آسيا تايمز: هل تكون إيران بديل روسيا الغازي؟

منى فرحمنى فرح10/03/2022
مع إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح الإتفاق النووي أكثر تشابكاً من ذي قبل؛ في ظلّ نظام جيوسياسي جديد ناشئ. ثمة آمال بأن الصفقة المرتقبة ستسمح لإيران في أن تحل مكان روسيا لناحية توفير إمدادات الطاقة للغرب. "لكنها آمال سابقة لأوانها"، لأسباب عدّة، يشرحها الصحافي الإيراني كوروش زيباري في هذا التقرير في موقع "آسيا تايمز"(*).

في تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي، طلب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من واشنطن تقديم ضمانات مكتوبة مفادها أن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) يجب أن يكون مشروطاً بالسماح لروسيا بالحفاظ على علاقات تجارية واقتصادية مع إيران مُعفاة من العقوبات الأميركية المُستجدة عليها بسبب حربها مع أوكرانيا.

العديد من المحللين فسَّروا المطلب الروسي على أنه محاولة من موسكو لجعل خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي) رهينة من أجل إبتزاز الغرب، لا سيما وأنه جاء بعد شهور من المفاوضات، وفي وقت بدأ الجميع يتحدث عن قُرب توقيع صفقة جديدة من شأنها رفع مجموعة من العقوبات الغربية عن إيران.

ملء الفراغ

نظرياً، لا ينبغي أن تتأثر إيران بشدة بالحرب في أوكرانيا. لكن النخب الإيرانية والخُبراء والنُقَّاد الغربيين يرون أنه إذا لعبت إيران أوراقها بشكل صحيح، فيمكنها الإستفادة من عُزلة روسيا عن النظام المالي العالمي وأسواق الطاقة، من أجل إنعاش اقتصادها المُتعثر منذ سنوات، لا سيما من خلال صادرات الطاقة؛ بعد أن تملأ الفراغ المُستجد الذي أحدثه إحتمال وقف الإمدادات الروسية الخاضعة للعقوبات.

تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا. كما أنها تقع على رابع أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم. لكن العقوبات الغربية التي امتدت لسنوات طويلة جداً، وطالت صادرات الطاقة على وجه الخصوص، أعاقت كلا الصناعتين (النفط والغاز) بشكل كبير.

فإذا تم إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن للجمهورية الإسلامية أن تبرز؛ وبسرعة؛ كمُصدّر رئيسي للنفط والغاز، على غرار الفترة التي تلت توقيع الإتفاق النووي عام 2015 (الأصلي)، عندما سجل الاقتصاد الإيراني معدل نمو كبير بنسبة 12.5٪ في 2016-2017.

عقبات وموانع

ومع ذلك، يعتقد خُبراء أن الحالة المتداعية للبنية التحتية الأساسية للطاقة في إيران (بسبب الحصار)، وحقيقة أن ما يقرب من 80٪ من الغاز الطبيعي الذي تنتجه يُستهلك محلياً، يعني أنه لا يمكن لهذا المورد أن يحل محل الإمدادات الروسية على الفور. وهذا يفسر جزئياً سبب تردد أوروبا في فرض عقوبات على كامل صادرات الطاقة الروسية، وخصوصاً الغاز الطبيعي؛ الذي يمثل 40٪ من واردات أوروبا.

ديفيد غاليفاند، المدير الإداري لشركة “أورينت ماترز” للإستشارات البحثية يشرح الأمر قائلاً: “في حالة الغاز الطبيعي، هناك عقبات وموانع في البنية التحتية. فإيران متصلة؛ عن طريق خط أنابيب؛ بعدد قليل فقط من دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص العراق وتركيا، وليس لديها محطات للغاز الطبيعي المُسال. وهي تُكافح من أجل تلبية الطلب المحلي، ولا تملك القدرة على زيادة الصادرات على المديين القصير والمتوسط. وحتى لو استطاعت التغلب على هذه المشاكل، فمن غير المرجح أن تنافس روسيا في سوق التصدير الرئيسي إلى أوروبا. ومع ذلك ستسعى لحجز موطئ قدم في السوق الآسيوية، حيث نمو الطلب على المدى الطويل أقوى”.

