ثلاثية الأنا (شعر، نرجسية وفايسبوك).. بلسان الشعراء (1)

الفايسبوك، الشعر، والنرجسية. القاسم المشترك في هذه الثلاثية هو الأنا.. الأنا وفي المقلب الآخر المتلقي القابع خلف شاشته الإلكترونية، الرسالة التي تطير باللحظة المباشرة من خلال جهاز يتنقل معنا كقطعة من ثيابنا أو أغراضنا الحميمة.

يقول روبرت فروست إن الشعر هو “ما ينتج عن عثور إحساس على فكرته وعثور الفكرة على كلمات”. هو اللغة التي يستكشف فيها الإنسان دهشته من هول العالم وجماله في آن واحد. هو صوت الموت وموت الصوت كلما صدّح في هذا العراء التام.

قال لي أحد الأصدقاء إن الشعر جواب وخلاص. ألا يزال كذلك؟ على الأرجح إنه ورطة لذيذة حيناً ومريرة أحياناً.

هي شعرة رفيعة تفصل شعور الكاتب بالإعتداد والثقة بالنفس والنرجسية المعتدلة عن الغرور وتضخم الأنا وعدم الإعتراف بالآخر وصولاً إلى إلحاق الأذى به.

كم يشبه ذلك القول سؤال مارك زوكربرغ الدائم عما يجول في خاطرك؟

ما الذي يمكن أن يدور في خلد شاعر حقيقي غير القصيدة بأشكالها المتعددة؟ إنه هوس العبارة التي تضيق كلما إتسع المعنى بحسب النفري.

أنت أمام مشاعرك ورغبتك الجارفة بالتعبير عن مكنوناتك. تكتب لتنجو، فقد قالها ماريا رينيه ريلكه “لا تكتب الشعر إلا إذا شعرت أنك ستموت إذا لم تفعل”. بلغتك الخاصة، بدموعك، بفرحك، بلهوك وجنونك، أمام حشد كوّنته بنفسك؛ هذا الحشد يضيق ويتسع بإشارة منك، هكذا تتكون علاقة تفاعلية من نوع جديد.

تجربة الكتابة على فايسبوك وصفة سحرية للتخليق والتحليق، فلا ناشر ولا رئيس صفحة ثقافية بيده قرار النشر من عدمه، ولا أي نوع من أنواع الرقابة. أنت أمام أنت. أمام الأصدقاء. أزرارهم مضاءةٌ بالأخضر. عيون تسمع وآذان تحدّق!

ولأن الشعراء كائنات رقيقة وحساسة، ليست وظيفة هذا النص تقييم ما ينشر، فذلك مبحث آخر وله ميادين مختلفة. ثمة طبقة جديدة من الشعراء إنوجدت لها خصائص وهوية عصرية جديدة تفلتت من أحكام المدارس النقدية التقليدية على تنوعها، فالشعر إبن بيئته، ولا بد أن تؤثر الوسيلة التي ينتشر عبرها في طريقة تشكله، أسلوباً ومضموناً.

الإيجاز، المباشرة، الآنية وسرعة البديهة من أهم الملامح التي تميز النشر الإلكتروني. نجد أنفسنا أمام نصوص متنوعة، شعراً ونثراً في عصر يهرول نحو المستقبل المجهول ـ المعلوم.

عليك ككاتب أن تختار موقعك فتحسن الأداء أو تسيء.. والناس يحكمون، يحبون أو لا يحبون.

كيف تحافظ على توازنك النفسي والإنساني.

الفايسبوك هو مساحة مثالية للتعبير عن الذات بطرق مختلفة، تكتب الشعر  بغزارة تُعجِب البعض وتُنفّر البعض الآخر.

الفايسبوك يشبه حلبة المسرح، ردة الفعل مباشرة هل تنتظرها، هل تتفاعل معها، هل تصنف جمهورك بحسب مستواه الفكري؟

عن تجربة الكتابة على فايسبوك. وعن جاذبية الزر الأخضر المضاء؟ حملنا تساؤلات كثيرة للكتاب الذين ينشرون نصوصهم الجميلة في الفضاء السيبرنيطيقي وحاولنا رمي ضوء على الحقيقة النسبية، حسب كل تجربة فردية.

