أي غالبية تعتمد برلمانياً عند اعادة النظر بقانون الانتخاب؟

ردّ الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الى البرلمان اللبناني القانون الرامي الى تعديل بعض مواد القانون رقم 44 تاريخ 17/6/2017 (انتخاب أعضاء مجلس النواب) المصدق من مجلس النواب بتاريخ 19/10/2021 وذلك بموجب المرسوم رقم 8421 تاريخ 22 تشرين الاول/أكتوبر 2021.

يهدف رد القانون من قبل رئاسة الجمهورية إلى إعادة النظر فيه ثانية في مجلس النواب استناداً إلى المادة 57 من الدستور التي منحت رئيس الجمهورية الحق بأن يؤجل اصدار القانون عن طريق طلب اعادة النظر فيه، وبأن يرفض اصداره اذا لم يصادق عليه مجلس النواب بالغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً.

إن طلب اعادة النظر بالقانون يؤدي الى تجميده اذ يصبح رئيس الجمهورية بحلٍ من اصداره ريثما يعيد مجلس النواب النظر فيه ويصر عليه بأكثرية موصوفة، دون ان يفقد هذا التجميد القانون كيانه، بدليل انه في حال انقضاء المهلة المحددة دستوراً لاصدار اي قانون او طلب اعادة النظر فيه دون ان يبادر رئيس الجمهورية الى اي من القرارين، يعتبر القانون نافذاً حكماً وواجب النشر(م.د. قرار رقم 3/2001 تاريخ 29/9/2001 الصادر في الطعن بتعديل بعض مواد قانون أ.م.ج تاريخ 18/8/2001).

إذاً، قانون تعديل قانون الانتخابات النيابية بات مجمّد الإصدار إلى أن يوافق عليه مجلس النواب بعد مناقشته مجدداً في الهيئة العامة وإقراراه بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. ما يطرح الإشكالية حول احتساب هذه الغالبية المطلقة في ظلّ شغور 11 مركزاً في مجلس النواب (ثلاثة بالوفاة وثمانية بالاستقالة).

سبق أن أثيرت حالة مشابهة تماماً، في جلسة مجلس النواب بتاريخ 29/5/1980 (الدور التشريعي الرابع عشر، العقد العادي الاول لسنة 1980 ـ محضر الجلسة السابعة)، حيث اتخذ مجلس النواب إزاءها قراراً اعتبر بموجبه أن عبارة “الغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا” تعني الغالبية محسوبة على اساس عدد النواب الاحياء، حاضرين او متغيبين، دون المتوفين.  وأن المجلس درج منذ عام 1976 على الاخذ بالاكثرية المطلقة بعين الاعتبار ليس عدد المقاعد بل عدد النواب، أي أن المقاعد الشاغرة بسبب الوفاة او بسبب الاستقالة او اي سبب من الاسباب لا يعتد بها في حساب الغالبية المطلقة، اي غالبية النصاب القانوني. وهذا ما درجنا عليه، وهذه ما دخلنا على اساسه على هذه الجلسة بالذات اذاً، من يوافق على ان الاكثرية المطلقة هي التي لا يدخل في حسابها المراكز الشاغرة بسبب الوفاة او بسبب الاستقالة او اي سبب آخر، فليرفع يده، فتمّ تصديق هذا القرار بالأكثرية.

الكلمة الفصل سوف تكون للمجلس الدستوري في حال تمّ الطعن بالقانون الجديد ليضع هذا المجلس القاعدة الواضحة في احتساب الغالبية المطلقة من عدد أعضاء مجلس النواب سواءً عند الاجتماع لإعادة النظر بالقانون أو للتصويت في الحالات الأخرى

وقد بررت اللجان المشتركة التفسير المذكور بالإستناد الى صراحة النص وحكمته، فالمادة 57 من الدستور اللبناني تتكلم عن «الأعضاء»، الذين يؤلفون المجلس قانوناً، ولا تشير الى عدد المقاعد والمتوفي لم يعد «عضواً» في المجلس وقد أصبح مركزه شاغراً خلافاً للمتغيب والممتنع الذي يبقى عضواً في المجلس شاغلاً لمركزه. إذاً كلمة «قانوناً» تعني ان الغالبية تشمل الحاضرين والمتغيبين على حد سواء، دون المتوفين أو المستقيلين أو المفصولين. أما من حيث حكمة النص ومفهومه الديموقراطي، فالتغيب والامتناع يعبران عن موقف، أما الميت فلا موقف له إذ من غير المعقول إدخال الأموات في حساب ممثلي الامة ويجب اعتماد المقاعد المشغولة فقط.

