الإمارات تخترق البوابة الدمشقية.. العين على قمة الجزائر!

ثلاث سنوات مضت على إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق. وقتذاك، بدا أن دول الخليج تستعد للتطبيع مع سوريا، لكن سرعان ما قررت الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب لجم هذه الإندفاعة.. وصولاً إلى إقرار "قانون قيصر" في العام 2019 والذي ما تزال مفاعيله سارية حتى يومنا هذا.

مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان المفاجئة إلى دمشق وإجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد وتوجيه الدعوة الرسمية إليه لزيارة أبو ظبي، يتكرر السؤال، هل حان موعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية؟ وهل ستتجاهل دولة عربية مثل سوريا واقع التطبيع الإماراتي المتمادي مع إسرائيل؟

في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا فيها. تبدى دور قطر الأبرز في قرار الإقصاء العربي لسوريا عن بيتها الرسمي العربي. وعلى مدى عشر سنوات وصولاً إلى يومنا هذا ما تزال قطر تعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، مبررة موقفها بأن الأسباب التي إستدعت تعليق العضوية ما تزال سارية حتى الآن، ولا يمكن فصل موقف قطر وحساباته عن موقف تركيا وحساباتها، في ما يخص الإقليم والملف السوري تحديداً.

لا تأتي الزيارة الإماراتية من الفراغ. سلطنة عمان هي الأكثر انفتاحاً على الدولة السورية. يكفي متابعة روزنامة الزيارات الوزارية بين الدولتين خلال الفترة الماضية، إضافة إلى نشاط السفارة السورية في مسقط. لكن موقف سلطنة عُمان يختلف عن موقف الإمارات، فأبو ظبي كانت لأقل من عقد من الزمن، طرفاً في النزاع السوري وليست جهة متوازنة، كما هو حال عُمان الأكثر حرصاً على إستمرار دورها على هذا المنوال.

وبرغم عدم رفع منسوب التعامل الدبلوماسي بين الإمارات وسوريا طوال ثلاث سنوات أعقبت تاريخ إعادة فتح السفارة في دمشق، إلا أن القنوات السياسية والإقتصادية والأمنية بين الجانبين ظلت مفتوحة وآخرها مشاركة وزير الإقتصاد السوري في “إكسبو دبي 2020″، ولم يكن السعوديون في معظم الأوقات بعيدين عن هذا التواصل، ومعه بعض الدعم المالي الإماراتي (الفريش) للحكومة السورية، كما أن دولة الكويت حافظت على تواصل الحد الأدنى مع دمشق، برغم قرار الجامعة العربية القاضي بتعليق عضوية سوريا فيها.

وعندما قرر قادة مصر والأردن والعراق تثبيت “قمة الشام الجديد”، لم تُخفِ هذه العواصم الثلاث رغبتها بضم كل من لبنان وسوريا إلى هذا التجمع السياسي ـ الإقتصادي العربي، لكن “قانون قيصر” الأميركي من جهة وحرب اليمن ومقتضياتها السعودية، ومن ثم قرار الرياض بالإنخراط في حوار مباشر مع إيران برعاية مصطفى الكاظمي، من جهة ثانية، جعل القمة ثلاثية في إنتظار المآلات التفاوضية على أكثر من مسار إقليمي ودولي.

وإذا كان افتتاح السفارة الإماراتية، قبل ثلاث سنوات، تم على الأرجح بموافقة حُكّام الرياض وكان منتظراً أن تعقبه خطوة سعودية بالإتجاه نفسه، هل جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق تعبيراً عن موقف مشترك للرياض وأبو ظبي، أم هو تعبير عن تباين ما في الموقف بين البلدين، وهو ملف آخذ بالتراكم في العديد من الملفات؟

لا يخفي الإماراتيون وجهة إنفتاحهم نحو دمشق. الهدف هو “عودة سوريا إلى الحضن العربي”. هذه الجملة المفتاحية موجهة ضد النفوذ الايراني في سوريا، بما شكّله من عنصر توازن لمصلحة النظام السوري أقلق في الوقت نفسه العمق العربي لسوريا من الأردن إلى المغرب مروراً بالخليج العربي. أيضاً يُجاهر الإماراتيون بحساسيتهم الفائقة في التعامل مع “الإخوان المسلمين”، وهذه نقطة مشتركة بينهم وبين دمشق، برغم إنفتاح الإماراتيين مؤخراً على تركيا وبعض الأطياف الإخوانية، ومنها في اليمن.