الخلاصات دسمة، ولا تجربة تشبه الأخرى والكل أدلى بدلوه.. ودلو الشعراء جميل كما ستقرأون معي الآن.

***

 سرجون فايز كرم: التحرر من منة الناشر

سرجون فايز كرم، الأستاذ والباحث الجامعي والشاعر قرر أن يبحر على طريقته في تقديم أجوبة تطرح أسئلة جميلة:

“لا بدّ من الاعتراف أن عالم التواصل الاجتماعي بدأ بعد سنوات من انطلاقته يتجاوز حيّز العالم الافتراضي للشعر ليغدو شيئا فشيئا هو العالم الواقعي لكثير ممن يستعملونه، بحيث إنّ العالم الفعليّ الذي يأخذ من وقت الانسان الحديث وأخباره وصوره وذكرياته هو هذا العالم المختصر بهاتف ذكي ويد تحمله وعين تحدّق فيه. في السنوات الماضية تمّ استحداث كلمة لهذه الظاهرة وهي “زمومبي” وهي نحت لكلمتي “سمارت فون” و”زومبي”. هذا العالم الذي ينعزل فيه الانسان بنفسه وينفتح على الكرة الأرضية له محاسنه كما له سيّئاته وأمراضه. وحتّى إلى هذه اللحظة لا تزال معاهد علم التواصل والميديا تدرس ظاهرة الفايسبوك ودورها في ما يسمّى بالربيع العربيّ.

وإن أردنا أن نربط هذه الظاهرة بظاهرة الشعر والتأليف والنشر على الفايسبوك، أوّد أن أشير إلى أنّ العالم العربيّ هو أكثر العوالم في دول الشرق التي تنشط شعريّا على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتتكوّن فيه التكتلات والصداقات الشعريّة إلى درجة كبيرة.

لا أنكر أنّ لهذا العالم إيجابيّة كبيرة، كونه سمح للشعراء أن يصلوا بقصائدهم إلى قرّاء موزّعين في أرجاء المعمورة، كما حدّ من سلطة دور النشر وقطبيّة رؤساء تحرير الصفحات الثقافيّة التي تنشر لمن تشاء، أو لمن يمتلك القدرة الماديّة على نشر دواوينه. فعالم الفايسبوك المجاني ألغى هذه السلطة، لا بل أنّ شعراء يتم التعرّف إلى شعرهم وتتم دعوتهم للمشاركة في أمسيات شعرية وفعاليات ثقافية لن يحصلوا عليها لو بقيت سلطة النشر التقليديّة موجودة. ويمكننا أن نذهب أبعد في هذه النقطة ونصل إلى سهولة عمليّة غربلة النصوص ومقارنتها بطريقة سريعة جدا.

كما لا أنكر أنّني في هذا العالم الفايسبوكي أغفل أحيانا عن أمراضه وانتبه في النهاية أنّنا بفعل هذه النرجسيّة لا نضع سوى الصور التي تظهرنا سعداء وناجحين، ونتجنب عرض أنفسنا في لحظات ضعفنا ويأسنا. من ناحية أخرى، أستغل هذه الحلبة بشكل كبير لأنشر قصائدي كي لا تضيع أولاً، ولانّ معظم ما أكتب لا يمكن أن أنشره كاملا ومن دون تعديل في العالم العربي. فكثير من قصائدي التي أرسلتها بناء على طلب أصدقاء لي للنشر أرجعوها إمّا لأن الناشر اعتبر فيها تطاولاً على الذات الالهية أو تمادياً في التعرّض للمفاهيم والتقاليد المتّبعة. ربّما يقدّم الفايسبوك للشاعر هذا الشعور بأنه لم يعد محتاجا لمنّة أيّ ناشر. وهذا شعور سليم طالما يحرص الشاعر على رسالته تجاه الإنسانيّة، ولا يكون مجرّد متطفّل على الكلمة باستغلاله صفة شاعر كي ينطلق.

