البايدنية تتبنى الترامبية.. «أمريكا أولًا»!

تولى الرئيس جو بايدن منصبه بأجندة طموحة للسياسة الخارجية الأمريكية لخصها شعار حملته المفضلة: «أمريكا عادت«. وكان هذا يعنى إصلاح الضرر الذى لحق بمكانة أمريكا العالمية من قبل سياسات ومواقف سلفه الرئيس دونالد ترامب.

خلال السنوات الأربع التى قضاها فى منصبه، وتّر ترامب علاقات بلاده مع حلفائها فى أوروبا وآسيا، وأثار التوترات مع خصوم واشنطن مثل إيران وفنزويلا، وانخرط فى حرب تجارية مع الصين تركت العلاقات الثنائية بينهما فى أسوأ حالاتها، إضافة لإضراره الكبير بقيم وممارسات الديموقراطية الأمريكية ذاتها.

من حيث المبدأ، تتجذر أجندة بايدن فى التنصل من إرث ترامب المتمثل فى مبدأ «أمريكا أولا«، من خلال تبنيه سياسة «أمريكا عادت« من خلال التركيز على استعادة الدور الأمريكى فى إدارة الشئون العالمية من خلال آلية العلاقات والمنظمات الدولية متعددة الأطراف. وقد انعكس ذلك فى تحركاته المبكرة للانضمام مرة أخرى إلى اتفاقيات باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وإعادة تأسيس القيادة الأمريكية فى قضايا دبلوماسية المناخ. كما أتاحت جائحة كوفيدــ19 لبايدن فرصة لإعادة تأكيد الدور القيادى العالمى لأمريكا والبدء فى إصلاح العلاقات التى بدأت تتدهور فى عهد ترامب.

وبرغم الخطاب المختلف لبايدن عن ترامب، تحمل بعض أولويات بايدن تشابها وثيقا مع أجندة ترامب. وقد وصفت «سياسة خارجية للطبقة الوسطى«، التى تربط الدبلوماسية الأمريكية بالسلام والأمن والازدهار فى الداخل، بأنها نسخة ملتبسة من تركيز ترامب على وضع المصالح الأمريكية فوق التزاماتها العالمية.

***

بارك بايدن عمليا خطوات ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط، وتحديدا الصراع العربى الإسرائيلى، والملف النووى الإيرانى. وقبل بايدن بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ولم يغير موقع السفارة الأمريكية التى نقلها ترامب إليه، كما استمرت جهود بايدن باتجاه دعم الاتفاقات الإبراهيمية، بل امتدت وبقوة لتحاول استمالة المملكة العربية السعودية للتطبيع مع إسرائيل. ولم يغير بايدن جوهر سياسات ترامب تجاه الفلسطينيين أو السلطة الفلسطينية، ولم يقم بتصحيح سياسات ترامب العدائية تجاه الفلسطينيين.
كما لم يقم بايدن بالعودة للعمل بالاتفاق النووى الذى كانت إيران تلتزم به قبل انسحاب إدارة ترامب منه بصورة أحادية.
كما تابع بايدن صفقة ترامب للانسحاب من أفغانستان من دون التشاور أو التنسيق مع حلفاء واشنطن فى الناتو، ودفع تكلفة سياسة انهيار الحكومة الأفغانية والإجلاء الفوضوى الذى أعقب ذلك. وفى قضايا أخرى، مثل نهجه فى سياسات الهجرة والحدود، لم يُظهر بايدن أى إلحاح لإجراء تغييرات فورية. وبالمثل، رفع فى وقت متأخر فقط التعريفات المثيرة للجدل على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، بالإضافة إلى بعض العقوبات التى فرضها ترامب على كوبا. ويدير بايدن علاقاته مع الدول العربية المركزية على أساس المصالح الأمريكية ولا يكترث بالقيم والمبادئ التى تحدث عنها إبان حملته الانتخابية.