تركيز الولايات المتحدة على المنافسة الإستراتيجية مع كل من الصين وروسيا، يولّد دينامية جديدة في المنطقة. هذا الواقع ينتج مسارات جديدة للعلاقات بين دول المنطقة على الصعيد الثنائي أو على صعيد الكتل الإقليمية، ومن خلاله فقط يُمكن تفسير هذا التصدع المتتالي في جدار عقوبات “قانون قيصر”

جرت محاولات عربية ودولية (وإسرائيلية طبعاً) لمواجهة الدور الإيراني، عسكرياً وأمنياً، في الداخل السوري، من خلال غرف عمليات كانت تُدار من تركيا والأردن أو غيرها، كانت وظيفتها دعم مجموعات إرهابية على الأرض السورية، بالمال والسلاح، لكن إنخراط روسيا في الحرب السورية عام 2015، وقبلها العديد من حلفاء إيران، وأبرزهم حزب الله اللبناني، غيّر المعادلة السورية وساعد في إعادة تثبيت أقدام الدولة السورية، وبالتالي سيطرتها على العديد من المناطق، بشراكة كاملة مع الروس، وتسبب ذلك في إزدياد وتيرة الضغط الاقتصادي مع فرض العقوبات على كيانات ومؤسسات سورية أو راغبة بالتعاون مع الدولة السورية، وإن كان المعلن هو إضعاف الحكومة في دمشق، فإن الهدف الأبعد هو الضغط عليها لفك ارتباطها مع طهران.

هل يمكن قراءة زيارة وزير خارجية الإمارات من زاوية مختلفة؟

لا ينفصل الموقف الاماراتي عن مسار تم تدشينه في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، من الإجتماعات التي شهدتها أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الاتصال الذي جرى بين الرئيس السوري بشار الاسد والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني وسبقه إتصالان بين الرئيس السوري وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ترافق الإتصال الملكي الأردني مع سلسلة أحداث ميدانية في الجنوب السوري، من خلال دخول الجيش السوري إلى مناطق كانت خاضعة لسيطرة مجموعات مسلحة، عُرفت بتواصلها سابقاً مع “غرفة الموك” في الأردن.

إقرأ على موقع 180  باكستان.. هل تبقى "دولة مواجهة" مع اسرائيل؟

وبالتزامن أيضاً مع هذه الإتصالات، وافق الأميركيون على تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن عبر سوريا وعلى إمداد لبنان بالغاز المصري مروراً بالاراضي الاردنية والسورية، في إنتظار أن يعطي الأميركيون موافقتهم الكاملة على إعفاء خط الغاز من عقوبات “قانون قيصر” المفروضة على أي تعامل مع الدولة السورية، ولعل المحرك الفعلي لهذا المسار هو وصول المازوت الايراني إلى لبنان، بمبادرة من حزب الله اللبناني.

أياً كان الزائر العربي إلى دمشق، يبدو أن الرهان على فك الإرتباط بين دمشق وطهران، هو رهان صعب المنال، كون العلاقة بين البلدين تتجاوز بضعة اتفاقيات اقتصادية أو عسكرية أو أمنية. هي علاقة إستراتيجية بكل معنى الكلمة، حتى أن روسيا لا توهم نفسها بإمكانية لعب دور في زعزعة أسس هذا التحالف بين طهران ودمشق.

أين واشنطن من كل ما سبق، وهل كانت بعض الدول العربية لتبادر من دون موافقة الإدارة الاميركية؟.

من الواضح أن تركيز الولايات المتحدة على المنافسة الإستراتيجية مع كل من الصين وروسيا، يولّد دينامية جديدة في المنطقة، لا سيما بعد الإنسحاب من أفغانستان. هذا الواقع ينتج مسارات جديدة للعلاقات بين دول المنطقة على الصعيد الثنائي أو على صعيد الكتل الإقليمية، ومن خلاله فقط يُمكن تفسير هذا التصدع المتتالي في جدار عقوبات “قانون قيصر”، بدليل الموقف الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية، تعليقا على الزيارة الإماراتية وفيه تبدي قلقها من “الإشارة التي يرسلها” اللقاء بين الأسد وعبدالله بن زايد. وأعربت الإدارة الأميركية عن “عدم دعمها لأي جهود تطبيع أو إعادة تأهيل لبشار الأسد”!

هل يمكن وضع الخطوة الإماراتية في خانة تفلت حلفاء واشنطن المتتالي في ضوء قرار الولايات المتحدة إعادة تنظيم حضورها (حتى لا نقول إنسحابها) في المنطقة، وهل سيؤدي موقف واشنطن إلى “فرملة” أي مبادرة عربية في الإتجاه نفسه، وماذا إذا قررت الجزائر دعوة سوريا للمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر في آذار/مارس المقبل، إنسجاماً مع موقفها الداعي بصورة دائمة إلى عودة دمشق إلى شغل مقعدها العربي، وماذا إذا قرر الرئيس السوري ترؤس الوفد السوري إلى العاصمة الجزائرية؟

Print Friendly, PDF & Email
وسام عبدالله

كاتب وصحافي، سوريا

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  مذكرات أمين الجميل: قُضي الأمر.. حافظ الأسد يريد فرنجية!