أمّا بالنسبة إلى “جمهوري” ـ إن كان القرّاء يسمحون لنا بهذه التسمية ـ فلست من النوع الذي يرسل طلبات الصداقة عشوائياً. كل أصدقائي على الفايسبوك هم من أهلي وأهل قريتي وزملائي في المدرسة والجامعة وشعراء عرفتهم شخصيّاً أو تعرّفت إلى أصدقائهم من خلالهم أو خلال إشارتهم إلى قصائدهم ومساهماتهم على صفحاتهم. وكلّ طلب صداقة أفحص فيه من هم الاصدقاء المشاركين بيننا. وبعد عشر سنوات على الفايسبوك لم يبلغ عدد “الاصدقاء” الألفين وخمسمائة شخص. وهنا طبعاً أصل إلى السؤال حول المستوى الفكريّ، وهذا أمر حاسم بالنسبة لي، فالمستوى الفكريّ فيصل في العلاقة، ليس في عالم الشعر فقط، بل في تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة، لذلك لست من النوع الذي يهتمّ كثيراً بموضوع اللايك، فأنا أكتب لنفسي أولاً، وأستغل مساحة الفايسبوك لأنشر أحياناً ما لا يمكن نشره لو كان هناك رقابة. ويكفيني أن يتفاعل معي شاعر أو أديب أحترم شخصه على أن أحصل على آلاف اللايكات التي يمكنني شراؤها لو أردت عبر شركات تتمركز في الزاوية المريضة من هذا العالم.

في هذا العالم الافتراضي-الحقيقي الجديد لا يمكنك أن توجهي كلاماً أو تتوجّهي إلى شخص يعيش مغترباً أمام شاشته. فكل ما يقال يعيش للحظة، وكلّ من في هذا الاطار يعتبر نفسه أنه الأكثر علماً ودراية. كلّ ما أستطيع قوله أنّ هناك من يحمي نفسه وهناك من انزلق في مخاطر الفايسبوك على عالم الشعر والشعراء. وهذه المخاطر لا تختلف عما تحذر منه الدراسات العلميّة. كلّ إنسان نرجسيّ بطبعه، ولدى الشعراء درجة عالية من النرجسيّة ربما أصبحت لدى البعض خطيرة. فعالم مواقع التواصل الاجتماعي يزيد بطبيعة الحال مستوى النرجسية في الذات بنسبة 25%، فكيف بالشعراء، أو بالمغمورين الذي سمّوا أنفسهم شعراء وبنوا جسوراً وروابط مع شخصيات ومجموعات ثقافية بكبسة زر، وبدأت اللايكات تنهمر عليهم لدرجة أنهم يصابون بأعراض الضيق والتذمّر إن لم يبلغ مستوى اللايكات الحدّ الذي يرجونه. ناهيك عن مرض “الديسمورفيا” أو مرض أصحاب الصور والسيلفي النفسي الجديد، وهذه ظاهرة ملفتة في عالم ناشري الشعر مع صورهم، لدرجة أنّهم يعانون من عدم تشابه صور أجسادهم الحقيقية مع صورهم المنشورة بعد الفلترة.

أمّا عن الزر الأخضر المضاء، فإني مدين له في مكان ما بأنّه حرّرني من الردّ المباشر أو من الشعور بالمسؤوليّة أنني يجب أن أجيب، حتى ولو كنت في وضع لا يسمح لي. وهذا كان شأني  في بداياتي مع الفايسبوك، عندما يكتب شخص أرى من واجبي أن أجيب فوراً، ولكن بعد فترة قصيرة أصبحت أتجاهل هذا الشعور، فلست مضطراً أن أوقف السيارة أو أتوقف عن العمل لأجيب عن رسالة يمكن أن أقرأها في المساء، وخصوصاً لو كان الامر اضطرارياً لاتصل صاحبه هاتفياً، حتى عبر الميسنجر”.

https://www.facebook.com/sarjoun.f.karam 

***

عامر الطيب: قصيدة الفرد لا الجماعة

الشاعر العراقي عامر الطيب من بين الشعراء الأكثر غزارة في النشر على فايسبوك يتحدث عن تجربته الخاصة ومنها كبسة الزر الأزرق، فيقول:

“في البدء، لا أعتبر فايسبوك فضاءً مثالياً للتعبير عن الذات. ثمة فضاءات أخرى ينبغي عدم إغفالها مثل الصمت والقراءة والمتابعة،  عدم المشاركة بشيء نُقحَم فيه إقحاماً وعدم التفاعل مع ما يحدث بسطحية أيضاً. والحال هذه يعني أنني لا آخذ الفايسبوك أو غيره من وسائل النقل والإتصال على محمل الجد، بمعنى أنني لا أعتبره معياراً بشأن ما أكتبه وما أراه وتبعاً لذلك لا تعنيني ردود الفعل والتفاعلات أو بعبارة أخرى لا توجهني الموجة. إنني أكتب ما أشاء دون انتظار صدى مماثلاً لما أكتبه،  بالطبع، لا يوجد صدى مماثل لصوت ما.