***

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من الالتزام الخطابى بالتبرؤ من ترامب، قد يجد بايدن صعوبة فى استعادة مكانة أمريكا العالمية كما كانت قبل سنوات حكم ترامب بالكامل. وتتردد الكثير من الدول فى الوثوق بعلاقات متينة بواشنطن بعد خبرة ترامب الأليمة ورؤيته القاصرة لطبيعة تحالفات واشنطن خاصة فى شقها الأوروبى، واحتمال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض بعد انتخابات 2024.
إلا أن تجربة غزو روسيا لأوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022 عملت ضد رغبات الأوروبيين، إذ أعادت التأكيد على اعتماد أوروبا على القيادة الأمريكية الحاسمة فى أوقات الأزمات. وتوفر الولايات المتحدة مظلة أمنية للقارة العجوز، ولا تعرف العواصم الأوروبية مخرجا من هذه المعضلة.

وعد بايدن بالتركيز على كيفية إعادة توجيه مشاركة واشنطن فى الخارج لمعالجة المخاوف الاقتصادية للطبقة الوسطى فى الداخل الأمريكى. ويعنى ذلك التأكد من ناحية أن سياسة الولايات المتحدة تساهم فى التجديد الاقتصادى المحلى، لكن من ناحية أخرى تتبنى على نحو متزايد سياسات حمائية ترامبية

على الرغم مما تمثله الصين من تحديات واسعة للقيادة الأمريكية، وهو ما استدعى تبنى سياسة «التركيز على آسيا» خلال السنوات الأخيرة، دفعت الحرب فى أوكرانيا بايدن إلى التريث فى تحويل التركيز الجغرافى للسياسة الخارجية الأمريكية إلى آسيا على حساب القارة الأوروبية.
تبنى بايدن سياسة دعم تحالفات واشنطن فى منطقة المحيطين الهندى والهادىء، لهدف تطويق الصين. ودشن بايدن شراكة رباعية مع اليابان والهند وأستراليا، وشراكة ثلاثية مع بريطانيا وأستراليا، وعقد تحالفات واتفاقيات عسكرية قوية مع كل من فيتنام والفيليبين.
استمرارا للنهج الترامبى، تبنى بايدن سياسات تهدف لخنق وصول الصين إلى التكنولوجيا المتطورة والتضييق على شركاتها بحجة قربها من الحزب الشيوعى الصينى الحاكم.

***

أما فيما يتعلق بمبادئ السياسة الخارجية الأمريكية، فبعد تبنى ترامب لسياسة عديمة المبادئ وغير متسقة فى مجملها، كان بايدن فى وضع يسمح له بإجراء بعض التحولات ذات المغزى فى العلاقات الثنائية مع مجموعة من الدول، لكن إدارته لا تزال تواجه بعض التردد البيروقراطى. وعلى الرغم من أن بايدن تعهد بجعل حقوق الإنسان والديموقراطية ركيزتين مركزيتين فى سياسته الخارجية، إلا أنه فى الممارسة العملية استمر فى كثير من الأحيان فى وضع المصالح الأمريكية أولا.
لم يتغير الأمر مع سياسة التجارة الخارجية، ومع تبنى بايدن مبدأ «سياسة خارجية للطبقة الوسطى»، وعد بايدن بالتركيز على كيفية إعادة توجيه مشاركة واشنطن فى الخارج لمعالجة المخاوف الاقتصادية للطبقة الوسطى فى الداخل الأمريكى. ويعنى ذلك التأكد من ناحية أن سياسة الولايات المتحدة تساهم فى التجديد الاقتصادى المحلى، لكن من ناحية أخرى تتبنى على نحو متزايد سياسات حمائية ترامبية.

إقرأ على موقع 180  ما بعد خيرسون.. القرم أو التسوية؟ 

***

خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الـ 78، ناشد الرئيس جو بايدن زعماء العالم فى الوقوف مع أوكرانيا ضد الغزاة الروس، وقال: «إن العالم يجب أن يرسل إشارة واضحة إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه لن يكن قادرا على الصمود أكثر من الغرب»، إلا أن ما يقلق بايدن حقا ليس الجماعة الدولية، بل الجمهوريين الذين يريدون وقف دعم واشنطن لأوكرانيا.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  التسوية العراقية.. إختبارٌ إقليميٌ أولٌ لطاولة فيينا