مجموعة دبلوماسيين يجتمعون، في فيينا. يحاولون إجتراح حلول بالتعاون مع خبراء ماليين ونوويين وسياسيين، لإعادة وصل الخطوط التي قطعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يوم إعلانه خروج بلاده من الاتفاقية النووية.
المثير للانتباه أن ترامب أعلن قراره قبل اربعة أعوام بالضبط، في مثل هذه الأيام من العام 2018. وبرغم كونه رئيساً سابقاً إلا أنه يبدو أكثر الحاضرين في ذهن من يبذلون جهوداً مضنية للعودة إلى نقطة الصفر التي تبدو حتى اللحظة بعيدة المنال، على الأقل بلحاظ المطروح على الطاولة.
حول الطاولة إياها، جلس المفاوض الأوروبي انريكي مورا الأربعاء 11 أيار/مايو 2022، ليستمع لما لدى الإيرانيين بعد رحلته الماضية في مارس/آذار والتي حمّله الإيرانيون فيها إجابات على أسئلة الوساطة. دوّن الدبلوماسي الأوروبي المخضرم ما سمعه على مدى الأسابيع الماضية من جميع الأطراف على الأوراق بالحبر الأزرق في مسعى لإغلاق فوهة البركان.
في الطائرة المتجهة من الدوحة إلى طهران، صادفته وحيداً يحاول ترتيب ما لديه. سألته إن كان يحمل رسالة إلى الإيرانيين من واشنطن، فنفى مؤكداً أنه أتى بناء على دعوة الإيرانيين وهو هنا ليستمع إلى ما لديهم، وما إذا كانت لديهم طروحات جديدة. في الوقت ذاته، قال الإيرانيون على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن قومي علي شمخاني إن “زيارة مورا لإيران جاءت بعد التقدم في مفاوضات فيينا لرفع الحصار”.
سألت مورا عن القضية الأكثر حرجاً في المفاوضات، إخراج الحرس الثوري من لوائح الإرهاب ورفع العقوبات الأميركية المفروضة، وهو ما كان تحدث مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل عنه كحل وسط معقول، و”آخر رصاصة” على حد تعبيره. لكنه أخبرني أن الأميركيين رفضوا هذا المقترح حتى اللحظة وأنهم غير مستعدين بأي شكل من الأشكال لهذه الخطوة في المرحلة الحالية.
هل العثرات التي تواجه الاتفاق النووي عضوية وتعكس المعضلات المتراكمة إلى جانب ثغرة انعدام الثقة، أم انها لحظية مرتبطة بالتحولات الكبرى في العالم والتي تدفع الإيرانيين للتفكير ملياً بخياراتهم والتزاماتهم، لا سيما تلك التي عقدت في أزمنة أخرى؟
حطّ مورا في طهران وذهب لعقد لقاءاته بعدما كان توقف في العاصمة القطرية؛ وفي الدوحة أيضاً، حطّ نائب وزير الخارجية الأميركي براين ماكيون لنقاش أولويات واشنطن في المنطقة وأمور أخرى. ويوصف ماكيون بالمقرب جداً من وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن إلى جانب كونه أكثر شخصيات وزارة الخارجية انتقادا لترامب ولفترة حكمه، وهو ممن يحترفون الترتيبات الأمنية وقد تولى في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عدة مسؤوليات في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
من غير المعلوم ما إذا كان تزامن مرور مورا وزيارة ماكيون للدوحة مرتبطاً، كما هو الحال عندما عاد مورا من رحلته السابقة لطهران، حيث التقى مع مندوب الولايات المتحدة لشؤون إيران روبرت مالي على متن الطائرة المتجهة من قطر إلى أميركا. وإذا وضعنا هذا كله جانبا، فزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى طهران الخميس 12 أيار/مايو 2022، تُسلط الضوء بشكل كبير على الجهد الذي تبذله الدوحة لتقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية.
وكانت معلومات سابقة قد تحدثت عن أن محور زيارة أمير قطر سيتركز على طرح أفكار جديدة لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران وبعض الترتيبات التي قد تساعد في تحفيز طهران للمضي قدما باتجاه تسوية تعيد الحياة إلى الاتفاق النووي. في الأثناء، بدأت نبرة جديدة في إيران تعزف على طلب ضمانات من أميركا خلال الفترة المتبقية من رئاسة بايدن، حيث شدّد مستشار فريق المفاوضات الإيراني على ضرورة أن “تحل واشنطن القضايا المهمة المتعلقة بالضمانات لبقية فترة رئاسة جو بايدن”، متسائلًا عن الفائدة إذا لم يستطع بايدن أن يقدم ضمانات ذات مغزى خلال الفترة المتبقية من رئاسته؟.
من المؤكد أن ما في الجعبة القطرية غير معروف حتى الآن، لكن لا شك أن للدوحة مصلحة حقيقية في إيجاد مساحة حوار بين خصمين ترتبط مع كل منهما بعلاقة مميزة.
في المقابل، يُطرح سؤال كبير بالتوازي مع الوساطات الدولية والإقليمية، حول ما إذا كانت العثرات التي تواجه الاتفاق النووي عضوية وتعكس المعضلات المتراكمة إلى جانب ثغرة انعدام الثقة، أم انها لحظية مرتبطة بالتحولات الكبرى في العالم والتي تدفع الإيرانيين للتفكير ملياً بخياراتهم والتزاماتهم، لا سيما تلك التي عقدت في أزمنة أخرى؟
(*) بالتزامن مع “جاده إيران“