إقرأ على موقع 180  "ستة أسطر".. لا تُحصّن لبنان و"السين سين"!

لقد تبدّلَ مفهوم الجمهور وانحسر إلى حد كبير بعد خفوت القضايا الكبرى التي كان الشعر يحاول أن يجسدها أو يكون خطابها الوحيد والفاعل فلم تعد ثمة قصيدة تثير ضجة جماعية ولعلي أقول ذلك بشيء من المباهاة أن قصيدة النثر تثير حساسية قارئ فرد لا مجموعة ذات بعد واحد. إنها قصيدة الإنسان لا الجماعة وليس من المبالغة القول إنها تجذب قراءً لا جماهير. أما عن جاذبية الأخضر، حسناً أنا لا أجد في الأمر جاذبية. حسبي أنني ألغيت الإشعارات وتركت النافذة للتواصل المتقطع مع القريبين مني فقط”.

https://www.facebook.com/profile.php?id=100006626174382

***

رنيم ضاهر: غمزة الزر الأزرق!

 تفند الشاعرة اللبنانية رنيم ضاهر أجوبتها كأنها تغزل بصنارة الكلام بدليل تبويبها الدقيق لا بل المسرحي:

“أولاً؛ الفايسبوك وسيلة تواصل إجتماعية، لها سيئاتها وحسناتها، فقد فتح الباب على مصراعيه أمام الملأ ليكتبوا ما يشاؤون، مُعبرين عن أنفسهم بنرجسية قاطعة ونافرة. فكل من يملك بروفايلاً بات بإمكانه أن يُعبّر عن نفسه بالكتابة سواء النثرية أو الشعرية. أجد أن هناك تجارب تستحق القراءة مثلما هناك مُتسلقون على ظهر الشّعر، لذلك تأتي هنا مهمة النقد لغربلة التجارب ووضع النقاط على الحروف.

من جهتي، الفايسبوك يُشبه الجريدة الورقية، لذلك أشعر بمسؤولية تجاه ما أنشر، دون أن أهتم إلى عدد اللايكات أو المجاملات، كذلك أنا صارمة في محاسبة النصوص قبل نشرها في كتاب أو وسيلة إجتماعية. أمّا عن لعبة التوازن فهي مُتفاوتة، فالشعر بالنسبة لي نوع من التوازن وبالوقت ذاته نوع من الانتحار والوقوف على أرضٍ مهتزة نوعاً ما. التوازن والفن توأمان من جليد ونار وانزلاق وتوتر، علاقة تأخذ من الروح والجسد، لتمنحنا بالنهاية بعض الأحاسيس المتناقضة.بين وجودنا الافتراضى والحقيقي مرآة مُشبعة بالنرجسية. لذلك علينا التمسك جيداً بالحبال كي لا نقع في فخ الازدواجية.

ثانياً؛ الفايسبوك وسيلة للتعبير وتنقيح الأفكار، كلٌّ منا لديه لغته وأسلوبه. فأنا شخصياً أقرأ ما يكتبه بعض الأصدقاء الذين أحب تجاربهم، ويُلفتني جداً ما يهمسون به. كذلك أقرأ الكثير من المقالات والمقابلات. حين أنشر ما أنشره، لا أبحث عن أصابع زرقاء أو قلوبٍ حمراء، بل أُثبت لنفسي أنني قادرة على الكتابة والتنفس، في عالم منكوب، وكي لا أتعرض للتلف، فالتعبير عن الذات جزء من العلاج في مجتمع مُنكمش على نفسه، وغير مُتسامح. الكتابة هي لنفسي أولاً وللآخر الذي يعرفني من خلال نصوصي، سواء أعجبته أو ضايقته. لكنها بالتأكيد موجودة ولا ترتدي نقاباً، فهي مكشوفة أمام النقد منذ أول كلمة وحتى الرمق الأخير.

