السنوار قائداً لغزة مجدداً.. هنية يلوي ذراع مشعل!
ISRAEL - SEPTEMBER 15: Demonstration of The Hamas movement in Gaza, Israel on September 15, 1993. (Photo by Esaias BAITEL/Gamma-Rapho via Getty Images)

عندما تنادي حماس الأعداء والأصدقاء "إسمعوا صوتي! إنني موجودة"، تستند بالدرجة الأولى إلى قطاع غزة، مركز قوتها وثقلها الأساس. تستقي من وهجه العزم في الأقاليم الثلاثة: الخارج والسجون "الإسرائيلية" والضفة الغربية. غزة هي منصّة حشدها الجماهيري وكتائبها المسلحة، والجغرافية التي تسيطر عليها منذ قرابة 14 عاماً، وتحقق فيها قدرة على التحرك والتسلح وبناء القوة والقدرات.

حظيت انتخابات حركة حماس الداخلية في قطاع غزة بأهمية كبيرة لدى المراقبين والمتابعين، نظراً لتأثيرها البالغ في نتائج انتخاب رئاسة المكتب السياسي لحماس خلال الأيام المقبلة، وانعكاسه على المسار السياسي العام للحركة. إنتخابات حظيت بإهتمام الداخل الفلسطيني ورصد الجانب “الإسرائيلي”، كما العديد من العواصم الإقليمية والدولية، لما سيكون لها من تأثير يتجاوز البنيان الداخلي إلى البنيان الفلسطيني العام، بما في ذلك معادلة الصراع مع الإحتلال والتموضع الإقليمي.

بعد ثلاث جولات حصلت مساء أمس (الثلاثاء)، وصفها الإعلام العبري بـ”الدراما المجنونة”، وجرت على درجة عالية من التنافس على قيادة الحركة في غزة بين القياديين يحيى السنوار ونزار عوض الله، وهو من الرعيل الذي دخل الحركة في زمن الشيخ المؤسس أحمد ياسين، فاز السنوار بولاية ثانية في الجولة الرابعة التي تمت عصر اليوم (الأربعاء) بـ167 صوتاً مقابل 147 صوتاً لعوض الله، متخطياً نسبة الـ50% من عدد الناخبين الـ320.

جاءت هذه الجولة في إطار الانتخابات الداخلية التي تجريها حماس دورياً كل أربع سنوات، حيث يعاد خلالها انتخاب شورى الحركة ومكتبها السياسي انطلاقاً من الانتخابات الفرعية في الأقاليم الأربعة وعلى رأسها قطاع غزة. السنوار وعوض الله كانا من بين خمسة مرشحين في القطاع أفرزتهم انتخابات هيئات إدارية وشورى المناطق وبعدها شورى عام غزة، فكان إلى جانب الرجلين كل من القياديين محمود الزهار وفتحي حماد وزياد الظاظا، لكن المنافسة انحسرت أخيراً بين السنوار وعوض الله.

وبالرغم من أن آخر المتنافسين أي السنوار وعوض الله هما من الخط نفسه، أي “خط القسام”، إلا أن الترقب بحذر من قبل أجنحة الحركة لنتائج الانتخابات، ساد اللحظات الأخيرة. فاختيار الشخصية الأولى في القطاع له تأثير على السياسات العامة لحركة حماس. انطلاقاً من حيثية القطاع الجيوسياسية في العلاقة مع مصر من جهة ومع الاحتلال من جهة ثانية. ففي غزة ومنها، تُخاض الحروب كما التفاهمات السياسية ولو إتخذت أحياناً عناوين إنسانية. ويؤثر البعد القيادي في حماس أيضاً على التعامل مع موضوع الانقسام الفلسطيني وملف المصالحة الذي يتولاه كل من صالح العاروري عن حماس وجبريل الرجوب عن حركة فتح، وأيضاً في طريقة التعاطي مع السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، وإدارة الانتخابات التشريعية المزمع إقامتها في 22 أيار/ مايو القادم، من حيث القوائم وشكلها والشخصيات التي سيتم ترشيحها من قبل الحركة لخوض الانتخابات، ومن بعدها الإنتخابات الرئاسية في تموز/ يوليو المقبل.

انتخاب السنوار مجدداً يجسد إرادة الغزاويين في الإمساك بزمام قيادة الحركة، جرياً على عادتهم، وهم الذين يرددون بأن “حماس غزة وغزة حماس”، ولا يغيب عن بالهم بأن سيطرة قيادة الخارج وعلى رأسها خالد مشعل على قرار حماس سابقاً، وحتى العام 2017، كان حدثاً طارئاً

من جهة ثانية، فإن شكل القيادة في غزة، ومدى قوة الشخص الذي يقود ويعزز ثقل القطاع في الحركة، له تأثير بالغ في مجرى العلاقة مع إيران والمحور الذي تقوده ويضم سوريا وحزب الله والحركة الحوثية والحشد الشعبي في العراق من جهة، وأيضاً العلاقة مع تركيا وقطر من جهة أخرى.

