ماكرون إلى ولاية رئاسية ثانية.. إلا إذا!

على مسافة زمنية لا تتعدى الشهرين، هي الفاصلة عن موعد الدورة الاولى للإنتخابات الرئاسية الفرنسية (10 نيسان/أبريل 2022)، كيف تبدو صورة المشهد السياسي الداخلي الفرنسي حالياً؟    

هدوء الشارع الفرنسي وعدم حماسته للاستحقاق الرئاسي، يترافق مع بعض الصخب في وسائل الاعلام الفرنسية التي باتت تترقب المواقف والبرامج وتستعد للمناظرات بين مختلف المرشحين خصوصاً لدى المرشحين المتقدمين الذين أظهرتهم نتائج الاستطلاعات الاخيرة.

موضوعان يتصدران واجهة الاهتمام: الأول، يتعلق بمعرفة قدرة المرشح على اجتياز الحاجز القانوني لقبول دخوله رسمياً في السباق الى قصر الاليزيه، والثاني، يتعلق بمدى تقدم أو تراجع هذا المرشح أو ذاك في استطلاعات الرأي.

عقبة 500 “توقيع”!

الموضوع الأول يتعلق بمعبر الزامي نص عليه قانون 1976 ويشير الى ضرورة جمع 500 “توقيع” لفاعليات لها واقع تمثيلي ومنتخبة كالنواب (اعضاء الجمعية الوطنية) واعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء المناطق والمجالس المحلية والبلديات والمستشارين في هذه المجالس، ولا يمكن إعطاء التوقيع إلا لمرشح واحد.

تشكل هذه التواقيع بداية رحلة “التبني والدعم” للترشيح. ويسهر المجلس الدستوري على هذه العملية من أجل التحقق من صحة التواقيع وتعددية المناطق الجغرافية التي تأتي منها (ضمان التمثيل الوطني) واتخاذ قرار حول مدى أهلية هذا الترشيح وإعطاء الموافقة عليه او عدمه. وتهدف هذه القاعدة إلى الحد من عدد المتنافسين على أعلى منصب تنفيذي في الدولة واستبعاد الطلبات التي لا تحظى بالدعم التمثيلي.

بالنسبة لاستحقاق هذه السنة، سيتمكن المرشحون من جمع هذه التوقيعات الثمينة اعتبارًا من يوم الجمعة 27 كانون الثاني/يناير 2022 وحتى يوم الجمعة 4 آذار/مارس الساعة السادسة مساء. ولأن جمع التوقيعات أمر شاق للغاية، لا سيما للمرشحين “الصغار” ومرشحي الأحزاب المتطرفة، فإن البحث عن تواقيع “الداعمين” يبدأ قبل المواعيد القانونية بوقت طويل. حتى أن بعض المرشحين يطلب مساندة هؤلاء “الداعمين” المحتملين قبل عام من إجراء الانتخابات. لذا يقضي بعض هؤلاء المرشحين وقتهم في جمع وعود “الدعم” خلال هذه الفترة.

وبعد مصادقة المجلس الدستوري على التوقيعات والترشيحات، يجب على الحكومة نشر القائمة الرسمية للمرشحين في 11 آذار/مارس 2022.

ومنذ صدور قانون 25 نيسان/أبريل لعام 2016، والذي يفرض المزيد من الشفافية من خلال نشر المجلس الدستوري أسماء ووظائف الموقعين، بات كثيرون من الفاعليات يترددون في اعطاء تواقيعهم خصوصاً للمرشحين المتطرفين يميناً ويساراً. وهو مبدأ انتقده عدد من المرشحين من بينهم جان لوك ميلنشون (يسار متطرف) ومارين لوبان وإريك زمور (يمين متطرف)، الذين يطالبون بالعودة إلى مبدأ إخفاء هوية “الموقعين” نظراً لأنهم يجدون صعوبة في جمع العدد القانوني اللازم.