ثالثاً؛ الفايسبوك حلبة مسرح، ونحن كممثلين ومُتلقين وهواة ومُحترفين ومُشتتين وواثقين من أنفسنا وعاجزين نحتاج إلى عناصر المسرح كافة للتعبير عن كل هذه المشاعر وأكثر. فالخشبة العالية، تحتاج إلى هذه المتناقضات لتجسيد الحالة. الديكور جزء من الاختباء وعدم الثبات. نستعمله لنثني على أفكارنا، سواء صفق لها الجمهور أم لا. من ناحيتي، أتابع الكثير من الصفحات وأنحني لمبدعيها. أمّا عن قصائدي فهي ليست واضحة كثيراً أو سهلة، مع ذلك هناك من يقف عندها، سواء أكان ناقداً أو شاعراً أو رساما أو طالب جامعة أو تلميذاً، لا أنتبه كثيراً، لكنني في النهاية أترك للكلمات وحدها أن تُحررني من هوس التصفيق العالي والنفاق الاجتماعي. فخلف الجدران هناك دائماً أسرار وضمير مُستتر، قد يجذب الآخر لفك رموزه أو لتجاهله. لكن في جميع الأحوال، القطارات تحمل الكثير من الناس والأمتعة والحكايات، إلى محطات بعيدة، لذلك حين تصعد كل قصيدة من محطة إلى محطة، تُصلح الكثير من نفسها وهي تُراقب من النوافذ سرعة تتابع الصفحات ووجوه الناس الكثيرة وكلماتهم اللاهثة للالتصاق بالشاشة الصغيرة.

رابعاً؛ تجربة الكتابة على الفايسبوك خطيرة وليست سهلة، كما يظن البعض. مع مرور الزمن ثمة نصوص ستُصبح بلا قيمة حسّية أو روحية. ستندثر لأنها غير حقيقية. كذلك فإن إرفاق القصائد بالصور الشخصية، قد يقف ضد القصيدة نفسها. فأنا اُلاحظ أن الناس تتعاطف مع الصورة أكثر من الكلمة. لذلك أتجنب هذا الأمر قدر المستطاع أترك لصوتي أن يخترق بعض القلوب إذا أمكن.

تجربة الكتابة على الفايسبوك خطيرة وليست سهلة، كما يظن البعض. مع مرور الزمن ثمة نصوص ستُصبح بلا قيمة حسّية أو روحية. ستندثر لأنها غير حقيقية. كذلك فإن إرفاق القصائد بالصور الشخصية، قد يقف ضد القصيدة نفسها. فأنا اُلاحظ أن الناس تتعاطف مع الصورة أكثر من الكلمة. لذلك أتجنب هذا الأمر قدر المستطاع أترك لصوتي أن يخترق بعض القلوب إذا أمكن

خامساً وأخيراً؛ تسألينني عن الزر الأخضر المُضاء وجاذبيته. هو رمز للإنتظار الدائم، لما هو متوقع وغير متوقع. إنه كالسماء السابعة غير مُستعد لشرب القهوة معنا، برغم سرعته وحدته، لكنه موجود وثابت، غير قابل للطي، يلمع في أذهاننا وجيوبنا. ربما يغمزنا في لحظات الضجر ويؤكد لنا أنه حقيقي، وأنه في يوم من الأيام يحتاج إلى هدية كي يُكمل ظهوره. لا أعرف إن كان الواقع أشدّ حضورا بعشبه ووديانه أم الوهم المُتجسد بالأزرار والفأرة والكيبورد والهاتف النقال من اليد اليمين إلى الشمال وبالعكس. هما ضوءٌ واحدٌ وعلى ذواتنا أن توافق بينهما حتى لا ننتحر كالحيتان التي وصلت إلى الشاطئ حين خانتها بوصلة البحر”.

 https://www.facebook.com/ranim.daher.9

***

سمير السعدي: أنا أكتب إذاً أنا موجود

الشاعر المصري الذي يكتب العامية سمير السعدي له رأي بالتجربة الفايسبوكية. يقول بعبارات مكثفة:

“المساحة البيضاء لصفحة الفايسبوك، توازي نفس المساحة البيضاء للورقة A4 ان جاز التعبير التي كانت جاهزة دائما على مكتبي الخشبي في حجرة منزلي. هي توازي أيضا المساحة البيضاء المتخيلة، في رأسى، لكتابة ما تطرحه شجرة الافكار، انا لا أتصور أي مهنة اخرى امتهنها، سوى الكتابة والشعر بخاصة، لذلك جاء الفايسبوك مناسبا جدا، بجملة “بم تفكر” لكتابة بوست!