وعليه فإن انتخاب السنوار مجدداً يجسد إرادة الغزاويين في الإمساك بزمام قيادة الحركة، جرياً على عادتهم، وهم الذين يرددون بأن “حماس غزة وغزة حماس”، ولا يغيب عن بالهم بأن سيطرة قيادة الخارج وعلى رأسها خالد مشعل على قرار حماس سابقاً، وحتى العام 2017، كان حدثاً طارئاً. إذ استغل “أبو الوليد” (مشعل) منذ تسعينيات القرن الماضي تصفية قيادات حماس في الداخل إلى جانب عوامل أخرى ليمتطي جواد الحركة بقوة المال التي يرتكز إليها إقليم الخارج.

قصة مشعل مع القيادي الراحل عبد العزيز الرنتيسي لا زالت حاضرة في وعي أبناء حماس في غزة. فقبل استشهاد الرنتيسي بفترة، وتحديداً عام 2002 إبان مفاوضات القاهرة لوقف إطلاق النار والعمليات الاستشهادية، اختلفت قيادة الداخل مع خالد مشعل، الذي كان يومها مؤيداً للهدنة ومخالفاً لتوجهات الرنتيسي الرافضة لها. ولما اشتد الخلاف، أوقف مشعل الدعم المالي من الخارج. عندها دعا الرنتيسي إلى حملات دعم وتبرع في الداخل، جمعت على أثرها الحركة، أموالاً تفوق ما كان يرسله مشعل (النساء الحركيات تخلين في حينه عن الحلي والذهب)، فلم يستطع “أبو الوليد” لي ذراع قيادت الداخل وإضطر إلى معاودة إرسال الدعم من الخارج.

هذه الخطوة هي مقدمة حتمية لانتخاب اسماعيل هنية (أبو العبد) لولاية ثانية على رأس المكتب السياسي لحركة حماس وتحقيق سياساته بانسيابية تامة

إذاً لم تتحقق أمنيات الطامحين بسقوط السنوار وخصوصاً جناح الخارج البراغماتي القريب من تركيا وقطر، ليس حباً بمنافسه نزار عوض الله، إنما خشية من قوة السنوار الذي يصفه الإعلام “الإسرائيلي” بـ”رجل إيران في غزة”، ويمتلك كاريزما تستظل بفيء ووهج “قوة القسام”، وهو من الشخصيات الداعمة لرئيس المكتب السياسي الحالي اسماعيل هنية ابن غزة وأحد أبرز رموز جناح الداخل البراغماتي القريب من إيران. والذي لا يزال أسيراً لفضل يحيى السنوار، حين كان قبل اعتقاله من قبل الاحتلال في الثمانينيات الماضية رئيساً لمجلس طلاب الجامعة الإسلامية في غزة، عندما كان هنية عضواً في المجلس نفسه.

إقرأ على موقع 180  "حرب الإبادة".. سبع مفارقات أمريكية استراتيجية

لا شك بأنه مع انتخاب السنوار، لا خوف على المسار الذي انتهجته حماس منذ الإعلان عن وثيقتها السياسية في العام 2017. مسار حافظ، وفق الإعلام العبري، “على علاقة وثيقة مع المخابرات المصرية ومع القيادي الفتحاوي محمد دحلان”، ودعم تفاهمات الهدنة بوساطة مصرية مع “إسرائيل”، كما حافظ في آن على المساعدة المالية الشهرية القطرية لقطاع غزة، وواصل عملية تطوير أسلحة جديدة وتهريب أسلحة إلى قطاع غزة وبناء أنفاق، وتنمية قدرات “كتائب القسام” العسكرية، ولا سيما قدراتها الصاروخية.

يمكن اعتبار فوز السنوار برئاسة المكتب السياسي لحماس في غزة هو فوز لقيادة “القسام” ولو أنها لم تستخدم “العقلية العربية الأبوية” ولم تتبن أياً من المرشحين بشكل علني وفي أجواء تنافسية تعكس تباينات الأجنحة حتى ضمن الجناح الواحد. إلا أنه يعبر عن توجهات العسكر الذين دمغت رؤيتهم في سياسته، ولا شك في أن خسارته لو حصلت لكانت شكلت ضرراً بالحد الأدنى على مستوى تواجدهم في مؤسسات صنع القرار. كما أن هذه الخطوة هي مقدمة حتمية لانتخاب اسماعيل هنية (أبو العبد) دون غيره من المرشحين، وذلك لولاية ثانية على رأس المكتب السياسي لحركة حماس وتحقيق سياساته بانسيابية تامة، وهذه ربما لم تكن لتحصل بشكل مضمون في حال كان الفائز هو نزار عوض الله.

Print Friendly, PDF & Email
علي دقماق

كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "المونيتور": فرصة "الترسيم" مع لبنان.. ضئيلة إسرائيلياً