مونتغمري: إيران قادرة على استبدال صادرات النفط الروسية في غضون 6 إلى 8 أشهر بمجرد توقيع الصفقة

لكن طهران تطمح؛ بلا أدنى شك؛ لإستعادة حصتها المفقودة في السوق العالمية بسرعة، وتسعى لإستعادة موقعها كلاعب رئيسي مرة أخرى، خصوصاً الآن بعدما إرتفعت أسعار النفط الخام إلى مستويات غير مسبوقة (حوالي 130 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد).

الكل يريد إيران اليوم

يعتقد سكوت مونتغمري، عالم الجيولوجيا وعضو هيئة التدريس في جامعة واشنطن، أن إيران قادرة على استبدال صادرات النفط الروسية في غضون ستة إلى ثمانية أشهر، وعلى الأرجح بحلول نهاية عام 2022؛ بمجرد إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

ويضيف مونتغمري، الذي تابع مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة عن كثب: “بتقديري، إذا تم رفع العقوبات الآن، تستطيع إيران أن تنتج ما يكفي لتصدير نحو 1 إلى 1.2 مليون برميل يومياً، وعلى الفور، وربما تتضاعف هذه الكمية قبل نهاية عام 2022. وإذا قررت تصدير القسم الأكبر من هذا الإنتاج إلى أوروبا، يعني إمكانية إستبدال معظم النفط الروسي، أي 2.4 مليون برميل يومياً. وفي غضون بضع سنوات؛ مثلاً عام 2025 أو 2026؛ يمكن أن تعود الطاقة الإنتاجية الإيرانية إلى أكثر من 4 ملايين برميل يومياً وربما أكثر”.

ويرى مونتغمري أن إعادة ربط إيران بالعالم من خلال اتفاق نووي جديد سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي للبلاد، وهذا سيكون نعمة مقنعة للغرب من خلال ترشيد تعاونهم الوثيق في مسائل أمن الطاقة.

ويضيف: يتحلى الإيرانيون بالحكمة. هم يعرفون أن الغرب، وكذلك الشرق، يريدون بشدة أن تنجح الصفقة، لذا يمكن لإيران أن تصبح مرة أخرى مصدراً رئيسياً للطاقة، ومساهماً رئيسياً في إستقرار سوق النفط العالمي على وجه الخصوص. هذه الحقيقة تتزايد الآن بدرجة كبيرة بفعل احتمال فرض حظر على صادرات النفط والغاز الروسي إلى الغرب (واشنطن ولندن فرضتا بالفعل عقوبات على صادرات الطاقة الروسية).

مع ذلك، وبرغم احتمالية أن تتعافى إيران من الركود الاقتصادي وتخرج من عزلتها الجيوسياسية بعد سنوات طويلة من العقوبات المعوقة، هناك مؤشرات على أن طهران ستسعى بسرعة للتحوط من رهاناتها الدبلوماسية من خلال إنشاء تحالفات جديدة بعيداً عن علاقاتها مع بكين وموسكو.

إقرأ على موقع 180  هل من بديل لصندوق النقد؟

قرار سياسي لا بد منه

في هذا الخصوص، يرى أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه كي تصبح إيران مورداً رئيسياً للطاقة إلى أوروبا، مطلوب أولاً توفر “قرار سياسي في أوروبا كما في طهران لينظرا إلى بعضهما البعض كشركاء إستراتيجيين في قطاع الطاقة – أي علاقة بين مُوَرّد ومُستهلك”.

الإتفاق النووي الجديد سيعيد صادراتها من الطاقة إلى الأسواق العالمية.. وإيران قد تختار التوجه شرقاً

لكن فاتانكا يجادل بأن الإرادة السياسية ليست موجودة في الوقت الحالي. ويقول: “الإيرانيون لم يكن لديهم أبداً خطة إستراتيجية قوية ليصبحوا لاعباً قوياً في مجال الطاقة. إنهم يتمتعون بكل صفات لاعب الطاقة العالمي، لكن سياستهم الخارجية الإسلامية الثورية ستبعدهم عن الأسواق العالمية. إن رجاء طهران في أن تسفر سياستها في التوجه شرقاً؛ بالنسبة للصين؛ سوف تُنقذ قطاع الطاقة لديها. الصين قد تكون المنقذ هنا، لكن لا فائدة تُذكر من أن تصبح إيران مورد نفطي لعميل واحد”.

التوجه شرقاً

مراقبون آخرون يشيرون إلى أنه من غير المرجح أن تبتعد إيران عن سياسة التوجه شرقاً، لأن الثقة مفقودة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا راسخ في عقلية إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي.