وتجدر الملاحظة كما ذكرنا أعلاه، ان رئيس المجلس قبل عرض القرار للتصويت، أدلى بأن المجلس درج منذ عام 1976 على اعتماد عدد النواب لا عدد المقاعد في حساب الأكثرية المطلقة وبالتالي لا يعتد في حساب غالبية النصاب القانوني بالمقاعد الشاغرة بسبب الوفاة أو الاستقالة أو أي سبب من الاسباب.

هذا هو موقف مجلس النواب، إلا أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل وبالرغم من عدم وجود أي نصٍ دستوري يمنحها صلاحية تفسير الدستور، إلا أنها تصدّت لهذه المهمة ووضعت التفسير الذي بموجبه لفتت انتباه مجلس النواب إلى أنه يجب التمييز بين تفسير الدستور وتطبيقه، فتطبيق نصوص الدستور من قبل السلطات الدستورية وان كان من الواجب أن يكون متطابقا معها وصحيحاً، إلا انه اذا تبيّن لهذه السلطات انها ابتعدت في تطبيق النص عن قصد المشترع الدستوري عند وضعه، يكون عليها أن تعود الى التطبيق الصحيح المنسجم مع هذا القصد والمتآلف معه والمنطبق عليه. أما تفسير الدستور فيجب أن يصدر عن هيئة دستورية منوط بها هذه المهمة أو عن واضع الدستور ذاته، وأن التفسير الذي يصدر عن أي مرجع كان وبأي صيغة كانت خلاف ما ذكر أعلاه، فلا يكون ملزما ويجوز الرجوع عنه في أي وقت كان، وبعد انكار الهيئة صلاحية مجلس النواب في تفسير الدستور، تصدّت لهذه المهمة وفسّرت الدستور وأبدت في مطالعةٍ لها حول موضوع نصاب جلسات مجلس النواب رأياً خلصت بموجبه:”أن عبارة «الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا» تعني بكل بساطة العدد الذي نص عليه قانون الانتخاب أي العدد القانوني “على عكس العدد الواقعي“، وبالتالي يكون كل اجتهاد مخالف يقول بحذف الاعضاء المتوفين والمستقيلين في حساب النصاب، ومهما كان المبرر، مخالفا لنص الدستور الصريح ورغبة واضعيه الأكيدة (هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل  – استشارة رقم 1374/ 88 تاريخ 20 /1/1988)، لكن مجلس النواب أصرّ على التفسير الذي اعتمده في العام 1980، وذلك بموجب القانون رقم 11 تاريخ  8/8/1990 الرامي إلى تحديد العدد المعتمد لاحتساب النصاب، الذي جاء فيه:”بصورة استثنائية، وحتى اجراء انتخابات فرعية أو عامة وفقاً لأحكام قانون الانتخاب، وبالنسبة إلى النصاب المقرر في الدستور، يعتبر عدد أعضاء مجلس النواب الأعضاء الأحياء”.

إقرأ على موقع 180  فلسطين منذورة.. جيلاً بعد جيل

هذا القانون وإن كان وقتياً إلا أنه ليس هناك ما يمنع من الاستئناس والاسترشاد به، بخاصةٍ وأنه كان بمثابة تأكيد على استقرار مجلس النواب على تفسير موحّد لاحتساب الغالبية المطلوبة من أعضائه إن للتصويت أو لتحديد نصاب الجلسة، وهذا ما يؤدي بنا إلى القول بأن المجلس قد يستمر على اعتماد هذا التفسير، ومن الممكن عند عقده لجلسة إعادة النظر بقانون الانتخاب أن يعتمد عدد النواب الفعلي (بدون المستقيلين والمتوفين) أي 117 نائباً وليس العدد الوارد في قانون الانتخاب (أي 128 نائباً). وما يعزز فرضية اعتماد هذا التفسير أن الحكومة هي التي امتنعت عن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها بسبب امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، ولا يدَ بالتالي لمجلس النواب في انقاص عدد أعضائه، على أن الكلمة الفصل سوف تكون للمجلس الدستوري في حال تمّ الطعن بالقانون الجديد ليضع هذا المجلس القاعدة الواضحة في احتساب الغالبية المطلقة من عدد أعضاء مجلس النواب سواءً عند الاجتماع لإعادة النظر بالقانون أو للتصويت في الحالات الأخرى.

Print Friendly, PDF & Email
عصام نعمة إسماعيل

أستاذ مادة القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  واشنطن – الرياض.. "المصالح" تتقدم على "الصداقة"!