أميركا وإيران عالقتان.. والثمن النووي يكبر

منذ ثمانية عشر شهراً تتزاحم التقديرات حول المدة التي تفصل إيران عن العتبة النووية. دائماً ما طُرح السؤال: ما هي العتبة النووية؟ تقنيًا، هي مرحلة يتوفر فيها، لدى جهة ما، كمية من اليورانيوم المخصب بنسب تترواح بين 20% و60%، ليعاد تخصيبها على مستوى 90%، وهي النسبة التي تجعل اليورانيوم جاهزا لتحويله إلى رأس حربي نووي.

تشير التقديرات الأكثر تفاؤلاً على المستوى الغربي، إلى أن إيران تحتاج أسبوعين فقط كي تتجاوز العتبة النووية، أما التقديرات الأكثر تشاؤماً في الغرب، فتشير إلى أن ما لدى إيران يكفيها لصناعة خمسة رؤوس حربية نووية.

وفي دراسة لـ”إيران واتش” صادرة عن “مشروع ويسكونسن للحد من انتشار الأسلحة النووية”، تأكيد بأن ما لدى إيران أصبح كافياً لإنتاج ما يكفي من يورانيوم خلال أسابيع قليلة، لتجهيز 5 رؤوس نووية حربية من خلال أجهزة الطرد المركزية IR1 و IR2، لكن الدراسة تحذر من أن “شيئاً ما قد يكون مستمراً في مواقع سرية، وأنه كلما تقدمت أجهزة الطرد المركزية الإيرانية كلما ضاقت المساحة التي يمكن من خلالها القيام بعملية التخصيب وازدادت السرعة، وبالتالي إمكانية رصد ذلك سيكون أكثر صعوبة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الخارجية”.

هذه التقديرات وغيرها مما لم يعلن، دفعت خبراء جميعة الحد من التسلح إلى حث الرئيس الأميركي جو بايدن على بذل جهد دبلوماسي أكبر لإحياء اتفاق 2015 النووي مع إيران بشكل فوري، مؤكدين أن “إدارة بايدن لم تتعاط مع الأزمة المتعاظمة التي أشعلها الرئيس السابق دونالد ترامب بالدرجة التي تستحقها”. الجمعية ذكّرت بالكلام الأخير لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، الذي حذّر من أنه لدى الوكالة والمفتشين بين ثلاثة وأربعة أسابيع قبل أن يفقدوا اطلاعهم الكامل على برنامج إيران النووي، أو سيكون الأمر منوطاً بالتوقعات لمعرفة مدى التقدم الذي أصبح عليه البرنامج الإيراني.

بحسب دبلوماسي عربي مطلع على مسار المفاوضات الإيرانية الأميركية غير المباشرة فقد “أصبح العالم على عتبة الغموض النووي الإيراني”، وهذا ليس في فائدة أي من الأطراف بما في ذلك إيران، على حد تعبيره. الدبلوماسي العربي أشار إلى أن “المساعي الجارية على أكثر من قناة تصطدم بحائط من المصالح الداخلية في كلا البلدين، حيث “لا تبدو حكومة (إبراهيم) رئيسي في طهران، أو حكومة (جو) بايدن في واشنطن في موقع يسمح لهما بتقديم تنازلات حقيقية.”

خلال الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده أرسلت مقترحات جديدة إلى الولايات المتحدة عبر وسطاء. وكشفت منصة “أمواج ميديا” أن المقترحات جرى إرسالها عبر كبير المفاوضين النوويين الأوروبيين انريكي مورا الذي كان في زيارة امتدت لأيام إلى سلطنة عُمان. وعلمت “جاده إيران” أن الجانب الإيراني ارسل الى مورا في مسقط الحزمة المقترحة من دون حصول لقاء مباشر بين الطرفين.

