسفله.
زدْ على ذلك أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وفي أول زيارة خارجية له إلى دوشنبه عاصمة طاجكستان التي إستضافت قمة منظمة شنغهاي، أمس (الجمعة) قال من هناك إن بلاده “تبحث عن مفاوضات مثمرة حول الاتفاق النووي الإيراني”، مضيفاً “لا نريد التفاوض لأجل التفاوض”، وأضاف أن طهران “تسعى إلى حل الملف النووي بالحوار”، مشدداً على أنه “يجب إلغاء العقوبات المفروضة علينا وأي آلية غير ذلك مرفوضة”.
اتفاق إيران الأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يُثبّت ما قاله رئيسي، غداة وصوله إلى سدة الرئاسة بأن إيران مستعدة للمفاوضات مع أي طرف لحل القضايا العالقة، وهذا يدل على أن المحافظين الإيرانيين مستعدون للاتفاق على “قضايا أكبر”، ربما لم يكن فريق الإصلاحيين “يجرؤ على مقاربتها”، على حد تعبير أحد الخبراء
هذا الموقف الإيراني سمعه رافائيل غروسي، كبير موظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في طهران، وذلك عشية اجتماع مجلس محافظي الوكالة، حيث أجرى مباحثات مكثفة مع رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية محمد إسلامي أفضت إلى توقيع إتفاق بين الجانبين وصفه غروسي بأنه “مهم جدا”، ومن شأنه “أن يمهد الطريق لحوار دبلوماسي في الجولة السابعة من محادثات فيينا”، على حد تعبير أحد الخبراء الإيرانيين.
وبناء على الإتفاق، منحت ايران مفتشي الوكالة الدولية الحق في إجراء عمليات الصيانة على كاميرات المراقبة في المنشآت النووية الإيرانية وأن تقوم الوكالة باستبدال بطاقات الذاكرة في كاميرات المراقبة على أن يتم الإحتفاظ ببطاقات الذاكرة القديمة في ايران وفق آلية تضمن للوكالة عدم العبث بمحتوياتها.
وهذا الإتفاق الذي يعيد تثبيت الرقابة الدولية على المنشآت النووية، سبق للمحافظين في البرلمان الإيراني أن هدّدوا بإستخدام حق النقض (الفيتو) لأجل إسقاطه إذا أبرمته حكومة حسن روحاني الإصلاحية، لا بل طالبوا بحذف جميع الصور والفيديوهات التي سجلتها كاميرات الهيئة الدولية للطاقة، وقال محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني المحافظ في 23 أيار/مايو المنصرم (عشية الإنتخابات الرئاسية الإيرانية) أنه لا يحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى الصور والمعلومات الخاصة بمنظمة الطاقة النووية الايرانية، وذلك عندما تنتهي مهلة الثلاثة أشهر التي منحها الإيرانيون لها في زمن حكومة روحاني، وهذا التراجع من جانب المحافظين جعل صحيفة “جمهوري إسلامي” المعتدلة تسخر بالقول في افتتاحيتها: “يوم الأحد، قوبل اتفاق منظمة الطاقة النوویة الايرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالصمت من قبل المجلس الثوري (البرلمان)”!
لكن هذه الصحيفة المعتدلة أيدت خطوة الحكومة في تجاوز القانون الذي أقره البرلمان الإيراني وبالتالي توقيع اتفاقية التعاون الجديدة مؤكدة أن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان يجب أن يستمر في الأشهر الأخيرة وأن لا يخضع للمزايدة السياسية من جانب فريق المحافظين.
وعلى أي حال، فإن اتفاق إيران الأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يُثبّت ما قاله رئيسي، غداة وصوله إلى سدة الرئاسة في آب/أغسطس الماضي بأن إيران مستعدة للمفاوضات مع أي طرف لحل القضايا العالقة، وهذا يدل على أن المحافظين الإيرانيين مستعدون أيضًا للاتفاق على “قضايا أكبر”، ربما لم يكن فريق الإصلاحيين “يجرؤ على مقاربتها”، على حد تعبير أحد الخبراء.
يذكر أن المقترحات الأخيرة التي حملها وزير خارجية قطر لإيران بشأن أفغانستان، وافقت عليها طهران، وعلى أساس ذلك قررت الحكومة الإيرانية المشاركة في ورشة إعادة إعمار أفغانستان بالتعاون مع حكومة طالبان، مقابل إمتناع الأخيرة عن القيام بأية أعمال عدائية ضد إيران، على أن يجري أيضاً إعتماد إيران بوابة للمساعدات الإنسانية المتوجهة إلى أفغانستان.
وعلى هذا الأساس، وافقت حكومة طالبان على إعادة المهندسين والطيارين وموظفات وموظفي مطار كابول الذين فروا إلى الخارج وصولاً إلى إعادة نظام العمل في مطار كابول حتى يتمكن هذا المرفق الحيوي من استضافة الرحلات الخارجية. ووفقًا لخطة قطر المقترحة على إيران سيكون مطار مشهد مركز الثقل الرئيسي لتلقي وتخزين المساعدات الإنسانية للنقل البري إلى أفغانستان. كما تم تشكيل لجنة لتحديد احتياجات الشعب الأفغاني على أن يجري شراء معظمها من الأسواق الإيرانية ومن ثم إرسالها براً إلى أفغانستان.
وبناءً على ذلك أيضاً قررت إيران إرسال فرقها الفنية والهندسية إلى أفغانستان من أجل المساعدة في تحسين شبكات الكهرباء والمياه في أفغانستان.
(*) راجع مقالة ميشال نوفل بعنوان “إحتمالات التقاطع الأميركي ـ الإيراني.. والإنفراجات الآتية“