يقول توم أوكونور، الكاتب الأميركي الحائز على جائزة نيوزويك: “من الصعب بالنسبة لي أن أرى إيران تتراجع عن تحولها الإستراتيجي نحو الشرق حتى لو أتاحت خطة العمل الشاملة المشتركة فرصاً جديدة للتعامل مع الغرب”.

ويضيف: “إيران ليست وحدها من يختار التوجه شرقاً في المنطقة. لكن بالنسبة لها على وجه الخصوص، فإن التجربة في ظلّ العقوبات خلقت مرارة عميقة بين النُخب السياسية في إيران، وأثّرت على النظرة تجاه الغرب، حتى لدى المدنيين العاديين الذين كان لدى الكثير منهم تقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا على الرغم من التوترات الجيوسياسية الطويلة. وبالنظر إلى مشاعر العداوة والكراهية والحقد تجاه الغرب، خصوصاً لناحية حرمان طهران من جني ثمار خطة العمل الشاملة المشتركة واغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير 2020، لا ينبغي أن يتفاجأ صانعو السياسة الأميركية إذا قررت إيران الإنحياز لروسيا على حساب علاقتها مع الغرب”.

بحث المطلب الروسي

من المؤكد أن إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة ليس أمراً مفروغاً منه بعد. وبحسب ما ورد، فإن كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، عاد مرة أخرى إلى طهران في فترة راحة قصيرة من المحادثات في فيينا لطلب المشاورات، التي يتوقع المحللون أنها تتعلق بالمطالب الروسية الجديدة.

وفي هذا الصدد، تقول داريا دولزيكوفا، من برنامج الانتشار والسياسة النووية التابع للمعهد الملكي للخدمات المتحدة، “إذا إنهار الإتفاق، فلن تحصل إيران على الفوائد الاقتصادية التي كانت تسعى إليها طوال فترة المفاوضات. لذلك أعتقد أن المطالب الروسية الجديدة ستخلق شيئاً من الإحباط، ليس فقط في واشنطن والعواصم الأوروبية، بل وأيضاً في طهران؛ خاصة إذا تبين أن هذه المطالب لا تتعلق مباشرة بخطة العمل الشاملة المشتركة”.

وتضيف دولزيكوفا: “هذا قد يُجبر إيران على العمل بشكل أوثق مع الأطراف المفاوضة الأخرى لإيجاد طريقة لإنقاذ الإتفاق، إذا كانت المطالب الروسية تُهدد مصالحها، فلطالما كانت العلاقة بين طهران وموسكو مُعقدة”.

مصلحة مشتركة

هناك من يعتقد أن إيران والغرب، وبرغم أنهما على خلاف مستمر، لديهما أسباب اقتصادية جديدة لوضع اللمسات الأخيرة على الإتفاق النووي الجديد.

يقول ستيفن زونس، خبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة سان فرانسيسكو: “تخشى واشنطن من أن يؤدي النقص في الطاقة وارتفاع الأسعار إلى إغراء المستوردين بمعارضة العقوبات التي فُرضت مؤخراً على روسيا. لذلك لديها الآن حافز للتساهل مع إيران في ما يخص الكثير من تجارتها الدولية. في الواقع، كلا الطرفين لديه حافز اليوم للمضي قُدماً في علاقتهما”.

ومع ذلك، يعتقد زونس أن الطريق إلى تجديد الإتفاق النووي سيكون وعراً بالنظر إلى ما يمكن أن يقوم به المتشددون في إيران، والصقور في كل من واشنطن وتل أبيب، لجهة عرقلة الدبلوماسية.

ويقول: “كان الإنسحاب من الإتفاق من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتهديدات القادة الجمهوريين بإلغاء أي تعديل مستقبلي إذا عادوا إلى السلطة، وبطء مفاوضي جو بايدن في تقديم تنازلات، كلها كانت هدايا للمتشددين الإيرانيين، الذين كانوا هم أنفسهم مترددين أيضاً في تقديم تنازلات”.

“الأوروبيون والأميركيون لديهم مصلحة مشتركة في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة وتخفيف تأثير قطع صادرات النفط والغاز الروسية، لذلك من غير المرجح أن يتسببوا بمزيد من الخلافات مع إيران”.

(*) النص بالإنكليزية على موقع “آسيا تايمز

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مُفاجأة "عماد - 4".. ما قبل وما بعد