يحرص ماكرون على تقديم نفسه على انه رجل دولة يركز على قضايا الساعة من إدارة الأزمة الصحية (كورونا) في فرنسا إلى جهود دبلوماسية يبذلها في كل الاتجاهات بشأن الأزمة الأوكرانية كون فرنسا ترأس حالياً الاتحاد الأوروبي. وهو يؤجل اعلان ترشحه ويتهمه خصومه بالقيام بحملة انتخابية غير معلنة

من هنا تبرز، حسب المختصين في السياسة الداخلية الفرنسية، أهمية معرفة الصورة النهائية للائحة الرسمية للمرشحين التي ستتبلور في مطلع آذار/مارس بعد المصادقة على الترشيحات نظراً لأن خروج مرشح رئيسي لعدم حصوله على الدعم الكافي سيعيد توزيع الأوراق والأصوات بين المرشحين المتبقين.

واللافت للإنتباه ان الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي لم يعلن بعد قرار ترشيحه رسمياً للانتخابات الرئاسية المقبلة، كان أول من استطاع جمع 500 توقيع حسب ما أفاد به المجلس الدستوري تبعته فاليري بيكريس مرشحة حزب “الجمهوريين” وآن هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي.

ويحرص ماكرون على تقديم نفسه على انه رجل دولة يركز على قضايا الساعة من إدارة الأزمة الصحية (كورونا) في فرنسا إلى جهود دبلوماسية يبذلها في كل الاتجاهات بشأن الأزمة الأوكرانية كون فرنسا ترأس حالياً الاتحاد الأوروبي. وهو يؤجل اعلان ترشحه ويتهمه خصومه بالقيام بحملة انتخابية غير معلنة ومقنعة مستفيداً من موقعه الحالي في قصر الاليزيه.

ما هي توجهات الناخبين؟

قبل شهرين من موعد فتح صناديق الاقتراع الرئاسي في دورته الأولى، كيف تبدو اوضاع المرشحين لدى الرأي العام الفرنسي؟

حتى الآن، وحسب آخر استطلاعات الرأي، يحل ماكرون في المركز الاول متقدماً على سائر المرشحين مع 24 بالمئة، تليه فاليري بيكريس مرشحة حزب “الجمهوريين” (اليمين المعتدل) مع 16.5 بالمئة، غير أن الجديد والمفاجىء في الاستطلاعات تقدم اريك زمور وتقاسمه المركز الثالث مع مارين لوبان بنسبة 14 بالمئة، وهما المرشحان اللذان يتنافسان على تمثيل اليمين المتطرف. ويبدو ان اعتماد زمور مواقف اكثر تشدداً من لوبن منحه مزيداً من التأييد الشعبي!

إلا ان لوبان عادت في استطلاع أخير الى التقدم على زمور ومنافسة بيكريس (15.5- 15) على المركز الثاني الذي سيكون محور الاقتراع في الدورة الاولى والمنافسة ستكون شديدة عليه بين الثلاثي بيكريس – لوبان – زمور.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل محاصرة بالإخفاقات!

وفي آخر المواقف المتطرفة، اعتبر زمور أن المنحرفين الذين يقطنون الضواحي هم “رفاق سلاح للجهاديين” في “معركة حضارية” تضع المهاجرين في مواجهة الثقافة الفرنسية التقليدية. الكاتب اليميني المتطرف، الذي لطالما استخدم ضحايا هجمات الجهاديين في فرنسا منذ 2015 ذخيرة سياسية له، خاطب جمعاً من اعضاء الشرطة في احدى نقابات رجال الشرطة قائلاً لهم انهم “في الجبهة الأمامية لمعركة حضارية”، وأضاف :”هناك حضارتان على أراضينا ولا يمكن لهما التعايش بسلام، نحن بحاجة الى أن تفرض واحدة منهما نفسها، وهي حضارتنا”، مشيرا إلى وجود صلة “بين المنحرفين العاديين والجهاديين”. وقال “انهم الشيء نفسه”، مستفيضاً في شرح نظريات قدّمها في كتبه تفيد بأن الدين وليس الفقر او الاستلاب هو ما يثير الجرائم في الشوارع في أحياء فرنسا الأشد قسوة.

وكان زمور تعرض خلال السنوات العشر الماضية لخمس عشرة دعوى قضائية بسبب تصريحاته المثيرة للجدل بتهمة الإهانة العرقية والتحريض على الكراهية أو الطعن في الجرائم ضد الإنسانية.