الأسئلة غاية في العمق والجدية، لأن الأفكار طيور تحلق في سماء لا حدود لها، فكيف تقبض علي فكرتك الطائرة في الوقت المناسب، وتضعها على الورق، في المتخيل، أو الواقعي، واخيراً الافتراضي.

حقق الفايسبوك اسهل الطرق لتحقيق الذات الهائمة طوال الوقت بحثاً عن اجابة لكل الأسئلة المطروحة، هنا في هذه المساحة وجد الإنسان نفسه أمام نفسه، يعبر ويطرح، يجيب ويسأل، يشتبك ويشارك، كل المنتوج الإبداعي، في رحاب هذه المساحة الممنوحة له في براح افتراضي اوسع.

التواصل، معنى جميل في الحياة، معنى اجمل للانسان، يبحث عنه طوال عمره، وما يحقق وجودي، هو الآخر، كذلك الكتابة والتعبير، لذلك، انا اكتب اذن انا موجود. دمتم بالمحبة والسعادة”.

 https://www.facebook.com/samir.saady

***

حكمت حسن: الفايسبوك أكسبني أصدقاء حقيقيين

ماذا تقول المربية الكاتبة والشاعرة حكمت حسن برهافة نصوصها ومشاعرها؟

“الكتابة على الفايسبوك تتغيّر بالنسبة إليّ بحسب كلّ فترة. ويبقى هناك قاسم مشترك بين اختلاف الفترات سأورده هنا.

في البداية كان انتظار فعل نصّ أكتبه على الفايسبوك بمثابة انتظار نتائج امتحانات نجاحا أو رسوبا، طبعا هذا يتضمّن أن أراقب عدد المتابعين ومضمون تعليقاتهم، والتي كنت أعوّل فيها على العمق، فكلما كانت الجمل المعتمدة عميقة وتطال تحليل جدّي للنصّ المنشور من قبلي، كلما أعطتني دفعا شعوريا عاليا، ممّا يزيد من منسوب ثقتي بما أكتب، ويعتبر اعترافاً من الآخرين بمدى أهمّية ما أكتبه.

بعد عدّة سنين، ومع تغيّر المتفاعلين مع النصوص، هناك من يغيب عن الفايسبوك وهناك من يستجدّ، تبدأ مرحلة انتظار لبعض الأشخاص كي يعلّقوا هم بذاتهم، نظرا لما يتشكّل من معرفة بقدرة الآخر على التقاط المعنى المراد من النصّ، وتواجده الدائم ومتابعته لكلّ ما ينشر، وهذا الأمر يستمرّ في التغيّر تبعا لكلّ فترة، ولتواتر أوقات النشر لديّ، فبعدما كنت أنشر أسبوعيا تقريبا، بدأت أطيل الفترة والتي تصل إلى الشهر، وأحيانا تطول أكثر من ذلك. كما أن ما تغيّر هو عدم اهتمامي بكمّية اللايك تحديدا، أو بنوعيّة الإجابات العميقة، أو تواترها.

لكن الذي ما زال نمطا لديّ هو أنّني لا أهمل أي تعليق، ولا أجيب عنه بشكل سطحيّ أو سريع، فإن تأخّري في النشر يكون أحيانا سببه أن لا وقت لدي لأردّ على كل المتابعين، وهذا ما لا يمكن أن أفعله، إذ إن كل جهد مبذول من أجل ما أكتبه، يجب أن يرافقه تقدير معنويّ وملحوظ لمن أورده. فأنا أعتبر أن العلاقة على الفايسبوك تكسبك صداقات فعليّة في الحياة”.

(*)https://www.facebook.com/hikmat.hassan.52

(*) بعد غدٍ الخميس الجزء الثاني والأخير

Print Friendly, PDF & Email
أغنار عواضة

كاتبة وشاعرة لبنانية

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  استقالة لافروف تنتظر حل معضلة البديل