تطورات متسارعة

حصل ذلك بينما كان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يقدم تقريره الجديد أمام مجلس المحافظين في الوكالة في فيينا، حيث أشار إلى “تقصير إيران في تقديم معلومات مطلوبة عن ثلاثة مواقع جرت فيها عمليات تخصيب يورانيوم”، بينما قالت إيران إن آثار اليورانيوم في تورقوز آباد وميروان وورامين قد تكون زرعت في عمل تخريبي. وأقر مجلس إدارة الوكالة الدولية مشروع قرار مقدم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ينتقد سلوك طهران ويطالبها بالتعاون مع تحقيقات وكالة الطاقة.

القيادة الإيرانية، وبرغم شعاراتها الأيديولوجية، أكثر ميلاً للواقعية السياسية، وهو ما يجعلها تستفيد من أوراق الضغط المختلفة لصناعة واقع جديد بدل تبني مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”. وورقة التصعيد النووي الحالية قد تكون من وجهة نظر طهران أداة ناجعة لإيصال رسالة مفادها “أن ثمن عدم الاتفاق، أكبر بكثير من ثمن القضايا العالقة التي تعرقل إعادته إلى الحياة”

ويعرب القرار، وهو الأول ضد إيران منذ يونيو/ حزيران 2020، عن “القلق العميق من أن قضايا الضمانات المتعلقة بهذه المواقع الثلاثة غير المعلنة لا تزال معلقة بسبب عدم كفاية التعاون الحقيقي من قبل إيران”.

مع ذلك، لا بد من ملاحظة أن ارتفاع لهجة القرار لم تنعكس في خطوات عملية من قبيل تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما لا يمكن فصله عن الواقع الدولي الحالي وأيضاً رغبة الولايات المتحدة في عدم حرق الأشرعة لما من ذلك من تأثير على مجمل المسار التفاوضي.

ردّت إيران بمجموعة خطوات فورية، حيث جرى ابلاغ الوكالة الدولية بـإزالة 27 كاميرا مراقبة إضافة إلى معدات مراقبة أخرى وضعتها الوكالة بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

وقال مدير عام الوكالة للصحفيين إن تلك المعدات ستزال من مختلف المواقع النووية، ومنها في نطنز وأصفهان وطهران وغيرها، وأضاف قائلا:”بالطبع هذا يشكل تحديا خطيرا أمام قدرتنا على مواصلة العمل هناك”.

بدوره، أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية محمد إسلامي أن إيران أنهت حسن نيتها في التعامل مع الوكالة الدولية من خلال إيقاف عدد من كاميراتها التي كانت تسجل مجريات العمل النووي.

إقرأ على موقع 180  انتخابات 2024 في أمريكا.. كيف تتحرك أصوات الناخبين المسلمين؟

ماذا يحدث في الكواليس؟

من المهم  جداً في الربط بين قضية المواقع الثلاثة المشبوهة التي تحدث عنها تقرير الوكالة الدولية، وبين اللقاءات الأخيرة في مفاوضات فيينا بين شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس هذا العام. فإلى جانب قضية رفع الحرس الثوري عن اللوائح الإرهابية الأميركية، كانت قضية المواقع المشكوك فيها محل جدل لكنه لم يطل بعد تصدي غروسي لحله بشكل شخصي. فبينما كانت الوفود تلتقي في فيينا، حطت طائرة مدير عام الوكالة الدولية في إيران والتقى بالمسؤولين الإيرانيين وجرى نقاش موضوع المواقع. المطلب الإيراني كما نقلت جاده إيران حينها كان إنهاء ملف المواقع المشتبه بها والتي لم تقدم طهران بدورها أجوبة وافية حولها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حينها قال مصدر دبلوماسي في فيينا إن “الوكالة لعبت دورا كبيرا في ترتيب المشهد الأخير وإخراجه من مساحة الجمود بما في ذلك تأجيل إصدار تقريرها المرتقب”.

حينها كانت الظروف تبدو وكأن الاتفاق أصبح وشيكاً جداً، ولكن الحقيقة أن المصادر المختلفة كانت تسرب قرب التوصل للاتفاق، وهي تدرك أنه لا يزال بعيداً، من أجل إبعاد صفة العرقلة عنها.