وقبل مدة حكم عليه بدفع غرامة قدرها عشرة آلاف يورو لتحريضه على الكراهية بعد وصفه في لقاء تلفزيوني المهاجرين القصر غير المصحوبين بذويهم بأنهم “لصوص” و”قتلة” و”مغتصبون”.

معاهد الاستطلاع تحذّر من أن المشهد السياسي لا يزال متقلّباً ومن أن نتائج الانتخابات غير محسومة خصوصاً انها تتخوف من نسبة مرتفعة قياسية في مقاطعة التصويت. كما ينبغي انتظار الحملة الانتخابية الرسمية قبل الدورة الأولى وترقب “المناظرة – المواجهة” بين المرشحين النهائيين قبل الدورة الثانية

وقد اغتنم ماكرون مناسبة انعقاد “منتدى عوالم المتوسط” الذي نظم في مدينة مرسيليا في الجنوب الفرنسي للرد على هذه المواقف اليمينية المتطرفة، فدافع عن “ثروة التعددية” التي يتمتع بها الفرنسيون من الشتات ولا سيما “من بلاد الشام والمغرب وجنوب أوروبا” ومنتقداً بذلك زمور من دون أن يذكر اسمه. وقال ماكرون: “أولئك الذين يأتون من الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط” هم “فرصة لجعل فرنسا أكبر”، مستنكرًا ما يردده أولئك الذين “يشكّكون” في الفرنسيين القادمين من “مكان آخر”.

ماذا عن أحوال مرشحي اليسار؟

الانقسامات والخلافات داخل صفوف احزاب اليسار أضعفتها وجعلت مرشحيها ينالون نسبة متدنية من تأييد الرأي العام الفرنسي كما لم تنجح كل محاولات توحيد الصفوف والاتفاق على مرشح واحد يمثل اليسار المعتدل وانصار البيئة (حزب الخضر)، بالرغم مما تردد عن بداية تقارب بين يانيك جادو (البيئة-الخضر) ووزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا.

واكبر شاهد على تراجع اليسار هو الفشل الذريع لمرشحة الحزب الاشتراكي، (الذي أوصل رئيسين الى قصر الاليزيه فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند)، رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو التي لا تتجاوز نسبة التأييد لها حدود الـ4 بالمئة حتى الآن!

لمن الغلبة؟

يبقى ان ماكرون، حسب كل الاستطلاعات، هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بالاستحقاق الرئاسي في الدورة الثانية مع 57 بالمئة في مواجهة بيكريس (المنافسة الجدية التي لم تستطع حتى الآن تحقيق الخرق المطلوب) و61 بالمئة في مواجهة زمور أو لوبان. واعتبرت صحيفة “لو موند” في افتتاحية أخيرة لها “أن كل هذه التوازنات قد تتبدل، وفي هذه المرحلة يأخذ التصويت لإيمانويل ماكرون شكل خيار تلقائي”.

لكن معاهد الاستطلاع تحذّر من أن المشهد السياسي لا يزال متقلّباً ومن أن نتائج الانتخابات غير محسومة خصوصاً انها تتخوف من نسبة مرتفعة قياسية في مقاطعة التصويت. كما ينبغي انتظار الحملة الانتخابية الرسمية قبل الدورة الأولى وترقب “المناظرة – المواجهة” بين المرشحين النهائيين قبل الدورة الثانية وأثر ذلك على خيار الناخبين المترددين الذين لم يحسموا خيارهم بعد.

وقد ذهب عدد من المراقبين في الإتجاه نفسه بالدعوة الى إلتزام الحذر لأن “المزاجية الانفعالية” تحرك دائماً خيار الناخب الفرنسي مع ما تحمله من مفاجآت، إضافة الى الوضع السياسي المتقلب وان المدة الفاصلة عن موعد الانتخابات معرضة لأي تطور سياسي استثنائي او حدث طارىء في الشارع قد يغير الموازين ويبدل الخيارات.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  "إف-16" لأوكرانيا وبيلاروسيا نووية.. الخطوط الحمر تتلاشى