عود على بدء، المواقع المشبوهة تعود لتتصدر المفاوضات من زاوية العلاقة بين الوكالة الدولية وإيران، ويبدو أن طهران قررت بدورها رفع السقف النووي، من خلال إطفاء الكاميرات تدريجياً في مفاعلاتها وإحاطة برنامجها بالغموض، بالتوازي مع ميل دولي إلى كونها اتمت أو اقتربت من اتمام العدة التقنية لصناعة قنبلتها الأولى التي تحولت مع الوقت إلى مطلب على صفحات الصحف وألسنة النخب الإيرانية. الواقع أن القيادة الإيرانية، وبرغم شعاراتها الأيديولوجية، أكثر ميلاً للواقعية السياسية، وهو ما يجعلها تستفيد من أوراق الضغط المختلفة لصناعة واقع جديد بدل تبني مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”. وورقة التصعيد النووي الحالية قد تكون من وجهة نظر طهران أداة ناجعة لإيصال رسالة مفادها “أن ثمن عدم الاتفاق، أكبر بكثير من ثمن القضايا العالقة التي تعرقل إعادته إلى الحياة”.

التقاط الإشارات

واشنطن، وبعد تحفيزات، أشاحت النظر عن بيع إيران لنفطها هنا وهناك، وعادت لتشد الحبل من جديد في رسالة بأن فترة السماح لا يمكن أن تطول حتى ولو كانت الظروف الدولية تفرض ذلك. وبالتوازي كانت المناورة بالرصاص الحي في شوارع طهران، والتي توجهت أصابع الاتهام فيها نحو إسرائيل، ترفع السقف إلى مستوى جديد يشبه ذلك الذي ساد في العام 2020 والذي تضمن هجمات على مجمع بارشين العسكري، ومفاعل نطنز النووي، واغتيال العقل التكنولوجي العسكري الإيراني محسن فخري زاده. هذه المرة، سقط مهندس في هجوم بطائرة مسيرة على مجمع بارشين، وضابط كبير في “قوة القدس” في طهران برصاص مجهولين، إضافة إلى وفاة غامضة لعالم إيراني متخصص بالتوربينات وبصناعة الطائرات المسيرة في مدينة يزد.

ينقل تقرير نشرته مجلة “ذا إكونومست” البريطانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يأمل في أن تؤدي هذه الهجمات التي لم تعد إسرائيل تخفي مسؤوليتها عنها، إلى دفع إيران للقبول باتفاق نووي أكثر تشدداً تجاهها من اتفاق 2015، وأنه يرى بأن “على واشنطن تشديد عقوباتها لكي تفرض على طهران المزيد من القيود، بما في ذلك إلغاء تاريخ انتهاء القيود الذي كانت خطة العمل الشاملة المشتركة قد أقرته في فيينا قبل سنوات”. لكن هذه الرؤية الإسرائيلية تبدو غير مقنعة لإدارة الرئيس بايدن في هذه المرحلة، وعالقة بين طريقين أن لم تكن مشلولة. ولا تبدو قادرة على الحركة، بين سياسة العقوبات القصوى التي تبناها الرئيس السابق دونالد ترامب، وبين استراتيجية الحوار والاحتواء التي جاهر بها الرئيس الأسبق باراك أوباما، لكن إدارة بايدن ليست وحدها العالقة.

فإدارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بدورها عالقة بين سياسة التفاوض والحوار التي انتهجتها حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، وبين سياسة التشدد التي سيطرت على فريق التفاوض في حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وبين هذا وذاك، حذر كثر في طهران من عدم التقاط الإشارات، لا سيما تلك التي يجمع عليها من مروا في هذا الطريق من قبل، والأصدقاء، وبعض الوسطاء.

(*) بالتزامن مع “جاده إيران”

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ثنائي بايدن ـ فرنسيس والحوار مع إيران.. متى وكيف؟